قال الرئيس الصيني شي جين بينج، لضيوفه في الاحتفال بالذكرى العاشرة لمبادرة “الحزام والطريق” في بكين مؤخرًا: “عندما تعطي الورود للآخرين، فإن عطرها يبقى في يدك.. مساعدة الآخرين تعد مساعدة للنفس أيضًا”.
بالنسبة لشي، كان الاحتفال بمبادرة البنية التحتية العالمية الرائدة البالغ قيمتها تريليون دولار، وهو أكبر برنامج تنمية متعدد الأطراف تنفذه دولة واحدة، بمثابة فرصة لتعزيز نفوذ الصين في جميع أنحاء العالم النامي.
على مدى عقد، واجهت مبادرة “الحزام والطريق” لتمويل وبناء البنية التحتية في الدول الأكثر فقرًا في الأغلب، انتقادات عديدة.
فقد جُمدت مشاريع كثيرة، وأدى بعضها الآخر إلى تراكم ديون لا يمكن تحملها في البلدان النامية، كما شوه الفساد صورة البرنامج.
لم تكن قدرة الصين على تنفيذ مشاريع البنية التحتية الضخمة موضع شك قط، لكن الأسئلة التي يطرحها منتقدو المبادرة الصينية، وأغلبهم من خارج الصين، تتعلق بما إذا كان المشروع يستحق التكلفة الهائلة وما إذا كان قادرًا على الاستمرار في العمل كما كان في الأعوام المقبلة.
أداء “الحزام والطريق”
فازت مبادرة “الحزام والطريق” بأعمال تجارية قيمة في الخارج لشركاتها الكبيرة المملوكة للدولة وعززت العلاقات الدبلوماسية مع دول ما يسمى الجنوب العالمي.
وهذه الروابط أدت بدورها إلى تعزيز نفوذ الصين داخل المنظمات الدولية الأخرى مثل الأمم المتحدة، وسمحت لها بتعزيز رؤية شي السياسية للعالم.
وتجد الدول المتلقية للتمويل، مثل باكستان، نفسها قادرة على تمويل مشاريع لم تكن لتحلم بها قط وسط برامج المساعدات الأجنبية الثنائية أو المتعددة الأطراف ذات الطراز القديم، من محطات توليد الطاقة إلى شبكات البيانات عالية السرعة.
لكن المنتقدين يقولون إن المشاريع قد تصبح فخًا للديون وتزيد من الاعتماد الاقتصادي لدول عدة على بكين، حسب ما نقلته صحيفة “فاينانشيال تايمز” البريطانية.
قال يونان تشين، الباحث في المؤسسة البحثية المعنية بالشؤون العامة “أو.دي.أي”، إن “مبادرة الحزام والطريق خدمت أغراضًا متعددة، وكان يُنظر إليها على أنه توفير الصين للمنافع العامة للعالم وخاصة للعالم النامي من خلال توفير تمويل البنية التحتية”.
أُرغمت بكين على إنفاق مبالغ ضخمة لعمليات الإنقاذ وسط تصاعد الضائقة المالية خلال الأعوام الأخيرة في العديد من الدول المتلقية لتمويل مبادرة الحزام والطريق.
وهذا الأمر أثار تساؤلا حول ما إذا كانت بكين، رغم كل خطاباتها التي تشيد بمبادرة “الحزام والطريق”، تعيد النظر بهدوء في المخطط برمته.
وقال محللون إن مثال باكستان، وهي أكبر متلقِ وطني لتمويل مبادرة “الحزام والطريق”، يوضح النجاحات والإخفاقات وأوجه القصور في الحكم التي تعرقل طموحات الصين لقيادة العالم النامي.
تظهر البيانات الجديدة التي جمعتها شركة الاستخبارات الدفاعية “جينس” أن 40% من مشاريع الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني، الذي أشاد به شي جين بينج في يوليو باعتباره “رائد مهم” للحزام والطريق بأكملها، واجهت مشاكل بما فيها الفساد أو تجاوز التكاليف أو نقص التمويل أو الآثار البيئية الضارة.
من بين هذه المشاريع المتعثرة، تم تأجيل ما لا يقل عن 20% إلى أجل غير مسمى أو ألغيت على الفور، حسب بيانات “جينس”.
تميل المشاريع الكبرى إلى أن تكون الأكثر تضرراً،إذ يواجه حوالي نصف مشاريع الطرق السريعة والطاقة الكهرومائية صعوبات، كما تواجه جميع مشاريع السكك الحديدية والتعدين مشكلات مماثلة، حسب “جينس”.
في البداية، بدا الأمر وكأن ضخ القروض الصينية لتشييد البنية الأساسية يبشر بمستقبل جديد لواحدة من أكثر دول آسيا فقراً، فقد ساعدت مشاريع مثل محطة ثار لتوليد الطاقة بالفحم البالغ قيمتها مليار دولار، بجانب 13 مشروع آخر للطاقة في تخفيف النقص الشديد في الطاقة، كما عززت الطرق السريعة الجديدة التجارة بين المدن.
يقول بلال جيلاني، المدير التنفيذي للشركة الاستشارية “جالوب باكستان”: “من بعض النواحي، كان ذلك بمثابة تغيير مطلق لقواعد اللعبة”.
وأضاف جيلاني أن الصين كانت تجتذب استثمارات أجنبية في مجال الطاقة وحدها تعادل تقريبًا “ما تلقته باكستان كاستثمارات أجنبية مباشرة في مختلف القطاعات خلال 25 عامًا قبل الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني”.
يذهب حسين، عضو مجلس الشيوخ الباكستاني، إلى أبعد من ذلك، قائلاً إن البنية التحتية على هذا النطاق لم يكن من الممكن تصورها في البلاد قبل مبادرة الحزام والطريق.
لكن بشكل عام، يقول المحللون إن البرنامج البالغ قيمته 62 مليار دولار، الذي اتفق عليه بين بكين وإسلام آباد في 2015، كان أقل بكثير من رؤيته، فمثلاً لم يتحقق طموح البلاد في أن تساعد البنية التحتية الجديدة في تحويل باكستان إلى مركز تصنيع عالمي.
يقول مسئول باكستاني سابق، رفض الكشف عن هويته: “كنا نأمل أن تستثمر بعض الشركات الصينية في باكستان، في مناطقنا الاقتصادية الخاصة، ثم تقوم بالتصدير، وهذا لم يحدث أبدا… من المقبول اقتراض المال وبناء البنية التحتية، لكن من الصعب جلب المستثمرين إلى مناطقنا لصنع الأشياء وبيعها”.
ويمكن القول إن هذا النقص في المتابعة من جانب الشركات الخاصة الصينية كان أكبر عيب في الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني.
كما يقول المحللون إن عدداً قليلاً من الشركات الصينية أبدت اهتماماً بإنشاء مصانع هناك، مما يحرم الحكومة الباكستانية من عائدات العملة الأجنبية اللازمة لخدمة قروضها المقومة بعملات بخلاف الروبية.
قال حسين إن هذا ليس بالضرورة خطأ الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني.
لكن أياً كان السبب، فإن النتيجة هي أن باكستان أصبحت الآن موطناً لما يسميه جيلاني “مقبرة المناطق الاقتصادية” التي أصبحت “أراضيها فارغة”، وقد ظلت حصة التصنيع في الناتج المحلي الإجمالي للبلاد راكدة عند حوالي 13% منذ بدء الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني.







