يراهن المستثمرون العالميون بقوة على بعض السندات الأكثر مخاطرة في العالم، بعد اقتناعهم بأن أوراق الدين ستواصل ارتفاعها الكبير مع انحسار مخاطر التخلف عن السداد في الأسواق الناشئة.
عادت السندات الحكومية ذات العائد المرتفع -من سندات الأرجنتين إلى تركيا وزامبيا- لتجذب من جديد شركات إدارة الأموال، بعد وعود صنّاع السياسات بالإصلاحات وتنفيذ اتفاقيات إعادة الهيكلة، وتراجع مخاطر التعثر في سداد الديون. وفي العام الماضي، حققت هذه الاستراتيجية للمستثمرين في السندات عالية المخاطر في الأسواق الناشئة عوائد بنسبة 18.5%، أو ما يقرب من ثلاثة أضعاف العائد على الديون السيادية ذات الدرجة الاستثمارية، وفقاً لبيانات جمعتها “بلومبرج”.
قال ديفيد روبينز، وهو مستثمر يشرف على صندوق استثمار في ديون الأسواق الناشئة بقيمة 3.7 مليار دولار تابع لشركة “تي سي دبليو” (TCW): “نحن نؤيد زيادة الوزن النسبي في المحفظة من مختلف السندات مرتفعة العائد الخاصة بمجموعة منتقاة من البلدان. فنحن مقتنعون ببرامج الضبط المالي الحالية في تلك الدول، علاوة على أننا قد لا نرى أي تخلف عن السداد في سوق السندات السيادية”.
تعتبر شركة “تي سي دبليو” إحدى شركات وول ستريت التي تتوقع أن تشهد ديون الأسواق النامية ذات المخاطر الأعلى، زخماً في عام 2024، وهي في ذلك تتفق مع شركات أخرى منها مجموعة “نيوبرغر بيرمان غروب” (Neuberger Berman Group) و”إم آند جي إنفستمنتس” (M&G Investments) و”بي جي آي إم فيكسد إنكام” (PGIM Fixed Income).
خفض أسعار الفائدة الأمريكية
ومن شأن التوقعات بأن يبدأ الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي خفض أسعار الفائدة خلال العام الجاري أن تجعل تكلفة الاقتراض في متناول الدول المصدرة للسندات ذات التصنيف المنخفض، علاوة على الرأي القائل بأن احتمال تحقيق الاقتصاد العالمي “هبوطاً سلساً” قد يؤدي إلى زيادة إقبال المستثمرين على الأصول الخطرة.
لا تزال العلاوة الإضافية التي يطلبها المستثمرون فوق عائد سندات الخزانة الأمريكية للاحتفاظ بالسندات عالية المخاطر الخاصة بحكومات الأسواق الناشئة، أعلى بكثير من مستواها في منتصف عام 2021. وبالنسبة إلى الرئيس المشارك لفريق ديون الأسواق الناشئة في شركة “نيو برغر”، غوركي أوركويتا، لا تزال فرص “الصعود كبيرة” في سوق السندات السيادية ذات العائد المرتفع.
يأتي الاستثمار في الديون ذات التصنيف المنخفض مع قدر متوقع من عدم اليقين. فبينما يشكك المتعاملون في تحول سياسة البنوك المركزية، انخفض مؤشر لسندات الأسواق الناشئة السيادية -والذي يضم سندات عالية الجودة بجانب أخرى منخفضة الجودة- بنحو 1.6% حتى الآن هذا العام، وفقاً للبيانات التي جمعتها “بلومبرج” في 11 يناير.
تجاهل طوفان مبيعات السندات الجديدة في شهر يناير أيضاً إصدارات الدول ذات التصنيف الائتماني المنخفض. غير أن سيمون ويفر، المحلل الاستراتيجي لدى بنك “مورجان ستانلي” يرجح أن تعود السوق إلى استقبال جهات الإصدار عالية المخاطر طالما اختار صناع السياسة النقدية في البنوك المركزية الرئيسية تغيير اتجاه السياسة النقدية.
