البلدان صُنفت وفقاً لخمسة مقاييس، وهي الطلب والديون والديموغرافيا وإزالة الكربون، بجانب الانفصال عن الأنظمة الاستبدادية في العالم
تواجه اقتصادات أوروبا بضع أعوام مثيرة للقلق، فربما تواجه ألمانيا ركودًا اقتصاديًا، وتتوقع المفوضية الأوروبية نموًا نسبته 0.8% فقط لدول الاتحاد الأوروبي ككل خلال 2023، ونسبة أكثر قليلاً خلال 2024.
كما تنخفض معدلات التضخم ببطء، مما دفع البنك المركزي الأوروبي إلى رفع أسعار الفائدة مرة أخرى خلال اجتماعه الذي عُقد في سبتمبر، فيما يستمر تدهور الثقة في الأعمال التجارية.
وطلبت المفوضية الأوروبية من رئيس البنك المركزي الأوروبي السابق ماريو دراجي ، وضع خطة لتعزيز الاقتصاد الأوروبي، والتي يمكن أن تطرح كتابًا بعنوان “كل ما يتطلبه الأمر (للنمو)”.
مع ذلك، لا تتأثر جميع الدول بنفس القدر، إذ تظهر حسابات مجلة “ذا إيكونوميست” البريطانية أن أداء هذه الاقتصادات سيكون مختلفًا فيما يتعلق بخمسة تحديات كبرى تواجه كافة الاقتصادات الأوروبية.
وأوضحت المجلة أنه من الضروري خفض الطلب لكبح التضخم، وستؤثر أسعار الفائدة المرتفعة الناتجة عن أكوام الديون على الإنفاق، كما أن المجتمعات التي تعاني من شيخوخة السكان تفقد عمالها عند التقاعد بسرعة أكبر مما يدخل الشباب إلى سوق العمل.
في الوقت نفسه، تتطلب مكافحة تغير المناخ تحولاً جذرياً في الصناعة، وتشكل التجارة مع الأنظمة الاستبدادية خطرًا متزايدًا في العصر الجيوسياسي الجديد.
قدمت “ذا إيكونوميست” بنتاثلون (خماسي) اقتصادي أوروبي، تمنح على أساسه كل دولة ميدالية ذهبية أو فضية أو برونزية في كل من التخصصات الخمسة، وفقًا لتقييمات أداء تلك الدول.
المقياس الأول: الطلب
البنك المركزي الأوروبي مطالب برفع أسعار الفائدة لكبح التضخم، لكن هذا الأمر لا يسير دائمًا وفقًا للخطة.
في النمسا، مثلاً، لا يزال معدل التضخم السنوي عند 5.8%، بينما انخفض إلى 2.4% في اليونان، ليقترب بذلك من هدف البنك المركزي الأوروبي البالغ 2%، بالتالي فإن سعر الفائدة ذاته قد يصبح قريباً منخفضاً للغاية بالنسبة لبعض الدول ومرتفعًا جدًا للبعض الآخر.
إضافة إلى ذلك، تميل البنوك المركزية لدول الاتحاد الأوروبي السبعة غير الأعضاء في منطقة اليورو إلى محاولة ضمان عدم انحراف اقتصاداتها كثيرًا عن منطقة اليورو.
في الواقع، يجب أن يكون التضخم في جميع دول الاتحاد الأوروبي قريبًا من المتوسط المتوقع في منطقة اليورو، حتى في الدول غير الأعضاء فيها، خاصة أن الدول التي تنحرف معدلات التضخم فيها كثيرًا عن المتوسط في المنطقة- الذي يبلغ حاليًا 4.3%- ستواجه فترة مكلفة من التكيف.
المقياس الثاني: الديون
أسعار الفائدة المرتفعة ستؤثر بشكل أكبر على الدول التي لديها بالفعل اقتراض عام أو خاص مرتفع.
