قبل أيام قليلة من وصول ممثلين من أكثر من 60 دولة إلى أبوظبى الشهر الماضى للمشاركة فى الجولة الأخيرة من محادثات المناخ قبل قمة الأمم المتحدة COP28، سافر سلطان الجابر، الرئيس المعين للمؤتمر، أكثر من 1000 ميل شمالًا إلى أذربيجان.
التقى جابر، الذى يشغل ما لا يقل عن ثمانى وظائف مختلفة، بما فى ذلك الرئيس التنفيذى لشركة بترول أبوظبى الوطنية فى الإمارات العربية المتحدة، رئيس شركة مصدر للطاقة المتجددة المملوكة للدولة، بالرئيس الأذربيجانى إلهام علييف بمناسبة تدشين مزرعة كبيرة للطاقة الشمسية، تكفى لتزويد 110 آلاف منزل بالطاقة.
وبالتزامن مع إعلان الجابر عن مجمع قارداج للطاقة الشمسية، وقعت «مصدر» اتفاقيات لثلاثة مشروعات للطاقة الشمسية بقدرة مجمعة 1 جيجاوات فى أذربيجان، ولم يتم الإعلان عن قيمة الصفقات لكن مصادر فى الصناعة قدرتها بنحو مليار دولار.
مزارع الرياح ليست الأولوية الوحيدة، إذ أظهرت وثائق الإحاطة المسربة هذا الأسبوع كيف خطط مضيفو مؤتمر الأطراف لعرض تطوير مشاريع النفط والغاز مع أكثر من 12 دولة خلال المحادثات الرسمية.
لكن تحليل «فاينانشيال تايمز» خلص أيضًا إلى أنه يمكن ربط الشركات والصناديق الحكومية الإماراتية بما يقرب من 200 مليار دولار من الاستثمارات فى جميع أنحاء العالم، فى العام الذى يسبق قمة مؤتمر الأطراف، معظمها فى الطاقة الخضراء.
ويركز نحو ثلث هذا المبلغ فقط على الاقتصادات النامية، بما فى ذلك المشاريع المشتركة للطاقة النظيفة فى مصر وإندونيسيا وزامبيا، ومذكرة تفاهم لمشاريع طاقة الرياح والطاقة الشمسية والبطاريات فى ماليزيا بقيمة 8 مليارات دولار، واتفاقيات للطاقة تقدر بنحو 30 مليار دولار الصفقات فى تركيا.
وفى الوقت نفسه، قام وزراؤها ومجموعاتها التجارية بجولة فى عدة بلدان من كينيا إلى كولومبيا، للترويج لدولة الإمارات العربية المتحدة كشريك تجارى.
ويقول بن كاهيل، زميل مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، إن هذا يعكس رغبة البلاد فى الحصول على نفوذ جديد. «تريد (الإمارات العربية المتحدة) أن تتجاوز مجرد كونها منتجًا للنفط والغاز لتصبح دولة عالمية لها شركاء فى جميع أنحاء العالم».
ومع ذلك، يرى النقاد أن سخاء دولة الإمارات العربية المتحدة يعمل أيضًا على إضفاء الطابع الأخضر على دورها كواحدة من أكبر منتجى الهيدروكربونات فى العالم.
ويقولون إنه يمكن النظر إلى حجم استثماراتها على أنه محاولة لكسب التأييد قبل المفاوضات الحاسمة فى المنتدى الرائد للأمم المتحدة للعمل المناخي، وتأمين الاتفاقيات التى ستسمح لها بمواصلة ضخ النفط والغاز على الرغم من المخاطر الطويلة الأجل.
يقول رئيس الاستراتيجية السياسية العالمية فى شبكة العمل المناخى الدولية، هارجيت سينج، إن دولة الإمارات العربية المتحدة «تحاول كسب ثقة الدول النامية التى لا تزال تعتمد على الوقود الأحفورى» مع جلب منتجى الوقود أيضًا إلى قلب مناقشات مؤتمر الأطراف الثامن والعشرين.
ويضيف: «قد تمهد هذه الاستراتيجية الطريق أمام اتفاق من شأنه، على نحو متناقض، أن يبقى صناعة الوقود الأحفورى واقفة على قدميها بينما يضع فى الوقت نفسه دولة الإمارات العربية المتحدة كدولة رائدة فى مجال المناخ من خلال دعم مشاريع الطاقة المتجددة».
