الاستيلاء على احتياطيات البنكين الروسي والأفغاني ومخاوف الديون الأمريكية يدعم البحث عن بدائل
كانت المعادن النفيسة والأحجار الكريمة ملاذات آمنة مفضلة في أوقات الخطر والاضطراب على مدى قرون.
واليوم، تعد البنوك المركزية المكلفة بإدارة الاحتياطيات الأجنبية لبلدانها من بين المستثمرين الأكثر تحفظًا وتجنبًا للمخاطر على هذا الكوكب. بالتالي بات كثيرون يلجأون للذهب في رحلة بحثهم عن ملاذات آمنة على الصعيد المالي.
بطريقة ما، يعتبر هذا الأمر مخالفا للبديهة. ففي ظل ارتفاع أسعار الفائدة الأمريكية، تعزز العائدات المرتفعة دعم الدولار، الذي مايزال العملة الاحتياطية المهيمنة في العالم، وهذا بدوره يعني أن تكلفة الفرصة البديلة لحيازة الذهب آخذة في الارتفاع.
مع ذلك، ساعد طلب البنك المركزي القوي على الذهب العام الماضي وخلال الربع الأول من العام الحالي، على دفع أسعار المعدن لتقترب من مستويات قياسية مرتفعة.
وأوضحت مجلة “نيكاي آسيان ريفيو” اليابانية، أن السبب كان بسيطًا، إذ كان الذهب كفئة أصول من بين أكبر المستفيدين من زيادة حدة الصراع بين الولايات المتحدة والصين وحرب أوكرانيا.
وجنبًا إلى جنب مع الذهب، حصلت احتمالات تحول اليوان إلى عملة احتياطية على دفعة متواضعة، تصاعدت المخاوف من تسليح الدولار منذ أن صادرت الولايات المتحدة ما قيمته 300 مليار دولار من احتياطيات البنك المركزي الروسي في أعقاب غزو أوكرانيا.
في الوقت نفسه، رفضت واشنطن السماح لطالبان بالسيطرة على 7 مليارات دولار من احتياطيات البنك المركزي الأفغاني التي احتفظ بها النظام السابق لدى الاحتياطي الفيدرالي الأمريكى، كما أعربت ماليزيا ودول أخرى عن مخاوفها بشأن احتمال أن تصبح في يوم من الأيام ضحية لتسليح الدولار.
إلى الحد الذي يعني أن مشتريات الذهب تعني مشتريات أقل للدولار أو سندات الخزانة الأمريكية والأصول الدولارية الأخرى، يمكن أن تصبح تأثيرات الجولة الثانية لاتجاهات الشراء هذه كبيرة بمرور الوقت وتزيد من المخاوف الأخرى بشأن سندات الحكومة الأمريكية، كما أن الاستدامة المالية أصبحت مشكلة مع تضخم الديون الرسمية للولايات المتحدة.
وفي الوقت نفسه، أصبح التزام واشنطن بالعولمة والتجارة الحرة موضع تساؤل.
إذا كانت دولة أخرى لا ترغب في الاستثمار في الأصول الدولارية، فلماذا تحتفظ بالدولار؟
قال الاقتصادي الأمريكي إسوار براساد على هامش المنتدى الاقتصادي العالمي في تيانجين بالصين الشهر الماضي، إن “كل بنك مركزي يبحث عن التنويع وبديل للدولار، وهذا سيحدث تدريجياً بمرور الوقت”.
اشترت البنوك المركزية والمؤسسات شبه الرسمية الأخرى ما يقرب من 1100 طن من الذهب في 2022، أو ضعف ما اشترته في الأعوام الخمسة السابقة مجتمعة، وهذا كان أكبر شراء سنوي منذ 1950 على الأقل، حسب بيانات “جي بي مورجان”.
اشترت هذه المؤسسات ما يصل إلى 229 طنا إضافيا بين يناير ومارس من العام الحالي، بزيادة 176% عن العام السابق، وفقًا لبيانات مجلس الذهب العالمي.
من المؤكد أن التخلي عن الدولار كان مُبالغًا في توقعه في الماضي، لكن قد يكون هناك شيء ما على قدم وساق هذه المرة.
يمثل الدولار الآن 58% من احتياطيات البنك المركزي العالمي، بانخفاض عن 73% اعتبارًا من 2000، فيما يشكل الذهب الآن 15%.
بدأت روسيا في تحويل احتياطياتها بعد استيلائها على شبه جزيرة القرم في 2014، لكن الاتجاه العالمي أصبح أكثر أهمية وانتشارًا خلال العام الماضي.
وكتب محللو “جي بي مورجان” في تقرير صدر في مايو، أن “الصين زادت احتياطياتها من الذهب لستة أشهر متتالية بعد أن ظلت دون تغيير لمدة 38 شهرا”.
وأضافوا أن “الوتيرة الشهرية لزيادة احتياطيات الذهب هذه المرة أسرع من الجولات السابقة”، مشيرين إلى انخفاض متزامن في مقتنيات الخزانة في بكين.
استحوذت روسيا والصين على 60% من المشتريات الرسمية للذهب بين عامي 2010 و 2022، فيما جاءت دول الخليج ودول آسيا الوسطى من المشترين الآخرين، ولطالما كانت الهند ذات شهية للذهب.
وحتى سنغافورة تشتري المعدن بحكمة، إذ ينظر المسئولون هناك بقلق إلى الموقف الحمائي المتزايد للولايات المتحدة.
يشير ارتفاع سعر الذهب إلى أن العالم يبحث عن بديل للدولار حتى لو لم يكن هناك بديل واحد موثوق به في الوقت الحالي.
كما أن اليوان يأخذ تدريجياً بعض خصائص العملة الاحتياطية، خاصة في آسيا، وقد أصبح التنويع بشكل متزايد ضرورة وليس اختيارًا بسبب العقوبات.
من المؤكد أن الطريق مازال طويلاً، حتى في وقت تحاول فيه بكين بشكل متزايد إقناع شركائها التجاريين بالدفع باليوان .. لكن يشكل اليوان اليوم 2.3% فقط من المعاملات الدولية عبر شبكة الاتصالات المالية العالمية بين البنوك، وهذا يقارن مع 43% بالدولار و32% باليورو.
علاوة على ذلك، طالما أن بكين تحافظ على ضوابط رأس المال، فهناك حدود للتحدي الذي تفرضه على الدولار، لكن الدولار تراجع بالفعل عن ارتفاعاته الأخيرة، وربما يكون هذا التصحيح مقدمة لمزيد من الأمور في المستقبل.