ولإجراء مقارنة عادلة للإسراف النسبي، يمكن حساب تكاليف خدمة الدين، كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي، على إجمالي ديون الشركات والأسر والحكومات كما لو كانت أسعار الفائدة الحالية للقروض أو السندات الجديدة مطبقة على الإجمالي كله.
يكمن السبب في كون هذه المقارنة عادلة هو أنه مع استحقاق الديون القديمة، ستحتاج تلك الديون تجديدها وفقًا لأسعار الفائدة الجديدة.
يذكر أن الملاذات الضريبية مثل أيرلندا وقبرص ولوكسمبورغ تعاني من ارتفاع مستوى الديون التي تتكبدها الشركات دون أن يؤثر ذلك على الاقتصاد المحلي كثيراً، لكن في المجر والدول الاسكندنافية وهولندا ستشكل خدمة الديون الخاصة على الأرجح عائقًا أمام الاستهلاك والبناء والاستثمار.
وفي هولندا، سيفاقم انخفاض أصول التقاعد للأسر خلال الأعوام المشكلة، لكن الحكومات في إيطاليا واليونان ستضطر قريبًا لتخصيص أموال أكثر لخدمة الديون.
المقياس الثالث: الديموغرافيا
يعتبر التحدي مع الشيخوخة واحدًا من الاختبارات طويلة المدى في البنتاثلون الاقتصادي.
حقت الدول الناجحة في الماضي استقرارًا في معدل المواليد، وجلبت المهاجرين لإثراء اقتصاداتها، وشجعت العمال على البقاء في العمل حتى سن الستينات، وحثت الرجال على لعب دورًا في الأعمال المنزلية حتى تتمكن المرأة من استغلال إمكاناتها الاقتصادية الكاملة في سوق العمل.
ههذا المقياس يؤخذ بعين الاعتبار من خلال احتساب صافي الانكماش في قوة العمل المتاحة، دون الهجرة- أي من تتراوح أعمارهم بين 60 و64 عاماً الذين يقتربون من التقاعد- ناقص الشباب ممن تراوح أعمارهم بين 15 و19 عاماً الذين سيدخلون سوق العمل قريباً.
تأتي دول أوروبا الوسطى والشرقية في أسفل القائمة، إضافة إلى أنظمة الشيخوخة في الغرب، مثل ألمانيا وإيطاليا.
في الوقت نفسه، سيظل عدد العمال الأصليين في السويد وفرنسا والدنمارك وفيرا بنفس القدر في الأعوام القليلة المقبلة.
يذكر أيضًا أن المجر وجمهورية التشيك ورومانيا جاءوا ضمن أعضاء الاتحاد الأوروبي الشرقيين الذين حققوا أداء أفضل على هذا المقياس مقارنة بالعديد من دول الاتحاد الأوروبي الغربية.
المقياس الرابع: خفض الانبعاثات الكربونية في الاقتصاد الأوروبي
لا شك أن تحويل النقل والتدفئة لتصبح صديقة البيئة بحاجة إلى استثمارات هائلة، ومن المفترض أن تعزز هذه الخطوة النمو في الأمد القريب، حيث تتكبد الأسر والحكومات ديونًا لتمويل أدوات جديدة، وسيكون للاستثمار في توليد الطاقة المتجددة تأثير مماثل.
ومع ذلك، فإن خفض الإنبعاثات الكربونية سيكون أكثر صعوبة، إذ تواجه الشركات منافسة داخلية وخارجية.
وإلى أن تصبح الكهرباء الصديقة للبيئة وفيرة ورخيصة، فإن تكاليفها ستظل مرتفعة، وهذا صحيح حتى في الدول التي تمتلك الطاقة النووية أو الكثير من مصادر الطاقة المتجددة، لأن أسواق الطاقة في أوروبا مرتبطة بشكل متزايد، وتميل الأسعار للتحرك بشكل متوافق.
ويختلف الاستهلاك الإجمالي للغاز والكهرباء حسب الصناعة بشكل كبير في جميع أنحاء أوروبا كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي.