اعترض متحدث باسم مؤتمر الأمم المتحدة المعنى بتغير المناخ (COP28) على فكرة أنها كانت تحاول كسب تأييد الدول من خلال استثماراتها، قائلًا إن «التلميح» بأن «التنمية الاقتصادية ومصالح دولة الإمارات العربية المتحدة ترتبط ارتباطًا مباشرًا بمؤتمر الأطراف هو أمر مضلل ويتجاهل عقودًا من الإدارة البيئية القوية والاستثمار».
ويقول إن دولة الإمارات العربية المتحدة تتمتع «بتاريخ طويل يمتد لأكثر من 50 عامًا فى الجمع بين شمال العالم وجنوبه، وسجل واضح من العلاقات الاقتصادية الإيجابية مع البلدان فى جميع أنحاء العالم».
وأثار قرار الإمارات تعيين جابر، الذى أشرف على خطط أدنوك لتعزيز الطاقة الإنتاجية للنفط، رئيساً معيناً لمؤتمر الأمم المتحدة المعنى بتغير المناخ (COP28) المزيد من التساؤلات حول مدى أهلية البلاد لرئاسة محادثات المناخ العالمية الحاسمة.
وتتمثل مهمة الرئيس فى توحيد الدول حول مجموعة من الالتزامات التى سيتم التفاوض عليها فى قمة المناخ، وهو مسئول عن ضمان حصول الاجتماع على أفضل نتيجة ممكنة، حتى عندما تؤدى المحادثات التى تجرى فى وقت متأخر من الليل ووجهات النظر المتضاربة إلى محادثات مقتضبة بين السياسيين والمفاوضين، وتتوقع الأمم المتحدة من البلد المضيف أن يتصرف دون تحيز أو مصلحة ذاتية.
ويُنظر إلى محادثات هذا العام على أنها ذات أهمية خاصة للحد من ظاهرة الاحتباس الحرارى، بعد أن وجدت الأمم المتحدة أن الدول فشلت فى اتخاذ الإجراءات الكافية.
وبموجب اتفاق باريس التاريخى الذى تم الاتفاق عليه قبل ثمانى سنوات فى مؤتمر الأمم المتحدة المعنى بتغير المناخ (COP21)، تعهدت الدول بالحد من ارتفاع درجات الحرارة إلى أقل بكثير من درجتين مئويتين، ومن الناحية المثالية إلى 1.5 درجة مئوية.
لكن الأمم المتحدة تتوقع الآن أن العالم فى طريقه نحو ارتفاع يصل إلى 2.9 درجة مئوية، حتى لو تم الوفاء بجميع تعهدات الحكومات.
وكان التركيز الرئيسى لدولة الإمارات العربية المتحدة قبل القمة هو تمويل المناخ، بهدف سد الفجوة بين العالم المتقدم والعالم النامى.
وأمضى المسئولون الأسابيع القليلة الماضية فى الفترة التى سبقت القمة فى حشد الدعم لإطار مالى لجذب المزيد من الأموال إلى الاستثمارات الخضراء، كما يقول أشخاص مطلعون على المناقشات.
ووجد بحث أجرته الأمم المتحدة فى عام 2021 أنه ستكون هناك حاجة إلى 125 تريليون دولار من الاستثمارات المناخية بحلول عام 2050 إذا أراد العالم خفض انبعاثاته وتحقيق أهداف اتفاق باريس.
ولكن رغم المبادرات والمخططات العديدة ـ بما فى ذلك التركيز الجديد على المناخ فى البنك الدولى وخطة ائتمان الكربون المبتكرة التى أطلقتها الولايات المتحدة ـ لا يتم استثمار الأموال فى العالم النامى بالوتيرة والحجم المطلوبين.
عادة ما يواجه المستثمرون الذين يتطلعون إلى دعم مشاريع الطاقة المتجددة فى الاقتصادات الناشئة تكاليف اقتراض أعلى بسبب عدم الاستقرار السياسى وتقلب أسعار صرف العملات.
وترى راتشيل كيت، أستاذ زائر بجامعة بلافنتك بجامعة أوكسفورد، أن التمويل هو «العائق الذى نتعثر فيه دائمًا» عندما يتعلق الأمر بمعالجة تغير المناخ.
واستثمرت «مصدر» فى الطاقة المتجددة فى حوالى 40 دولة، بقيمة تزيد على 30 مليار دولار. وتخطط البلاد لاستثمار 160 مليار دولار فى الطاقة الخضراء على مستوى العالم خلال العقود الثلاثة المقبلة.
