يعتمد مستقبلنا المشترك على المياه، فنحن فى أمسِّ الحاجة إليها للقضاء على الفقر، وتشجيع النمو الأخضر، وبناء مجتمعاتٍ أكثر إنصافًا، لكن تغير المناخ يؤدى إلى تفاقم شُح المياه وتلوثها، ما يلحق ضررًا شديدًا بحياة الناس والاقتصادات.
وكما أن المياه هى الوسيط الرئيسى الذى نشعر من خلاله بآثار تغير المناخ، فإن قدرتنا على التكيف مع تغير المناخ، وخفض الانبعاثات تتحقق من خلال زيادة الكفاءة فى جميع القطاعات، ولكن بشكل رئيسى من خلال إدارة الموارد المائية بشكل أفضل.
تعتبر المياه عنصرًا محوريًا فى كيفية إدارتنا للنظم الإيكولوجية على نحو مستدام، وهى حلقة الوصل النهائية بين القطاعات – من الزراعة إلى الطاقة إلى الصناعة – وتربط اقتصاداتنا فى وحدةٍ واحدة متماسكة.
ويعد توفر المياه شرطًا ضروريًا لتحقيق وصول الجميع إلى المياه والطاقة وتلبية احتياجات الطاقة المستقبلية، فجميع عمليات توليد الطاقة تقريبًا تحتاج إلى المياه، لذلك تقع المياه فى صميم السياسات المناخية والعمل المناخى.
ولم تكن الحاجة إلى استراتيجيات شاملة لمعالجة العلاقة المعقدة والمترابطة بين الطاقة والمياه وتغير المناخ أكثر إلحاحًا مما هى عليه فى الفترة الحالية. وكانت هذه العلاقة فى صميم المؤتمر العالمى للمياه والطاقة وتغير المناخ، الذى عُقد فى البحرين فى الفترة من 5 إلى 7 سبتمبر 2023.
وهناك تاريخ طويل لمنطقة الخليج المستضيفة لهذا المؤتمر فى التكيف مع الظواهر الجوية الحادة، وشح المياه، كما أن وفرة مواردها من الطاقة، يمنح دولها وضعًا فريدًا لتشكيل الحوار حول الطاقة المستدامة والأمن المائى فى سياق تغير المناخ.
ومن إعادة تغذية خزانات المياه الجوفية الاستراتيجية فى الإمارات إلى الإصلاحات الشاملة والتحول فى قطاع المياه لتعزيز الأمن المائى فى السعودية، تتمتع دول مجلس التعاون الخليجى بخبرة مُعتَبَرة فى النُهج المبتكرة لمعالجة تحديات العلاقة المتداخلة بين المياه والطاقة.
ويحتوى تقرير البنك الدولى الصادر تحت عنوان: «تقوية المعرفة بالعلاقة المتداخلة بين المياه والطاقة فى دول مجلس التعاون الخليجى»، على ثلاثة ابتكارات رئيسية استحدثتها المنطقة فى مجال إدارة المياه والطاقة ويمكننا التعلم منها.. الأول، هو إعادة استخدام مياه الصرف المُعالَجة، ويجب ألا ننظر إلى مياه الصرف الصحى على أنها مشكلة، بل على أنها مورد ثمين، كما أن الإخفاق فى معالجتها يؤدى إلى تلويث النظم الإيكولوجية البرية والبحرية، بيد أن إعادة تدويرها توفر طريقة مراعية للبيئة وميسورة التكلفة من أجل زيادة إمدادات المياه والطاقة وتنويعها.
فعلى سبيل المثال، يمكن لإعادة استخدام مياه الصرف أن تخفف الضغط على موارد المياه الجوفية الشحيحة، فى حين أن الطاقة الموجودة فى مياه الصرف الصحى تكفى لتلبية أكثر من نصف احتياجات مرافق مياه الصرف من الكهرباء إذا تمت استعادتها بشكل كامل. ويمكن لدول الخليج أن تزيد بشكل كبير من استخدامها لمياه الصرف المعالجة لتلبية الطلب على المياه العذبة.
وتشير التجارب الإقليمية الأخرى إلى أن منطقة مجلس التعاون الخليجى بإمكانها استعادة ما يصل إلى %90 من مياه الصرف للاستخدام الزراعى والصناعى والمنزلى.