تبرز فنلندا وبلجيكا كأكبر مستهلكي الطاقة الصناعية بين مجموعة الدول الغنية، كما تعتبر إسبانيا وألمانيا ضمن المجموعة المستهلكة للطاقة بشكل مرتفع، فيما تأتي بولندا وفرنسا في مرتبة أدنى في هذا المجال.
المقياس الخامس: الانفصال عن ديكتاتوريات العالم
أخيرًا، ستواجه كافة البلدان ضغوطاً لحملها على الانفصال عن الأنظمة الديكتاتورية في العالم، كما ستحتاج العلاقة بين الاتحاد الأوروبي والصين بشكل خاص إلى إعادة تعديل دقيقة لجعل القارة العجوز أقل عرضة للابتزاز الاقتصادي.
وإذا أدى التصعيد السياسي إلى تقليل التجارة والانتقام الصيني، فإن ألمانيا وشركاتها الصناعية الكبرى، خاصة شركات صناعة السيارات، التي تمتلك فروعًا كبيرة في الصين، ستكون الأكثر تضررًا على الأرجح، لكن استيراد السلع من الأنظمة الديكتاتورية الأخرى يحمل أيضًا مخاطر على سلاسل التوريد.
تحسب “ذا إيكونوميست” إجمالي التجارة مع تلك الدول التي تعتبرها وحدة الاستخبارات الاقتصادية أنظمة ديكتاتورية، ثم يتم قسمها على الناتج المحلي الإجمالي.
ووفقًا لهذا المقياس، فإن أداء بعض دول الاتحاد الأوروبي الأصغر حجمًا هو الأسوأ.
كما تتنافس ألمانيا وهولندا في هذه المنافسة كفريق واحد، لأن ميناء روتردام يخدم كطريق استيراد للعديد من العملاء الألمان أيضًا، وتميل البيانات التجارية لهولندا إلى المبالغة، وهذان البلدين يحتلان المرتبة الأعلى بين الدول الكبيرة، وسط اقتراب فرنسا من الطرف الأدنى من التصنيف.
النتيجة النهائية
عند وضع كل هذه المقاييس سويًا، ما الذي سنحصل عليه في النهاية؟
تعتبر أيرلندا فائز واضح في بطولة الدول الاقتصادية الأوروبية، حيث فازت بأربع ميداليات ذهبية وميدالية فضية، تليها جزيرتان في البحر الأبيض المتوسط، وملاذ ضريبي آخر والدنمارك.
ومن الواضح أن كون الدنمارك بلداً صغيراً له مزاياه، على الرغم من أنها النموذج الاقتصادي الوحيد الذي يمكن أن يقتدي به الآخرون.
كما أن المشاكل الديموغرافية تخيم على مكانة كرواتيا الرفيعة، فيما تعد فرنسا أفضل اقتصاد كبير حيث حازت بميداليتين ذهبيتين وثلاث فضيات.
في الوقت نفسه، تأتي المجر في أدنى التصنيف، بينما تتفوق إيطاليا قليلاً، بالرغم من معاناة كلا البلدين من مشاكل الديون أو صعوبات في الطلب على المدى القريب.
وبالنسبة لألمانيا، فهي الأكثر حظا فقد حازت على ميدالية ذهبية واحدة في مجال التضخم، وتخفي ميدالياتها البرونزية الثلاث في الديموغرافيا السكانية والفصل عن القوى الديكتاتورية والتخلص من الانبعاثات الكربونية.
أما بولندا، التي ظلت ذات أداء اقتصادي قوي على مدى أعوام، فلم تحصل إلا على ميداليات برونزية فيما يتعلق بمعدلات التضخم والديموغرافيا، الأمر الذي أدى إلى تراجع مكانتها في قائمة “ذا إيكونوميست”.
وكما هي الحال في ألمانيا، فإن الفوز بجوائز اقتصادية في الماضي لا ينبأ بشئ عن الفائزين في الأعوام القليلة المقبلة.