يعيد محافظو البنوك المركزية النظر في نهجهم في التعامل مع التوقعات الاقتصادية، بعد فشلهم في التصدي لأحدث فورة تضخمية، ويدعو المسئولون إلى قدر أكبر من الصراحة مع الأسواق بشأن أوجه عدم اليقين التي يواجهونها.
فشل البنك المركزي الأوروبي والاحتياطي الفيدرالي وبنك إنجلترا، وغيرهم من المتنبئين الرسميين، في رؤية كيف يمكن أن تمهد نهاية عمليات الإغلاق الناجمة عن كورونا وصدمة الطاقة الناجمة عن الغزو الروسي لأوكرانيا، الطريق لأسوأ دوامة تضخمية منذ جيل.
بعد الاستجابة بزيادات قوية في أسعار الفائدة، انخرطت البنوك المركزية في عمليات تحليل مكثفة في محاولة لكشف أسباب فشلها.
قالت كريستين لاجارد، رئيسة البنك المركزي الأوروبي، في مقابلة أجرتها مع صحيفة “فاينانشيال تايمز” البريطانية، إن البنك المركزي يحتاج إلى التعلم من أخطائه.
وتابعت: “ما كان ينبغي لنا أن نتعلمه هو أننا لا نستطيع الاعتماد فقط على الكتب المدرسية والنماذج الخالصة.. علينا أن نفكر بأفق أوسع”.
يقول المسئولون، إن إحدى النتائج هي زيادة التركيز على “سيناريوهات” بديلة للتطورات الاقتصادية المستقبلية، لتوضيح كيفية تفاعل السياسة.
قال كبير الاقتصاديين لدى بنك إنجلترا، هيو بيل، للصحيفة البريطانية، إن هذه قد تكون وسيلة أفضل للتواصل مع الأسواق مقارنة بالتوقعات القائمة على الرسوم البيانية التقليدية لبنك إنجلترا، والتي تنقل حالة عدم اليقين من خلال نطاقات من الاحتمالات.
قالت سارة بريدين، نائبة محافظ بنك إنجلترا، في خطاب ألقته في 19 ديسمبر، إن النظر إلى سيناريوهات مختلفة هو “أداة سياسية مفيدة على خلفية الصدمات غير المسبوقة”.
من جانبه، يحدد البنك المركزي الأوروبي الآن سيناريوهات مختلفة للتضخم وينتج مجموعة من تحليلات الحساسية، مثل دراسة ما قد يحدث إذا ارتفعت الأجور بشكل أسرع أو أبطأ من المتوقع أو إذا حدثت صدمة أخرى في إمدادات الطاقة، المشكلة هي أن محاولاته المبكرة حتى الآن كانت لها نتائج مختلطة.
وحتى “السيناريو الأكثر خطورة”، الذي نشره في مارس 2022، والذي حدد نموذجًا لتأثير التخفيضات الكبيرة في إمدادات الغاز الروسية إلى أوروبا، قلل من تقدير مدى ارتفاع معدل التضخم في منطقة اليورو.
وتوقع هذا السيناريو أن يبلغ متوسط التضخم 7.1% في 2022 و2.7% في 2023، لكن الأسعار في الكتلة ارتفعت العام الماضي بنسبة 8.4%، ويُتوقع أن تقفز هذا العام بنسبة 5.4%.
وقال تشارلز جودهارت، صانع السياسات السابق في بنك إنجلترا، إنه رغم أن تركيز البنوك المركزية على تحليل السيناريوهات بشكل أكثر من التركيز على التوقعات المركزية سيكون أمراً مرغوباً، إلا أنها يجب أن تنتج عدداً زوجياً من السيناريوهات.
وأوضح أنه إذا أنتجت البنوك المركزية رقمًا فرديًا من السيناريوهات، فإن الأسواق ستركز على الفور على التوقعات “المركزية”، حتى لو لم يكن من المفترض أن يُنظر إليها على أنها تحظى بتأييد البنك المركزي.
وفي فرانكفورت، يولي موظفو البنك المركزي الأوروبي، مزيدا من الاهتمام لمدى سرعة ظهور التغيرات في أسعار الجملة في فواتير الغاز والكهرباء المنزلية، والتي تختلف من بلد إلى آخر.
عادةً ما يركز هؤلاء الموظفين بشكل أكثر على تحسين الهوامش عند التنبؤ بأسعار الطاقة ولم يعودوا يفترضون أن أسعار الغاز والبترول ستتحرك بالتوازي، بعد أن ظهرت فجوة كبيرة بينها العام الماضي.
وجد تحليل نشره البنك المركزي الأوروبي في بداية العام الحالي أن الافتراضات الخاطئة بشأن أسعار الطاقة تمثل ثلاثة أرباع إجمالي أخطاء التنبؤ بالتضخم في 2021، عندما تبين أن توقعاته للربع الأول من 2022 كانت منخفضة للغاية بمقدار نقطتين مئويتين.
في تغيير آخر، يتتبع البنك المركزي الأوروبي عن كثب مئات التحولات في السياسة المالية، مثل الإعانات الحكومية المقدمة لقطاعات الطاقة والغذاء، للسيطرة بشكل أفضل على تأثيرها المتزايد على التضخم.
إضافة إلى ذلك، يستخدم موظفو البنك المركزي أداة تتبع الأجور التي قاموا بتطويرها ونتائج استبيانات المستهلكين والشركات لضبط مخرجات نماذجهم.
قالت لاجارد إنه رغم أن العمل الذي يجريه موظفو البنك المركزي الأوروبي لتحسين نماذجهم للتنبؤ جيدة، إلا أنه لن يحل جميع المشاكل، “لأنني أعتقد أن هذا الأفق الأوسع، والبيانات التجريبية التي نلاحظها والحكم الذي نطبقه، هو المطلوب”.
في الواقع، قرر البنك المركزي الأوروبي بالفعل الاعتماد بشكل أقل على توقعاته وألغى توجيهاته الرسمية بشأن السياسة.
وبدلاً من ذلك، التزم البنك، عند اتخاذ قرار بشأن تحركاته التالية بشأن أسعار الفائدة، بإلقاء مزيد من الاهتمام على ما إذا كانت الأسعار الأساسية، باستثناء الطاقة والغذاء، تتباطأ، وإلى أي درجة تضغط تكاليف الاقتراض المرتفعة على الإقراض المصرفي والنشاط الاقتصادي.
منذ إغفال حجم مشكلة التضخم مباشرة بعد صدمة كوفيد، كان محافظو البنوك المركزية في الولايات المتحدة منفتحين ليس فقط بشأن حالة عدم اليقين الهائلة التي تدعم التوقعات، بل أيضًا القيود التي يواجهونها في اتخاذ قرار السياسة النقدية في ظل مثل هذه الخلفية.