وقد أشاد المستثمرون باحتمال قيام دولة الإمارات العربية المتحدة بتقديم بعض أموالها للمساعدة فى تحفيز التحول فى مجال الطاقة وتشجيع المزيد من الاستثمار الخاص فى هذا المجال.
ويضغط الاتحاد الأوروبى ودول منها كينيا وإثيوبيا وساموا، من أجل التزام عالمى فى القمة بالتخلص التدريجى من استخدام النفط والغاز، على النحو الذى اقترحته الأمم المتحدة فى «التقييم العالمى» للتقدم نحو أهداف اتفاق باريس، والذى نُشر فى سبتمبر.
وتقول وكالة الطاقة الدولية إنه لا يمكن أن تكون هناك مشاريع جديدة للنفط والغاز إذا أراد العالم تحقيق هدف الـ1.5 درجة مئوية، وتعارض روسيا، من بين دول أخرى، هذه الفكرة.
لكن مناقشة مستقبل الوقود الأحفورى فى القمة سوف يتشكل من قبل صاحب الرئاسة، الذى لديه مصلحة كبيرة فى استمرار إنتاج الهيدروكربونات.
وقال جابر، عدة مرات، إن التخفيض التدريجى للنفط والغاز أمر «حتمى» و«ضرورى»، ويعمل مع منتجى الوقود الأحفورى على مبادرة لخفض الانبعاثات سيتم الكشف عنها فى مؤتمر الأمم المتحدة المعنى بتغير المناخ (COP28).
وفى الوقت نفسه، أكد الحاجة إلى الاستثمار فى تكنولوجيا احتجاز الكربون وتخزينه التى يمكن أن تسمح بمواصلة الإنتاج لفترة أطول، وامتنع عن تحديد موعد نهائى محدد لأى خفض تدريجى.
ومع بدء المحادثات، فإن القوة المالية لدولة الإمارات العربية المتحدة تمنحها يدًا قوية للتأثير على هذه المناقشات، كما يقترح جيمس لينش، الدبلوماسى البريطانى السابق والمدير المشارك الآن فى «فيؤ سكوير، وهى مجموعة بحثية ومناصرة تركز على منطقة الخليج.
وأضاف: «ستحرص العديد من الدول المتقدمة على إقامة علاقات إيجابية قوية مع دولة الإمارات العربية المتحدة، نظراً لقوتها المالية وإمكاناتها الاستثمارية».
ويضيف لينش، أن رئاسة مؤتمر الأطراف الثامن والعشرين «تدرك تمامًا» أن هناك تضاربًا فى المصالح، مثل كونها منتجًا رئيسيًا للنفط يشرف على مفاوضات المناخ. هناك خطة متطورة لإدارة هذه الصراعات واستراتيجية الاستثمار تشكل جزءا منها».
ويقول أحد المفاوضين من البلدان النامية إنه لا يعتقد أن موجة الاستثمارات هى محاولة للتأثير على المفاوضات فى مؤتمر الأطراف الثامن والعشرين.
رغم أن التحالفات المتعددة الدول قد نجحت فى تحقيق نتائج معينة، فإن أى دولة، بغض النظر عن حجمها أو صغرها، يمكنها استخدام حق النقض ضد اتفاقية مؤتمر الأطراف.
ويقول البعض إن هذا النشاط يوضح تفضيل الصفقات على دبلوماسية المناخ.. الأمر الذى لا يبشر بالخير لمؤتمر الأطراف الناجح.
وفى المناقشات التمهيدية لجدول أعمال القمة فى أبو ظبى الشهر الماضى، اشتكت بعض الدول النامية والمتقدمة من أن جابر كان مشغولًا للغاية بمكالمات الأعمال بحيث لا يمكنه رئاسة المفاوضات.
فيما تقول الإمارات العربية المتحدة إن جابر «شارك فى مستوى غير مسبوق من التواصل مع أصحاب المصلحة فى مجال المناخ، بما فى ذلك الوزراء وقادة الأعمال وممثلو المجتمع المدنى».
لكن خطر فشل مؤتمر الأطراف فى التوصل إلى اتفاق بين الدول المتنازعة قد يعيق طموحات الإمارات العربية المتحدة فى أن يُنظر إليها على أنها وسيط دبلوماسى.