ينمو الاستثمار الأجنبي المباشر في جنوب شرق آسيا سريعًا، إذ يتم إغراء الشركات الأمريكية والصينية بالاستقرار السياسي للدول وأسواقها الكبيرة، كما يساعد الدور الاستراتيجي للمنطقة باعتبارها منطقة عازلة وسط المنافسة المكثفة بين الولايات المتحدة والصين، في جذب الاستثمار من جميع أنحاء العالم، ووصل الاستثمار الأجنبي إلى مستوى قياسي بلغ 222.5 مليار دولار خلال عام 2022.
قالت وزارة الخارجية الأمريكية في بيان بعد زيارة الرئيس جو بايدن للبلاد في سبتمبر الماضي : “تظهر فيتنام كشريك واعد في ضمان تنوع ومرونة سلسلة توريد أشباه الموصلات”.
أبدت شركات أمريكية منها “مارفل تكنولوجيز” و”سينوبسيز” رغبتها في الاستثمار في فيتنام، كما لو كان الأمر استجابة لتصريحات وزارة الخارجية.
افتتحت ” أمكور تكنولوجيز ” بالفعل مصنعًا لأشباه الموصلات في مقاطعة باك نينه الشمالية في أكتوبر، حيث بُنيت المنشأة بتكلفة 1.6 مليار دولار، وهي مصممة لتصبح أكبر قاعدة تصنيع للشركة الأمريكية في العالم، مما يخلق حوالي 10 آلاف وظيفة.
قالت ماليزيا، إن مجموعة “تشجيانغ جيلي” القابضة الصينية الكبرى لصناعة السيارات تعتزم استثمار 10 مليارات دولار في ولاية بيراك الغربية لإنشاء قاعدة لإنتاج السيارات. كما تدرس الشركة بناء مصنع للسيارات الكهربائية في تايلاند.
تشتري الشركات الأمريكية والصينية أيضًا أعمالاً في جنوب شرق آسيا. في عام 2020، إذ أعلنت شركة “كيمبرلي – كلارك”، الشركة المصنعة الأمريكية لشركة ” كليينيكس”، ومنتجات العناية الشخصية الأخرى، عن خطة للاستحواذ على “سوفتيكس إندونيسيا” مقابل 1.2 مليار دولار.
كما استثمرت مجموعة “علي بابا” القابضة الصينية مليارات الدولارات في “لازادا”، وهي شركة تجارة إلكترونية كبرى مقرها سنغافورة.
حقق الاستثمار الأجنبي المباشر نمواً في 11 دولة جنوب شرق آسيا بنسبة 40% بين عامي 2017 و 2022، وهي الفترة التي تصاعدت فيها الخلافات التجارية بين الولايات المتحدة والصين، متجاوزة الزيادات في الاستثمار في الصين وأمريكا اللاتينية وأفريقيا، وفقًا لمؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية.
وأوضح مؤشر “إف دي أي ماركتينج” التابع لـ”فاينانشيال تايمز” والذي يتتبع الاستثمارات العابرة للحدود أن الولايات المتحدة تعد المستثمر الرئيسي في المشاريع الرأسمالية في جنوب شرق آسيا، حيث أنفقت 74.3 مليار دولار على بناء المصانع ومشاريع أخرى بين عامي 2018 و2022، تليها الصين التي استثمرت 68.5 مليار دولار في نفس الفترة.
ركزت الشركات الأمريكية في الغالب على الاستثمارات المتعلقة بأشباه الموصلات في دول مثل سنغافورة وماليزيا، بينما استثمرت الشركات الصينية في مشاريع مثل بناء مصانع السيارات الكهربائية في تايلاند وتطوير التعدين في إندونيسيا.
يعد الدافع وراء استثمارهم النشط، هو الرغبة في نقل قواعد التصنيع، حيث تحاول الشركات الأمريكية استغلال “علاقات الصداقة”، بحيث تحل الدول الحليفة محل الصين في سلاسل التوريد، فيما تنقل الشركات الصينية المصانع والمرافق الأخرى إلى دول ثالثة لتسهيل الصادرات إلى الولايات المتحدة وأوروبا.
ترى العديد من الشركات الأمريكية أن جنوب شرق آسيا مكان مثالي لإعادة بناء سلاسل التوريد، لأنها قريبة من الصين، وهي مركز تصنيع رئيسي، وهي مستقرة نسبيًا سياسيًا واجتماعيًا، كما تتمتع المنطقة أيضا بأسواق محلية كبيرة، يبلغ مجموع سكانها أكثر من 600 مليون نسمة .
قال إيكومو إيسونو، كبير الاقتصاديين في معهد الأبحاث الاقتصادية لرابطة دول جنوب شرق آسيا، إن دول جنوب شرق آسيا تستفيد من الانفصال بين الولايات المتحدة والصين من خلال تصنيف نفسها باعتبارها “منطقة محايدة”.
لطالما قادت اليابان البلدان الأخرى في الاستثمار في جنوب شرق آسيا منذ السبعينيات، لكن الشركات اليابانية أصبحت أكثر ترددًا في الاستثمار حيث بدأت البلدان المضيفة في المطالبة بالإنفاق في المجالات التي لا ترغب الشركات في الاستثمار فيها، خاصة القطاعات المتطورة مثل أشباه الموصلات والسيارات الكهربائية والبطاريات.
ونتيجة لذلك، جذبت المنطقة ما يصل إلى 43.5 مليار دولار فقط من الشركات اليابانية في الخمسة أعوام حتى 2022، وهي الأصغر في العشرين عامًا الماضية.
وفي استطلاع أجراه بنك اليابان لصالح التعاون الدولي خلال عام 2012، رأت شركات التصنيع اليابانية أن إندونيسيا هي الوجهة الأجنبية الثالثة الواعدة على مدى ثلاثة أعوام، لكن مكانة البلاد تراجعت إلى المركز السادس في مسح العام الماضي، كما تراجعت تايلاند في التصنيف العالمي.
تعتبر الشركات اليابانية بحاجة ماسة لإعادة التفكير في استراتيجيتها في المنطقة، في وقت تتنافس فيه الولايات المتحدة والصين على تعزيز الاستثمار في جنوب شرق آسيا.