أكثر الأشياء قوة هو أن يتخلى الشخص القوى عن تلك القوة.
القوة يجب أن تعطى للسياسيين، كما تعطى الأموال لفاعلى الخير، فالقيمة الحقيقية تكمن فى العطاء.
ولا توجد بيئة أكثر خصوبة من ذلك عندما يتعلق الأمر بإعادة النمو إلى اقتصاد المملكة المتحدة الذى يعانى من الركود.
يحب وزراء المالية أن يلعبوا دور السحرة، بخلقهم الأرانب من قبعات المال، فشهد الخريف السابق فى المملكة خلق 100 أرنب من قبعة كان من المفترض أن تكون فارغة منذ أسابيع.
لسوء الحظ، وبعد اكتشاف مكتب مسئولية الميزانية خفة يدهم، خفضوا توقعاتهم لنمو الاقتصاد الإنجليزى على المدى المتوسط.
ولكى يتم استعادة النمو الاقتصادى المستدام، يجب أن يتبع رئيس الوزراء الجديد نهجاً مختلفاً، فيجب أن تكون خدعتهم الأولى أن يقطعوا أنفسهم والمؤسسة التى يرأسونها إلى النصف كالـ”سحرة”.
كان القرار الأقوى والأكثر أهمية لجوردن براون فى فترة ولايته التى دامت عقداً من الزمن هو ذلك القرار الذى اتخذه فى اليوم الأول من منصبه، وهو التنازل عن سلطة وضع السياسة النقدية لبنك المملكة المتحدة، وفى المقابل تلقى عقداً ذهبياً من مستويات التضخم المنخفضة، وأسعار الفائدة والنمو الاقتصادى المستدام.
ظروف اليوم ليست بتلك الملائمة، وبسببها يجب أن يلعب رئيس الوزراء الجديد بنهج “براون” فائق الجرأة، وهو توزيع السلطة على القادرين أن يقدموا فى المقابل نموا مستداما.
وهذه الاستراتيجية الداعمة للنمو، يجب أن تحتوى على عنصرين مهمين، أحدهما وطنى والآخر إقليمى.
أولاً: يجب الفصل بين مهام وزارة المالية، ومهام وزارة الاقتصاد، فلطالما اتبعت وزارة الخزانة استراتيجية “المالية أولاً”، تضمن بها توازن حسابات الدولة على المدى المتوسط لتجنب الأزمات التمويلية.
وقد جاءت استراتيجية “المالية أولًا” فى وزارة الخزانة على حساب الاهتمام القليل جدًا بالنمو، والاستثمار العام الكافى فى البنية التحتية ورأس المال الاجتماعى الضرورى لدعمه.
ولكسر النمط، يجب أن يحظى النمو بأهمية متساوية مع الاستدامة المالية كهدف سياسى، وهذا يمكن تحقيقه بخلق وزارة اقتصاد مع هدف ومهمة صريحة وهى الاتجاه نحو نمو.
ولضمان توازن النمو جغرافياً، يجب أن يكون مقر وزارة الاقتصاد الجديد فى الحرم الجامعى الجديد لوزارة الخزانة فى دارلينجتون.
كانت كل محاولات التركيز على نمو المملكة المتحدة بعيداً عن دائرة وزارة الخزانة قد تعثرت سياسياً، والذى يقودنا إلى أنه لا يوجد خطة نمو تستطيع النجاة بدون موافقة كل من رئيس الوزراء والخزانة نفسها.
كما يجب، بموجب القانون، تكليف هيئة ثلاثية تضم رئيس الوزراء ومستشار الخزانة ووزير الاقتصاد بمسئولية تحقيق هدف النمو الوطنى فى المملكة المتحدة، وفى حالة حدوث تضارب أو تعارض بين الأهداف المالية وأهداف النمو، سيكون لرئيس الوزراء صوت الترجيح لحسم الأمر.
لكى يتم إعطاء تلك الهيئة الدعم الذى تحتاجه لوضع وتنفيذ خطة النمو، ينبغى إنشاء سكرتارية رفيعة المستوى تضم خبراء مستقلين، على غرار مجلس المستشارين الاقتصاديين الأمريكى، مما سيؤدى إلى عدم التمركز التام للصلاحيات التحليلية وصلاحيات صنع السياسات فى يد وزارة الخزانة.
الفعل الثانى المُكمل للتخلى عن السلطة يكمن فى الالتزام الكامل بتفويض السلطة، سواء فى الإنفاق أو فى النظام الضريبى، فرغم أن مقترحات كل من حزبى المملكة المتحدة الرئيسيين تشير إلى الاتجاه الصحيح، إلا أنها تمثل تحولات تدريجية لوضع شديد المركزية تجعل بريطانيا مرة أخرى خروجًا على المعمول به عالميًا.
لحصاد أقصى قدر من المكاسب من النمو المحلي، يلزم أن يكون تقاسم السلطة أكثر جرأة.
هذا يعنى إعادة رسم سياسات نقل السلطة الحالية لأجزاء أخرى كويلز، واسكتلندا، ولندن، ومع مرور الوقت إلى أيرلندا الشمالية، وتمكين جميع المناطق الإنجليزية.
لرَدْم أى فجوة ناشئة بين الصلاحيات والمسؤوليات المحلية، ستكون هناك حاجة إلى آليات مساءلة أقوى لأقاليم ومناطق المملكة المتحدة.
ومن بين هذه الآليات، أرى دورًا مهمًا للجمعيات المواطنية فى الحفاظ على انسجام قرارات القادة المحليين مع احتياجات الجمهور.
من السذاجة الاعتقاد بأن مجرد تحويل الصلاحيات سيكون كافيًا لإحياء نمو المملكة المتحدة، لكن التحولات الجريئة فى الحوكمة شروط ضرورية لإبعاد النمو عن وضع السبات.
ويمكن للحكومة المقبلة، من خلال منح السلطة بـ”سخاء”، ضمان حصولها وحصولنا جميعًا على مكاسب اقتصادية فى السنوات المقبلة.