بعد عامين من الأرقام المحيرة.. بريطانيا تعثر على الجزء المفقود من اقتصادها


تعد مراجعات البيانات الاقتصادية شائعة، فمن النادر أن تؤدى تعديلات الأرقام المنشورة بالفعل إلى إثارة أخبار كبيرة، ومن النادر أيضًا أن يجرى الإحصائيون فى مكتب الإحصاءات الوطنية تعديلات جذرية، لكنهم وجدوا مؤخرًا أن ما يقرب من نقطتين مئويتين لم يتم إضافتهما إلى الناتج المحلى الإجمالى للبلاد.

فى تحديث بتاريخ الأول من سبتمبر، أعاد مكتب الإحصاءات الوطنية كتابة التاريخ الاقتصادى الحديث لبريطانيا، علمًا بأن البيانات الرسمية السابقة أظهرت أن الاقتصاد لا يزال أقل بنسبة 1.2% فى نهاية عام 2021 مما كان عليه قبل الوباء، لكن التقارير الحالية تشير إلى أن الناتج المحلى الإجمالى آنذاك

كان فى الواقع أعلى بنسبة 0.6%، كما سارعت الحكومة إلى الإشارة إلى ذلك، فقد كان لمراجعات البيانات الاقتصادية تأثير ملحوظ على أداء بريطانيا مقارنة بنظيراتها.

وعلى مدى معظم العامين الماضيين، بدت بريطانيا متخلفة على مستوى العالم، مع نمو أضعف من أى من دول مجموعة الاقتصادات السبعة الغنية الرائدة.

بعد المراجعات، يبدو الأداء، وإن لم يكن ممتازًا، أكثر احترامًا، فقد تفوقت بريطانيا فى النمو على ألمانيا، على سبيل المثال، وحققت وتيرة مماثلة لتلك التى حققتها فرنسا، حسب ما نقلته مجلة “ذا إيكونوميست” البريطانية.

تخضع أرقام الناتج المحلى الإجمالى دائمًا للمراجعة مع توفر المزيد من المعلومات وينبغى، من الناحية النظرية على الأقل، أن تصبح أكثر دقة مع مرور الوقت.

وتمثل التحديثات الأخيرة تعديلاً مطلقًا كبيرًا، لكنها عادية بشكل يتناسب مع التغييرات الأساسية فى الناتج المحلى الإجمالى التى تتعلق بها.

جدير بالذكر أن حجم التقلبات فى الناتج المحلى فى عامى 2020 و2021 لم يسبق له مثيل فى الآونة الأخيرة، ولهذا السبب، تضيف المراجعات العادية النسبية تغييرات كبيرة فى الأرقام الرئيسية.

حتى بدون التقلبات العنيفة فى الناتج المحلى الإجمالى، كانت فترة الوباء فترة صعبة لجمع البيانات، ففى ظل بقاء العديد من العمال فى منازلهم، لم تضع الشركات ملء استمارات الإحصائيين الرسميين ضمن أولوياتها.

أحد التعديلات الكبيرة يتعلق بالأسهم، حيث يعتقد مكتب الإحصاءات الوطنية الآن أن الشركات كانت تعزز خلال عام 2020 ملكيتها من الأسهم غير المباعة، بدلا من تخفيضها، وهذا التكديس يعنى أن الانخفاض المبلغ عنه فى الناتج المحلى الإجمالى كان أقل حدة مما كان يعتقد فى البداية، إذ يبلغ 10.4% بدلاً من 11%.

والأهم من ذلك، أن النمو فى عام 2021 قد ارتفع من 7.6% إلى 8.7%.

كانت التقديرات الأولية للعام الجارى تعتمد فى معظمها على الأرقام المبلغ عنها، لكن الشركات تتمتع الآن بإمكانية الوصول إلى دراسات استقصائية أكثر تفصيلاً، وهذا يسمح لها بفحص مدخلات ومخرجات القطاعات المختلفة بدرجة أدق من التفصيل.

وهذا أدى- بجانب المنهجية المحدثة لتتناسب مع أحدث المعايير الإحصائية الدولية- إلى الاعتقاد بأن هوامش عام 2021 كانت أفضل بشكل عام مما كان يعتقد سابقًا، وبالتالى فإن الأرباح والدخل والناتج المحلى الإجمالى كان أعلى مما كان متوقعًا فى البداية.

كان التغير فى مستوى الناتج المحلى الإجمالى كبيرًا، لكنه تركز فى الغالب فى ربعين سنويين، وهما الربع الثانى من 2020، أى مع بداية تفشى وباء كوفيد، والربع الثانى من 2021، أى أثناء إعادة فتح الاقتصادات بعد طرح اللقاحات.

ويظل المسار العام للتعافى دون تغيير رغم أن الانخفاض الأولى فى الناتج الاقتصادى كان أقل حدة قليلاً مما كان يُخشى منه فى السابق، وكان التعافى الأول أسرع إلى حد ما.

ولا تقل أهمية التغيرات فى الأرقام الرئيسية عن التحولات الأساسية فى التركيبة القطاعية للنمو، فقد تمت مراجعة التغير فى إجمالى القيمة المضافة الخاص بتجارة الجملة (مقياس لقيمة السلع والخدمات التى ينتجها القطاع) فى 2021 من 2.7% فقط إلى 32.4%.

كما ارتفع نمو ناتج الخدمات الصحية من 34.6% إلى 57.1%، وهذا يعكس حسابًا أفضل للتأثير الاقتصادى لإطلاق اللقاح، وبرنامج الاختبار والتتبع، والتعافى القوى فى الخدمات الصحية العادية مما كان يعتقد من قبل.

بالتالى أصبحت الصورة العامة توضح أن أداء قطاع الخدمات كان أفضل مما كان متوقعًا فى السابق، رغم أن أداء قطاعات التصنيع والبناء والزراعة كان أسوأ.

تساعد المراجعات فى تفسير بعض المراوغات الغامضة فى الأداء الاقتصادى الأخير لبريطانيا، فقد كان مكتب مسؤولية الميزانية يكافح من أجل التوفيق بين عائدات الضرائب المرنة بشكل مدهش والنمو الاقتصادى الفاتر، لكن مراجعات البيانات الاقتصادية حلت هذا اللغز.

ومع ذلك، فمن غير المرجح أن تؤدى هذه التغييرات إلى تحولات كبيرة فى توقعات مكتب مسؤولية الميزانية للصورة المالية، فلا ينبغى لأحد أن يتوقع خفض الضرائب أو زيادة الإنفاق نتيجة لذلك، كما أن قوة التوظيف التى كانت محيرة بنفس القدر أصبحت الآن أكثر منطقية.

لمتابعة الاخبار اولا بأول اضغط للاشتراك فى النسخة الورقية او الالكترونية من جريدة البورصة

مواضيع: بريطانيا

منطقة إعلانية

https://www.alborsaanews.com/2023/09/06/1709913