تعتقد بكين، أن البيانات ستكون عاملاً حاسمًا للإنتاج في اقتصاد القرن الحادي والعشرين، وستمكنها من ضخ حيوية جديدة في تنمية الصين دون التخلي عن السيطرة التي يتوق إليها الحزب الشيوعي الصيني.
كما أنها تشكل أهمية مركزية في استراتيجية الصين للتفوق على الولايات المتحدة في منافستهما المتزايدة على الهيمنة التكنولوجية.
تتلخص رؤية الحزب الشيوعي الصيني بقيادة الأمين العام شي جين بينج، في أن الاقتصاد الرقمي القائم على البيانات سيسهل في النهاية دوراً أكبر للقوى السوقية، بدلاً من المخططين المركزيين، في توزيع رأس المال والموارد الأخرى. كما أن الدعم الناتج عن الكفاءة سيعزز الإنتاجية والنمو الصيني.
دائمًا ما سيعطي جين بينج، الأولوية للأمن على النمو، ومهما حدث ستستمر السوق الصينية في خدمة الدولة الحزبية وليس العكس.
ويعتقد الحزب أن البيانات التفصيلية غير المحدودة ستخلق صورة شاملة للاقتصاد بأكمله.
وفي هذا النموذج، ستكون بكين قادرة على اكتشاف المشاكل بسرعة وتصحيح المسار من خلال تدخلات سياسية مستهدفة بدلاً من الضوابط الشاملة التي خنقت قطاعات عديدة في الأعوام الأخيرة.
في عالم التعلم الآلي، تعتقد بكين أن الدولة التي تمتلك أغنى قاعدة بيانات ستكون الاقتصاد الأكثر قوة.
يستطيع الحزب الشيوعي الصيني جمع البيانات متى شاء، فكما هي الحال في الغرب، يتخلى المواطنون الصينيون عن بياناتهم عن غير قصد أو عن طيب خاطر يوميًا في مقابل وسائل الراحة التي توفرها التكنولوجيا الرقمية.
وذكرت مجلة “نيكاي آسيان ريفيو” اليابانية، أن رقمنة الحياة اليومية لها جانب إيجابي، فهي تزيد من إمكانية تحرير أجزاء من الاقتصاد كانت محمية في السابق من قوى السوق.
وتكمن الفكرة هنا في أن صُناع السياسات سيكونون قادرين على استباق الأزمات من خلال ضبط السياسات استجابة لإشارات البيانات المبكرة.
في الوقت نفسه، لم تزدهر الصين إلا بعد أن تخلت عن التخطيط المركزي في أعقاب وفاة الرئيس الصيني السابق ماو تسي تونج، لكن بكين ليست على وشك التخلي عن السوق.
لا شك أن الضائقة الاقتصادية الحالية التي تعيشها الصين نتاج أعوام من الإفراط في الاستثمار وتناقص العائدات على رأس المال، وهذه المشاكل بدورها نتاج للسلطات التي تدير فعلياً أسعار الفائدة المحلية وسعر صرف اليوان، فضلاً عن إبقاء مدخرات الصين المحلية الضخمة محصورة في الداخل من خلال ضوابط رأس المال.
يعتبر اليوان الرقمي واحدًا من الطرق القوية التي يمكن أن تسمح بها رقمنة الاقتصاد الصيني للمشاركين في السوق لاتخاذ قرار في نهاية المطاف بشأن المكان الأفضل لاستثمار الأموال.
سيكون لدى بكين بيانات أكثر تفصيلاً عن المعاملات المالية بشكل أكثر من أي وقت مضى بمجرد تشغيل اليوان الصيني الإلكتروني الجديد بالكامل، الأمر الذي يجعلها أكثر استعدادًا لمنح السوق السيطرة الكاملة على تحديد أسعار الفائدة وسعر الصرف في الصين.
بدأت الصين في استكشاف إمكانات العملة الرقمية التي تقودها الحكومة في 2014 وبدأت تجربتها في أربع مدن في 2020، ومنذ ذلك الحين اتسع النطاق الجغرافي لتوزيعها، وكذلك نطاق الأغراض التي يمكن استخدامها من أجلها.
استغرق هذا التحول قرابة الـ10 أعوام، لكنه على وشك أن يؤتي ثماره بالنسبة للحزب الصيني.
لكن هذا التحول الرقمي في الصين لا يعني أن الحزب سيتخلى عن التدخل في الاقتصاد عندما يرأى أن ذلك ضروريًا.
كان رفض شركات التكنولوجيا القوية مثل “علي بابا جروب” الامتثال لمطالب الحزب بالوصول إلى كنوز بياناتها، أحد الأسباب التي دفعت الرئيس الصيني إلى اتخاذ إجراءات صارمة ضدها، بالرغم من أن الاقتصاد الأوسع نطاقًا عانى بشكل كبير في هذه العملية.
وبعد أن نجح الحزب الشيوعي الصيني في إخضاع عمالقة التكنولوجيا لتعاليمهم، فلن يتمكن الحزب من استخدام بياناتهم للمساعدة في توجيه الاقتصاد فحسب، بل يمكنه أيضًا الاستفادة من خبرتهم الرائدة عالميًا في مجال الدفع عبر الهاتف المحمول لتسريع تطوير اليوان الرقمي.
ربما يكون من غير المستساغ سياسيًا رسم سيناريوهات تكتسب فيها بكين اليد العليا في مجال البيانات والتحول الرقمي، لكن لا ينبغي للولايات المتحدة وحلفائها افتراض أن الصين ستفشل.
ثورة القرن الحادي والعشرين ، التي تتمحور حول البيانات تتكشف الآن.
ويتعين على صُناع السياسات في الغرب العمل بشكل عاجل لتوقع كيف سيتنافسون إذا ظهرت الصين باعتبارها الرابح الأكبر من التحول الرقمي.






