فى وقت مثل هذا، من الصعب ألا نسترجع الكلمات المنسوبة إلى جون ماينارد كينز، بشأن عملية اتخاذ القرار بأدلة غير مؤكدة، حين قال “عندما تتغير الحقائق، أغير رأيي”.
وذلك هو الموقف الذى وجد مكتب الإحصاءات الوطنية نفسه فيه، عندما حدث التقديرات الرسمية للنمو الاقتصادى فى سنوات الوباء خلال عامى 2020 و2021، وفى الواقع هى إعادة كتابة لعناصر السرد الاقتصادى للمملكة المتحدة.
ولعل قياس القيمة الكاملة للاقتصاد الوطنى الذى تبلغ قيمته حوالى 2.5 تريليون جنيه إسترلينى ليست مهمة بسيطة.
ويعتمد ذلك على جمع كميات هائلة من البيانات التى تغطي كل قطاع من قطاعات النشاط – من الأسر وتجار التجزئة والبنوك والشركات وكذلك عبر الحكومة والقطاع العام.
بعض هذا يأخذ شكل عائدات المسح من المنظمات، والباقي عبارة عن بيانات “ثابتة” مثل المعلومات الضريبية.
وتعد المملكة المتحدة واحدة من أسرع الدول فى العالم للقيام بذلك، لكن الأجزاء المكونة للناتج المحلى الإجمالى لا تزال تستغرق وقتًا حتى تتجمع بالكامل.
بطبيعة الحال، لا يستطيع مستخدمو هذه الإحصائيات الانتظار لسنوات لمعرفة أداء الاقتصاد، لذلك نقوم بإعداد تقديرات أولية بناءً على البيانات المتوفرة بالفعل. ويأتي هذا إلى حد كبير في شكل مسح لنتائج الأعمال، والتي تصل مجتمعة إلى حوالى ثلثى المعلومات الكاملة النهائية.
وفى الأوقات العادية، قدم هذا صورة مبكرة دقيقة للاقتصاد. كانت المراجعات فى السنوات التي سبقت الوباء مباشرة تميل إلى أن تكون صغيرة. لكن من الواضح أن الاضطراب الذي شهدته سنوات “كوفيد – 19 “، لم يكن طبيعيا.
ليس من المستغرب إذن أن تؤدى تحديات القياس التى فرضها الانكماش الأعمق على الإطلاق في تاريخنا الاقتصادى، والتعافى اللاحق، إلى مراجعات أكبر.
وتبين أن ردود الاستطلاع المبكرة – التي ربما تأثرت بالطبيعة غير المسبوقة للأحداث – كانت أقل إيجابية من السيناريو الذى كشفت عنه البيانات اللاحقة والأكثر شمولاً.
ومن المفهوم أن يفاجأ بعض الناس بحجم هذه التغييرات. لكن من غير المعقول أن يتوقعوا من الإحصائيين مثلنا أن “يخرجوا بالنتائج الصحيحة” من المرة الأولى. لذلك، في حين أنني لا أزال على ثقة من أن تقديراتنا الأولية لسنوات كوفيد كانت أفضل ما يمكن في ضوء البيانات المتاحة – وأن تقديراتنا الأخيرة من غير المرجح أن تخضع لقدر مماثل من عدم اليقين – فإننى أريد أن أؤكد على ثقتنا فى عملنا بشكل مضاعف.
فنحن أولًا، قمنا بدعوة الهيئة الرقابية الرسمية، مكتب التنظيم الإحصائى، لمراجعة تحليلنا لهذه المراجعات، وكيفية تعاملنا مع الانقطاعات الحادة في الأداء الاقتصادى؟ وعلى قدم المساواة، كيف يتم الإبلاغ عنها؟
سيُظهر هذا ما إذا كان هناك أي شيء يمكننا القيام به بشكل مختلف.
ثانيًا، سنعطي الأولوية لتسريع الحصول على البيانات الأساسية في وقت مبكر من دورة الإنتاج لتحسين تقديراتنا الأولية. وذلك حتى يتثنى إجراء المراجعات فى أقرب وقت ضرورية، وسيكون لذلك آثار على الحكومة والقطاعين العام والخاص، مما يتطلب التعاون.
لقد أحرزنا تقدمًا جيدًا في إدراج البيانات “السريعة” فى الإحصاءات الرسمية على مدار الأعوام القليلة الماضية، بما في ذلك أحدث أسعار التجزئة المستخرجة من الإنترنت وبيانات الرواتب في الوقت الفعلى من إدارة الإيرادات والجمارك البريطانية لإثراء رؤيتنا لسوق العمل. أريد أن يستمر هذا العمل حتى يتم تقديم مزايا البيانات الرقمية الضخمة بشكل كامل.
عندما تكون البيانات عرضة لعدم اليقين وتكون “فترات الثقة” واسعة، فإننا نعلن ذلك. ومع ذلك، يتم تصوير الاقتصاد في كثير من الأحيان على أنه إما مزدهر أو متراجع فى حين أنه فى الواقع عادة ما بين هذين القطبين، لذا، يتعين علينا أن نضاعف جهودنا لإثراء الخطاب العام بشكل أفضل.
ويُنظر إلى الإحصاءات الاقتصادية الرسمية في المملكة المتحدة باعتبارها من بين الأفضل على مستوى العالم. ورغم أننا لن نتردد في المستقبل في “تغيير رأينا” مرة أخرى عندما تتطلب الأدلة ذلك، فإن التحسين المستمر لنظامنا الإحصائى مهمة ألتزم بها أنا وزملائي بالكامل.
بقلم: يان دايموند
إحصائى بريطانى
المصدر: فاينانشال تايمز







