كثيرون يشعرون بالقلق من أن الجهود الحكومية لن تدعم انتعاش التصنيع رغم طفرة بناء المصانع
بحلول نهاية الحرب العالمية الثانية، كانت الولايات المتحدة تصنع نصف السلع المصنعة على مستوى العالم؛ حيث كانت تشحن الأجهزة المنزلية والسيارات اللامعة إلى الطبقة المتوسطة الناشئة، فقد أنتجت ولاية بنسلفانيا وحدها من الفولاذ ما يفوق إنتاج الدولتين المهزومتين، ألمانيا واليابان مجتمعتين.
لكن خلال الـ50 عاماً الماضية، انخفضت حصة التصنيع فى الناتج المحلى الإجمالى الأمريكى بأكثر من النصف إلى 12%.
وبدأت الواردات الصينية الرخيصة تتدفق إلى الولايات المتحدة فى أوائل عقد 2000، ثم أصبحت الصين الشركة المصنعة المهيمنة فى العالم بحلول نهاية ذلك العقد، على حساب قرابة الـ6 ملايين وظيفة أمريكية.
والآن يشترى المستهلكون الأمريكيون سلعاً منتجة محلياً أقل من تلك التى يشتريها المستهلكون فى ألمانيا أو اليابان.
لكن طفرة بناء المصانع الحالية أدت إلى زيادة الآمال فى «نهضة التصنيع» فى الولايات المتحدة.
فقد أعلنت البلاد عن أكثر من 100 مشروع بناء لمصانع، بقيمة تزيد على 200 مليار دولار، منذ إقرار تشريعين فى أغسطس 2022، وهما قانون «الرقائق والعلوم» وقانون «الحد من التضخم»، وفقاً لأبحاث أجرتها صحيفة «فاينانشيال تايمز».
وهذا يمثل أكثر من ضعف التزامات الإنفاق الرأسمالى فى عام 2021 وأكثر من 20 ضعف فى عام 2019.
ومع ذلك، يتساءل البعض عما إذا كانت هذه الطفرة مستدامة؛ نظراً إلى أنها مدفوعة، على الأقل جزئياً، بإعفاءات ضريبية وإعانات ضريبية للطاقة النظيفة تقدر بـ369 مليار دولار، والتى من المقرر أن تنتهى فى غضون 10 أعوام.
لكنَّ آخرين يصرون على أن موجة النشاط تمثل تحولاً تاريخياً، فطفرة البناء تمحو «عقدين من الحكمة التقليدية حول مستقبل التصنيع فى الولايات المتحدة»، وفقاً لسكوت بول، رئيس تحالف التصنيع الأمريكى، وهى مجموعة ضغط غير ربحية.
بينما جاءت طفرات التصنيع السابقة استجابة للطلب المكبوت أو الحرب، فإن هذه الطفرة «مهمة لأنها استجابة لكل من أدوات السياسة العامة والظروف السياسية والاقتصادية المتغيرة على مستوى العالم»، كما يقول بول.
حفزت سياسات الرئيس الأمريكى جو بايدن الاستثمار الأجنبى فى محطات أشباه الموصلات والمركبات الكهربائية والطاقة النظيفة، لكن بعد أن كشفت الاضطرابات الناجمة عن كورونا عن خطورة الحصول على المواد والأجزاء بعيداً عن الوطن، تعيد العديد من الشركات الأمريكية التفكير فى إنتاجها.
كما أن تزايد المخاطر السياسية فى الصين وتأثير تغير المناخ على نقل المواد والسلع يدفع الشركات إلى التفكير فى تقصير سلاسل التوريد.
ومنذ تفشى كورونا، زادت الإشارات فى تقارير أرباح الشركات حول إعادة التصنيع إلى الداخل، والنقل إلى الداخل، بمقدار عشرة أضعاف تقريباً، بحسب صندوق النقد الدولى.
جدير بالذكر، أن أحد العوامل التى تحفز توطين الإنتاج هو ما وصفته مديرة صندوق النقد الدولى كريستالينا جورجيفا فى يناير الماضى بـ«طفرة عالمية فى القيود التجارية الجديدة».
وفى الولايات المتحدة، قيدت إدارة بايدن الاستثمار فى قطاع التكنولوجيا فى الصين، وحددت الإعفاءات الضريبية للسيارات الخضراء مقارنة بتلك المنتجة فى الولايات المتحدة، وحافظت على التعريفات الجمركية التى فرضها سلفه دونالد ترامب. يقول بول: «أعلم أن التغلب على الرسوم الجمركية التى فرضها ترامب أمر شائع للغاية، لكننى أعتقد أنه كان لها أيضاً تأثير ملموس فى البدء فى خفض مستوى الواردات القادمة من الصين».
بالرغم من أن الجميع يتحدث عن إحياء التصنيع فى الولايات المتحدة، لكن هناك حالة فشل فى كيفية تحقيق هذه الغاية، فقد تعهد العديد من المرشحين الرئاسيين الجمهوريين لعام 2024 بإلغاء قانون خفض التضخم، رغم تركز الجزء الأكبر من الاستثمار فى الولايات الجمهورية.
وذكرت «فاينانشيال تايمز»، أن التغيير فى الحكومة لن يكون سوى عائق أمام جعل الطفرة مستدامة.
كما أشارت شركة «ماكينزى» الاستشارية إلى وجود نقص فى المعادن الحيوية اللازمة للطاقة النظيفة، مثل العناصر الأرضية النادرة اللازمة للمحركات الكهربائية.
وهناك أيضاً مصدر قلق أكثر إلحاحاً وهو سوق العمل الضيق، فقد قالت شركة تصنيع أشباه الموصلات التايوانية خلال يوليو، إن العمل فى أول مصنع لها فى الولايات المتحدة فى أريزونا سيتأخر بسبب نقص العمال.
كما حذرت رابطة صناعة أشباه الموصلات من أن أكثر من نصف الوظائف الجديدة المتوقعة بحلول 2030 والبالغة 115 ألف وظيفة ستكون شاغرة بسبب الافتقار إلى المهارات.
وتقول سوزان بيرجر، عالمة سياسية أمريكية فى معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، إنَّ هناك انفصالاً بين نوع العامل الذى يتطلبه المصنع الأمريكى العادى وتلك التى تنتجها كليات المجتمع فى البلاد.
ويرجع ذلك جزئياً إلى الافتقار إلى العمليات المتقدمة فى التصنيع المحلى، الذى تقوم الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم بـ90% منه، ولا تنطوى تشريعات بايدن على شىء من شأنه تغيير ذلك.






