الكثير من التقدم أحرزته بنوك منطقة اليورو لتصبح أكثر مرونة، فالأزمات التى أثرت على البنوك الإقليمية الأمريكية باستثناء كريدى سويس لم تؤثر على مُقرضى منطقة اليورو.
وأسهمت القواعد الأكثر صرامة فى مستويات مرتفعة من السيولة ومراكمة رؤوس الأموال، رغم ارتفاع تكلفة ذلك على البنوك، لكنها أسهمت فى تحقيق ذلك الاستقرار، وهناك أمر آخر حيوى لدعم الثقة فى بنوك منطقة اليورو هى آلية الإعصار الوحيد، وهى آلية تواجه تعثر البنوك بأقل تكاليف ممكنة على دافعى الضرائب.
وبنهاية العام الحالى، ستنتهى مهلة الثمانى سنوات، والتى أتيحت للبنوك للاكتتاب فى صندوق حل الإعصار، وسيمتلك الصندوق ذخيرة قدرها 80 مليار يورو ستستخدم لدعم البنوك الأوروبية التى ستواجه المشكلات، وبالتالى يتم تجنب استخدام أموال دافعى الضرائب كما كان يحدث فى السابق.
وسبق وأن تم اختبار ذلك النظام فى حالة إفلاس «بانكو بوبلار» وثبتت فاعليته عمليًا. لكن لا تتحمس كثيرًا، لاتزال هناك فجوة حرجة فى بنية القرار، إذ تهدف آلية الاستقرار الأوروبية إلى أن تكون بمثابة دعامة يمكنها فى وقت قصير مضاعفة حجم الصندوق، وتُعد المرونة فى تعبئة موارد آلية الاستقرار أمرًا ضروريًا للحفاظ على الثقة، فى حالة تعرض البنوك الكبيرة للمتاعب، لكن هناك عقبة كبيرة تقف فى طريق دور آلية الاستقرار الأوروبية فى دعم بنوك منطقة اليورو فى أوقات الأزمات، وهذه العقبة تسمى إيطاليا.فالحكومات الإيطالية المتعاقبة رفضت التصديق على المعاهدة التى تسمح بتحسين فاعلية آلية الاستقرار الأوروبية، ومؤخرًا ألمحت رئيسة الوزراء جيورجيا ميلونى، أن تكون موافقة إيطاليا على الآلية فى مقابل إقرار قواعد مالية أكثر تساهلاً للدول الأعضاء فى الاتحاد الأوروبى.
هاتان المسألتان غير مرتبطتين على الإطلاق وموقف روما ليس أقل من ابتزاز.ما يزعج إيطاليا هو الخوف المهووس من الدخول فى وضع مشابه لليونان قبل عقد من الزمان، فى السياسة الإيطالية، مصطلح «آلية الاستقرار الأوروبى» يعادل الألم الاقتصادى والتقشف.ويبدو أن فقدان السيادة الضمنى فى أن يتم التحكم به من قبل الغرباء حول الخيارات السياسية التى يجب على الحكومة الشروع فيها أمرا لا يمكن تحمله.
ربما الرسالة الشهيرة لعام 2011 التى أرسلها رئيس البنك المركزى الأوروبى جان كلود تريشيه إلى الراحل سيلفيو برلسكونى، رئيس الوزراء آنذاك، لاتزال تطارد أجزاء من الطبقة السياسية.
كان تريشيه واضحًا جدًا بشأن الخطوات الملموسة التى يجب على الحكومة الإيطالية اتخاذها للتخفيف من الأزمة، وبعد ذلك بوقت قصير، استقال برلسكونى وتم استبداله بالتكنوقراط ماريو مونتى.ومهما كانت الأعباء النفسية التى قد تثقل كاهل السياسيين الإيطاليين، فإن رفض التصديق على معاهدة الاستقرار الأوروبية هو عمل غير عقلانى لإيذاء النفس.
وبدلاً من احتجاز بقية أوروبا كرهينة بسبب المعاهدة، تتصرف إيطاليا كشخص يحمل مسدسًا فى رأسه، ويصرخ أنه إذا لم يحصل على ما يطلبه، فسوف يسحب الزناد.وتتمتع إيطاليا بأحد الأنظمة المصرفية الأكثر ضعفًا فى أوروبا، وكانت القصة متعددة السنوات حول «مونتى دى باشى»، أقدم بنك على قيد الحياة فى العالم، بمثابة تذكير قوى لهشاشة النظام.
وتمتلك البنوك الإيطالية جزءًا كبيرًا من أصولها فى سندات الحكومة الإيطالية، وأى بيع للسندات السيادية سيضر النظام المصرفى الإيطالى بشكل أقوى من أى نظام آخر فى أوروبا، وهذا يجعل عناد روما محيرًا.بعد قولى هذا، يجب السماح لبقية أوروبا بالمضى قدمًا، وذكّرتنا الاضطرابات هذا الربيع بأن الأزمات المالية يمكن أن تحدث ولا تزال قائمة، ويجب أن تكون أوروبا قادرة على استخدام جميع الأدوات المتاحة لها.
وإذا كانت إيطاليا لازال تبحث فى الأمر، فيجب على الآخرين التحرك، ومن غير المعقول أن تكون إيطاليا مستفيدة، ربما أكثر من أى دولة أخرى، من أداة حماية الانتقال الخاصة بالبنك المركزى الأوروبى، والتى تم الكشف عنها قبل عام، وتسمح لفرانكفورت بشراء الأوراق المالية الحكومية بشكل انتقائى لدولة عضو تتعرض لضغوط بيع غير مبررة.
ويجب على البنك المركزى الأوروبى أن يوضح أن آلية الحماية من مخاطر الانتقال هى آخر محطة للحماية بعد استنفاذ المستويات الأخرى من الدعم الأوروبى وبالتالى سيتم استبعاد إيطاليا من الاستفادة منها إذا لم تدعم آلية الاستقرار الأوروبى، وبمجرد إعلان ذلك أتوقع رفع حظر التصديق فى إيطاليا، فهى الحلقة الأضعف فى منطقة اليورو، ولا يمكن أن تسير بمفردها، ولكن مهما اختارت روما أن تفعل، يجب ألا تقف فى طريق أى شخص آخر على استعداد لحماية دافعى الضرائب الأوروبيين وجعل بنوك منطقة اليورو أكثر أمانًا.
بقلم: موريتز كريمر
كبير الاقتصاديين فى بنك «إل بى بى دبليو» الألمانى








