بنهاية فترة ولاية محافظ البنك المركزى الحالى حسن عبدالله.. ودون علم بما إذا كان سيجدد له أم لا.. فالرجل تولى منصبه فى فترة عصيبة، وورث تركة ثقيلة من سلفه الذى كان سبباً ـ بسياساته ـ فى كثير مما نعانيه الآن.. وبمجرد تعيينه فى العام الماضى، نجح فى رفع الظلم عن كثيرين فى القطاع المصرفى.. وقاد بكفاءة كل ما هو مطلوب من السياسة النقدية فى التعامل مع أزمة سعر الصرف.. ورغم صعوبة المرحلة، واستمرار الأزمة الاقتصادية، فإنه ما زال مُصراً على أن يُحمّل نفسه والبنك المركزى مسئولية أزمة سعر الصرف، وكأنه هو وحده المسئول عن سعر الصرف أمام الرئيس وأمام الشعب.. فقد كان ولا يزال مسالماً فى تعامله مع الحكومة فى هذه الأزمة والتى غالبية أسبابها وحلولها لدى الحكومة، وليس لدى البنك المركزى.. فأزمة سعر الصرف ليس سببها القطاع المصرفى، بل إنَّ القطاع مجرد متلقٍ ومدير للعملة الخضراء، ولكن من أين تأتى العملة الخضراء فهذه مسئولية الحكومة بسياساتها فى تحفيز الاستثمار المحلى والأجنبى، وتشجيع المصدرين، وإزالة المعوقات أمام القطاع السياحى.. فإذا ما فعلت الحكومة كل ذلك سيتدفق النقد الأجنبى، ولن تكون هناك أزمة فى سعر الصرف.. لذلك إذا ما تم التجديد لمحافظ البنك المركزى فعليه أن يضغط على الحكومة بشدة لاتخاذ سياسات حقيقية نحو الإصلاح الهيكلى للاقتصاد، وهذا ما تطالب به المؤسسات الدولية كصندوق النقد وغيره.. وإلا فإنَّ الأزمة ستستمر، وما يفعله البنك المركزى سيكون تعاملاً أجوف، لا يحقق نتائج للخروج من الأزمة.. هذا بخلاف الملفات التى تنتظر المحافظ، وتحديداً فى الشهر المقبل من مراجعات مع صندوق النقد الدولى للإفراج عن التمويل الذى وافق عليه الصندوق لمصر بقيمة 3 مليارات دولار، بالإضافة لنحو 1.3 مليار دولار من تمويل مبادرة «الصلابة والتماسك» التى أطلقها الصندوق لمساعدة نحو 70 دولة لديها مشاكل تمويلية؛ بسبب الحرب الروسية الأوكرانية، وتأثيراتها، واختلال النظام النقدى العالمى.. والأهم مواجهة التضخم واستهدافه،خاصة بعد وصوله لأرقام مخيفة، وتنذر بعواقب وخيمة، إذا ما استمر الحال على ما هو عليه.. والأهم هو قرار التعويم المنتظر الذى لا بد منه قبل الجلوس مع صندوق النقد الشهر المقبل، وهل سيكون «تحرير مرن» كما تطالب المؤسسات الدولية، أم «مدار»كما تصر مصر؛ خوفاً من انفجار الأسعار، وبالتالى زيادة قياسية للتضخم.. كذلك أمام المحافظ ملف التغييرات لعدد من القيادات المصرفية التى قضت مدتها القانونية فى البنوك العامة، وتحديداً بنوك الأهلى ومصر، والتنمية الصناعية.
اقرأ أيضا: حسين عبدربه يكتب: حكومة مدبولي.. كينز!
فهناك قيادات قضت أكثر من 3 دورات فى مناصبها، وأيضاً اختيار كفاءات جديدة، وخبرات فى مجالس إدارات هذه البنوك، وتعزيز كفاءة القطاع المصرفى، وممارسة مزيد من اختبارات الضغط أمر مهم لمحافظ البنك المركزى فى إشرافه ورقابته على القطاع المصرفى.. فهناك مشاكل فى صافى الأصول الأجنبية للقطاع، وبعض البنوك قد تواجه مشاكل فى توفير العملة الأجنبية، ولا بد من خلق مزيد من المنتجات المصرفية التى تزيد من إيرادات البنوك، بدلاً من الاعتماد فقط على تحقيق أرباحها من فوائد أدوات الدين الحكومى فقط، وكذلك ملف تخارج المال العام من القطاع المصرفى، فهناك المصرف المتحد وبنك القاهرة، فإنَّ هذا الملف طال أمره أكثر مما ينبغى، والتعامل فيه سيكون غالباً من خلال بيع حصة حاكمة أو بيعه كله لمستثمر استراتيجى، وهذا أمر يخص البنك المركزى، وليس وزارة المالية باعتبارها المالك أو الصندوق السيادى.. فالمركزى هو الذى يستطيع اختيار هذا المستثمر، وهو الذى سيوافق عليه فى نهاية إتمام الصفقة.. أما أن يتم طرح نسبة من أسهم البنك للتداول بالبورصة فأعتقد أن ذلك لا يفيد لا البنك ولا المالك.
ما ذكرته من كل هذه الملفات المفتوحة لدى محافظ البنك المركزى وإن كان أغلبها فى وقت ضيق الشهر المقبل.. فإنها فى غاية الخطورة.. وأعود لأكرر لا تُحمّلوا البنك المركزى ومحافظه أخطاء الحكومة، ولا تقارنوه بالمحافظ الأسبق فاروق العقدة، فكل منهما ولايته لها ظروفها، وإن كانت الفترة الحالية أصعب وأدق.. ففترة فاروق العقدة كانت مقصورة فقط على إصلاح القطاع المصرفى، بعد المشاكل التى واجهته؛ بسبب ارتفاع حالات التعثر التى هددت عدداً من البنوك بالإفلاس.. أما فترة حسن عبدالله فهى تتعامل مع أزمة اقتصادية صعبة تمر بها البلاد كغيرها من كثير من دول العالم بخلاف أن «العقدة» كان يحظى بدعم سياسى من نظام مبارك وقتها.. وهذا ما يحتاجه حالياً حسن عبدالله أن يستطيع فرض سياساته ومطالبه على الحكومة، ما دامت فى صالح الاقتصاد القومى، ويجب ألا ينظر إليه كعضو فى المجموعة الاقتصادية للدولة.. وفى النهاية وأياً ما كان الأمر بالنسبة للتجديد للمحافظ الحالى أو تغييره فإنَّ كل ما سبق يخص محافظ البنك المركزى بصفته.