بعد ثلاثة أعوام من تعطل سلاسل التوريد المتأثرة بتفشي “كوفيد”، ومع احتدام المنافسة الجيواقتصادية بين الولايات المتحدة والصين، أصبح “الأمن الاقتصادي” عبارة طنانة في وزارات القوى التجارية الكبرى مثل اليابان والاتحاد الأوروبي.
وبدأت بروكسل تنظر إلى تلك العبارة بجدية خلال الصيف بهدف “التعزيز والحماية والشراكة”، (ساعية إلى تشجيع النمو والتصدي للتجارة غير العادلة والعمل مع الحلفاء على التوالي).
إنه مفهوم مرن للغاية- في الواقع إنه إطار جديد لمشكلة طويلة الأمد- سيحتاج إلى تحسينات كثيرة، وقد يظل الأمن الاقتصادي مقتصرًا على ضوابط التكنولوجيا الحساسة، مثل معدات إنتاج أشباه الموصلات المتطورة التي ستقيد هولندا مبيعاتها إلى الصين بعد اعتماد واشنطن عليها.
ويمكن أن يمتد هذا المفهوم إلى المدخلات المهمة للشبكة مثل المعادن الأرضية النادرة، أو يمكنها التوسع- كما يرغب بعض المسئولين الأوروبيين- في بناء قاعدة صناعية واسعة تشمل منتجات ذات تأثيرات أمن قوي قليلة نسبيًا مثل السيارات الكهربائية.
تعد المشاكل المرتبطة بتصميم وتنفيذ السياسات كثيرة، كما يستعد المسئولون التجاريون الأوروبيون لغزو أراضيهم من قبل من يفتقرون إلى أي فهم بشأن مقايضات النمو والحد من التقلبات، حسب ما نقلته صحيفة “فاينانشيال تايمز” البريطانية.
كما أن التعريف واسع النطاق سيكون مكلفًا أيضًا، إما من خلال الاستثمار العام والإعانات أو من خلال دفع المستهلكين الأوروبيين المزيد مقابل الواردات الخاضعة للضرائب أو المقيدة.
فيما يتعلق بالسيارات الكهربائية، مثلاً، التي ستخضع بالتأكيد لنظرة واسعة للأمن الاقتصادي، فإن العوائد المجنية من تعزيز النمو ستكون على الأرجح أكبر وأكثر استدامة وأفضل للكوكب من الحماية من المنافسة، أو الشراكة مع الحلفاء.
يعمل الاتحاد الأوروبي بالتأكيد على النقطتين الأخيرتين، إذ أعلن مؤخرًا عن تحقيق في دعم الصين لصادراتها من السيارات الكهربائية إلى أوروبا.
وبعد أن قدم قانون “الحد من التضخم” التابع لجو بايدن إعفاءات ضريبية لشركات تصنيع السيارات الكهربائية في الولايات المتحدة، بذل الاتحاد الأوروبي جهودًا دبلوماسية كثيرة لجعل شركاته مؤهلة للخضوع لهذا القانون.
يتقبل مسئولو الاتحاد الأوروبي أن رسوم مكافحة الدعم، إذا مُنحت، لن تؤدي إلا إلى إبطاء واردات السيارات الصينية، علمًا بأن الرسوم ستبلغ على الأرجح 10% تقريبًا.
وحتى علاوة على التعريفة الجمركية الحالية البالغة 10%، فإن هذا ربما لا يلغي كل ميزة تكلفة تتمتع بها الصين.
لا شك أن إخضاع الصين لتعريفات كبيرة (وربما توسيع نطاق الإجراء ليشمل مكافحة الإغراق التي تُنتج عادةً رسومًا أعلى) سيجعل السيارات الكهربائية باهظة الثمن بقدر يكفي لردع المستهلكين الأوروبيين عن شرائها، مما يقوض مصداقية الاتحاد الأوروبي البيئية.
وبالنسبة للشراكات، فيجب أن يكون لصناعة السيارات الأوروبية تحالفات أفضل من السعي خلف فتات تلقيه الإدارة الأمريكية لإنقاذ بعض مظاهر التعاون عبر الأطلسي من مشروع قانون كُتب في الكونجرس الأمريكي المتشدد للغاية.
وأوضحت “فاينانشيال تايمز” أن البيت الأبيض ليس حليفًا موثوقًا عندما يتعلق الأمر بالأمن الاقتصادي، سواء انتُخب دونالد ترامب مرة أخرى أم لا.
تهدد إدارة بايدن حاليًا الاتحاد الأوروبي بإعادة فرض التعريفات الجمركية التي فُرضت في عهد ترامب ما لم تلغي بروكسل نظامها لانبعاثات الكربون بخطة لحظر واردات الصلب الصيني التي من المحتمل جدًا أن تكون غير قانونية بموجب قواعد منظمة التجارة العالمية.
تتلخص أفضل استراتيجية للاتحاد الأوروبي في تعزيز النمو والسوق الموحدة.
وجدير بالذكر أن إنشاء شبكات توريد فائقة الكفاءة، خاصة في وسط وشرق أوروبا ، هو ما حافظ على صناعة السيارات الألمانية في مواجهة المنافسة ذات التكلفة المنخفضة، فحقيقة أن الصناعة الألمانية الحكومية للسيارات أخفقت في تطوير سيارات الكهربائية خلال العقد الماضي لا يمنعها من اللحاق بالركب.
لطالما حذرت رابطات الأعمال من أن قواعد السوق الموحدة تُطبق بشكل غير متساو وضعيف في كثير من الأحيان في الدول الأعضاء.
ولابد أن يكون القرار الفردي الذي اتخذته بولندا والمجر وسلوفاكيا الشهر الماضي لحظر واردات الحبوب الأوكرانية، وهو ما يمثل تفككًا متعمدًا غير مسبوق للسوق، بمثابة تحذير جدي.
لا تزال أسواق الاتحاد الأوروبي في مجالات رأس المال والطاقة والخدمات المصرفية مفككة وغير فعالة.. الأمر الذي يعزز الشقوق الأخرى.
كما أن اقتصاد الاتحاد الأوروبي لا يزال عرضة للتشققات على طول خطوط الدول الأعضاء، وهذا يمكن رؤيته مثلاً في القيود التجارية داخل الاتحاد الأوروبي على الأقنعة الطبية الوجه خلال الأشهر الأولى لتفشي كوفيد.
لا يزال هناك طريق طويل ينتظر تعريف الأمن الاقتصادي، ناهيك عن خلق سياسات ووسائل تنفيذها، لكن المبدأ التوجيهي واضح، فالنمو عالي الإنتاجية وتطبيق التكنولوجيا هما المكان الأول الذي يجب البحث فيه عند جعل الاقتصادات أكثر مرونة.
لذا، لا يمكن للاتحاد الأوروبي أن يكتفي بتنظيم طريقه نحو الأمن الاقتصادي فقط، بل يجب أن تكون شركاته قادرة على المنافسة أولاً.