وبالرغم من أن إعادة استخدام المياه الرمادية ومعالجة مياه الصرف الصحى يخضعان لمجموعة متنوعة من المتغيرات، فإنهما تتطلبان جزءًا ضئيلاً من الطاقة لكل متر مكعب من المياه من أجل تحلية المياه، ويمكن أن تكونا بديلاً غير مكلف نسبيًا.. والثانى، هو فصل إنتاج المياه عن استهلاك الوقود الأحفورى والاستثمار فى مصادر الطاقة المتجددة، فالمياه العذبة بدول مجلس التعاون تأتى كلها تقريبًا عن طريق تحلية مياه البحر أو ضخها من خزانات المياه الجوفية العميقة، وتتطلب هذه العمليات كميات هائلة من الطاقة يأتى معظمها من الوقود الأحفورى فى الوقت الحاضر.
وفى منطقة ترتفع فيها درجات الحرارة وتشهد موجات من الجفاف، تزداد تكلفة تأمين المياه العذبة والطاقة لنحو 60 مليون شخص يومًا بعد يوم..
ومن شأن الإنتاج الأكثر كفاءة أن يوفر المياه لتلبية الاحتياجات المستقبلية وأن يحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحرارى.
وتقوم دول المجلس بدور رائد فى استخدام مجموعة من الخيارات النظيفة منخفضة التكلفة لتحقيق أمن الموارد.. وتقوم السعودية بالاستثمار فيما ستصبح أكبر محطة لتحلية المياه تعمل بالطاقة الشمسية فى العالم.. وبما أن مصادر الطاقة المتجددة أصبحت من أكبر مصادر الطاقة التى تستخدمها الدورة المائية، فسوف تصبح تحلية المياه وإعادة استخدام مياه الصرف من عناصر الأمن المائى ذات التكلفة المعقولة من الناحية الاقتصادية.. والثالث، هو معالجة مسألة الدعم والتسعير لتشجيع كفاءة الاستهلاك وتوجيه المساعدات الحكومية لمن يحتاج إليها ويستحقها.
ويُعد الحد من الإفراط وعدم الكفاءة فى الاستهلاك الطريقة الأسرع والأنظف والأقل تكلفة لزيادة قدرات المياه أو الطاقة.
وقد ساهم انخفاض تعريفة الاستهلاك فى أن تسجل دول مجلس التعاون الخليجى أعلى معدل لاستهلاك الفرد من المياه فى العالم، ولمعالجة ذلك، قامت عُمان، على سبيل المثال، بمطابقة التعريفة التى خضعت للتعديل مع الدعم الموجه.. ويمكن أيضًا تحقيق وفورات كبيرة فى المياه والطاقة من خلال زيادة عدادات الاستهلاك، وإصلاح البنية التحتية المتدهورة، وإعادة هيكلة الأسعار، وإعادة تخصيص المياه الجوفية فى المزارع، وتطبيق السياسات والتكنولوجيات التكميلية لإدارة الطلب.. الشراكة من أجل التأثير من الضرورى اتباع نهج استباقى ومنسق لتحقيق استدامة الطاقة والأمن المائى. وباعتبار البنك الدولى أكبر مؤسسة تمويل متعددة الأطراف لمشروعات المياه فى البلدان النامية، فإنه يُعد شريكًا استراتيجيًا لمساعدة تلك البلدان على التصدى لأزمة المياه.. ونحن ملتزمون بشكل قوى بالعمل مع دول الخليج، والاستفادة من شراكاتنا وخبراتنا العالمية لتسريع وتيرة التنمية الخضراء والقادرة على الصمود والشاملة للجميع.
وفى هذا الصدد تأتى مبادرتان لهما أهميتهما للمنطقة، وهما تقريرنا العالمى القادم عن الحد من الانبعاثات الكربونية بقطاع المياه، والذى سيوثق أفضل الممارسات فى الحد من البصمة الكربونية بمراحل الدورة المائية بأكملها، ومبادرة إقليمية بشأن العلاقة المتداخلة بين المياه والطاقة والمناخ التى تشجع التخطيط المتكامل والمستدام. ويمكن لهذه المبادرة الإقليمية أيضًا أن تدعم إنشاء منصات وطنية للمياه والطاقة والمناخ لضمان اتباع نهج منسق إزاء هذه القطاعات المترابطة.
وعن طريق العمل معًا، يمكننا إيجاد حلول مبتكرة، وتطوير طرق جديدة للعمل بمزيد من الفاعلية، والاستفادة من مصادر التمويل الجديدة لتعزيز أمن الطاقة والمياه بدول مجلس التعاون.
كاتب المقال: ساروج كومار جاه المدير العالمى لقطاع الممارسات العالمية للمياه بمجموعة البنك الدولى








