فى أعقاب الاجتماعات السنوية المشتركة التى عقدها صندوق النقد الدولى والبنك الدولى هذا الشهر، يترنح الشرق الأوسط على حافة صراع خطير، وتظل بقية مناطق العالَم ممزقة على طول خطوط اقتصادية وجيوسياسية جديدة.
نادراً ما كانت أوجه القصور التى تعيب قادة العالم والترتيبات المؤسسية القائمة واضحة بهذه الدرجة الصارخة.
ولم تتمكن الهيئة الإدارية لصندوق النقد الدولى حتى من الاتفاق على بيان ختامى.
صحيح أن البنك الدولى، تحت قيادته الجديدة، التزم بمعالجة تغير المناخ، والتصدى لتحديات النمو، وتعزيز سياسة مكافحة الفقر. ولكن لتنفيذ الخيار الثانى، يحتاج البنك إلى موافقة الكونجرس، ويبدو هذا أمراً غير مرجح فى ظل سيطرة الجمهوريين على مجلس النواب.
ومن الأهمية بمكان هنا أن ندرك أن الزيادة المخططة فى قدرة الإقراض لا ترقى على الإطلاق إلى ما يحتاج إليه العالَم. إنها أكثر من مجرد قطرة فى دلو، لكن الدلو يظل فارغاً إلى حد كبير.
كما كانت الحال مع مناقشات المناخ التى أحاطت بالجمعية العامة للأمم المتحدة فى شهر سبتمبر، فدارت أحاديث طويلة حول زيادة رأس المال الخاص من خلال خفض علاوة المخاطر التى يطلبها المستثمرون لتنفيذ المشروعات فى البلدان الفقيرة.
ورغم أن العوائد الاجتماعية التى يحققها الاستثمار فى الطاقة الشمسية فى المنطقة الواقعة جنوب الصحراء الكبرى فى أفريقيا أعلى من نظيراتها فى الشمال الملبد بالغيوم، فإن القطاع الخاص كان عازفاً عن الدخول، بسبب مخاوف بشأن انعدام الاستقرار السياسى والاقتصادي.
المحصلة النهائية من كل هذا الحديث عن «تقليص المخاطر» هى أن القطاع العام يجب أن يعمل على توفير كل ما يلزم من إعانات الدعم «لجذب» القطاع الخاص.
ولكن ما الذى يجعلنا نتوقع من القطاع الخاص أن يحل مشكلة تتعلق بالمنافع العامة فى الأمد البعيد مثل تغير المناخ؟ من المعروف أن القطاع الخاص قصير النظر، حيث يركز بشكل كامل على مكاسب الملكية، وليس الفوائد الاجتماعية.
كان القطاع الخاص غارقاً فى السيولة طوال خمسة عشر عاماً، بفضل البنوك المركزية التى عملت على ضخ مبالغ ضخمة من المال إلى الاقتصاد فى الاستجابة للأزمة المالية التى اندلعت عام 2008 (والتى تسبب القطاع الخاص فى إحداثها) وجائحة مرض فيروس كورونا 2019.
وكانت النتيجة عملية ملتوية؛ حيث تقدم البنوك المركزية القروض للبنوك التجارية، التى تقرض الشركات الغربية الخاصة، والتى بدورها تقدم القروض لحكومات أجنبية أو شركات تستثمر فى البنية الأساسية، مع تراكم تكاليف المعاملات والضمانات الحكومية على طول الطريق.
من الأفضل كثيراً استخدام السيولة لتعزيز بنوك التنمية المتعددة الأطراف، التى نجحت فى تطوير كفاءات خاصة فى المجالات ذات الصِلة.
ورغم أن بنوك التنمية المتعددة الأطراف كانت فى بعض الأحيان متباطئة فى التحرك، فإن هذا يرجع إلى حد كبير إلى التزاماتها فى ما يتعلق بحماية البيئة ودعم حقوق الناس. ولأن تغير المناخ يشكل تحدياً طويل الأمد، فمن الأفضل أن يجرى تنفيذ الاستثمارات فى العمل المناخى بحكمة وعلى نطاق واسع.
عندما يتعلق الأمر بالحجم الكبير، فإن المفتاح إلى تحقيق هذه الغاية ليس مجرد حشد مزيد من الأموال بالاقتراض من البلدان الغنية، مع كل ما يترتب على ذلك من مشكلات معروفة، بل يكمن المفتاح فى تعزيز إيرادات الأسواق الناشئة والبلدان النامية. بيد أن الترتيبات الدولية القائمة تعمل فعلياً على إعاقة هذه الحتمية الـملحة.
لنتأمل هنا «إطار تآكل القاعدة الضريبية وتحويل الأرباح» التابع لمنظمة التعاون الاقتصادى والتنمية.
كان الأمل أن يساعد هذا الإطار فى حمل الشركات الغنية على دفع حصتها العادلة من الضرائب فى البلدان حيث تعمل.
يمنح «نظام سعر التحويل» السائد الشركات المتعددة الجنسيات مجالاً شديد الاتساع لتسجيل الأرباح فى أى ولاية ضريبية تفضلها، لكن إصلاحات إطار تآكل القاعدة الضريبية وتحويل الأرباح المقترحة ـ حتى لو جرى تبنيها بشكل كامل، وهو ما يبدو أمراً غير مرجح ــ تبدو محدودة الأثر ولن تزود البلدان النامية إلا بقدر إضافى محدود من الإيرادات فى أقصى تقدير.
الأمر الأسوأ من ذلك هو أن عملية تسوية المنازعات البغيضة بين المستثمرين والدول ـ التى تسمح للشركات المتعددة الجنسيات بمقاضاة الحكومات عندما تُدخِـل تغييرات تنظيمية قد تضر بالأرباح ـ أدت إلى فرض مزيد من القيود على الموارد المتاحة للأسواق الناشئة والبلدان النامية، حتى فى حين تعمل على إعاقة الجهود التى تبذلها فى الاستجابة للتحديات البيئية والصحية.
بقلم: جوزيف ستيجيلز الفائز بجائزة نوبل
المصدر: موقع بروجيكت سينديكيت