وكتب في مذكرة للعملاء أن أنغولا ونيجيريا وكينيا والسلفادور من بين الدول الأساسية التي ستتنافس على الاستفادة من أسواق السندات الدولية هذا العام بعوائد تبلغ حوالي 10%.
وقال كارلوس دي سوزا ودانيال كارناوس، مديرا المحافظ في شركة “فونتوبل أسيت مانجمنت” (Vontobel Asset Management): “مع انخفاض عوائد سندات الخزانة الأمريكية، يرجح أن تستعيد العديد من الجهات المصدرة ذات العائد المرتفع تواجدها في الأسواق خلال الأشهر الـ 12 المقبلة”، وهذا من شأنه أن يساعد في تشكيل “حلقة حميدة مع إزالة الخوف من التخلف عن السداد عن الساحة”.
قصة تحول في الأرجنتين
في بعض السندات ذات التصنيف المنخفض، تتجاوز فرص الصعود الأوضاع العالمية من أسعار الفائدة والتضخم والنمو. ويراقب المستثمرون عن كثب إدارة خافيير ميلي الجديدة في الأرجنتين، حيث وعد بتخليص اقتصاد البلاد المتعثر من آلام التضخم الذي تجاوز 211%.
وتمكنت الدولة الواقعة في أمريكا الجنوبية في يناير الجاري من سداد 1.5 مليار دولار من مدفوعات الفائدة لحاملي السندات، وإبرام اتفاق مع صندوق النقد الدولي يسمح لها بالحصول على نحو 4.7 مليار دولار من التمويل.
قال إيمون أغداسي، محلل ديون الأسواق الناشئة في شركة “غرانثام مايو فان أوتيرلو” (Grantham Mayo Van Otterloo & Co): “لا يزال ميزان المخاطر إيجابياً في ذلك البلد. وإذا نجحت تلك السياسات، نستطيع أن نرى استمراراً للأداء الجيد في الأرجنتين. مازلنا نوصي بزيادة الوزن النسبي لسنداتها في المحفظة”.
ارتفعت سندات الأرجنتين في الأسبوع الماضي وسط أنباء إيجابية عن سداد السندات واتفاق صندوق النقد الدولي. وانخفضت العلاوة الإضافية التي يطلبها المستثمرون للاحتفاظ بديون البلاد، في المتوسط، إلى 19 نقطة مئوية فوق سندات الخزانة الأميركية من 27 نقطة مئوية في أكتوبر، وفقاً لبيانات بنك “جيه بي مورجان تشيس آند كو”.
بالنسبة إلى إيمانويل ديل مونتي، مدير محفظة الدخل الثابت في الأسواق الناشئة في شركة “يوريزون أسيت مانجمنت” لإدارة الأصول (Eurizon Asset Management)، قد تمثل وعود ميلي الاقتصادية والمالية نقطة تحول بالنسبة إلى الدولة التي تتخلف كثيراً عن سداد ديونها.
وقال: “ستكون هناك معارضة من شريحة معينة من المجتمع. ومن الناحية السياسية سيكون من الصعب للغاية تحقيق ذلك. فهذه الخطة طموحة للغاية وقد توفر فرصة لإنجاز هذا التحول”.
عودة الثقة إلى ديون تركيا
في تركيا، مهد الرئيس رجب طيب أردوغان طريقاً لتطبيق سياسات نقدية تقليدية، وقام بتعيين مصرفيين سابقين في وول ستريت في مناصب حكومية. وبدأ البنك المركزي في زيادة أسعار الفائدة، وهي الخطوة التي دفعت كلوديا كاليتش، رئيسة ديون الأسواق الناشئة في شركة “إم آند جي إنفستمنتس” (M&G Investments) في لندن، إلى زيادة الاستثمار في سوق الديون المحلية في تركيا.
وحققت ديون البلاد الدولارية مكاسب للمستثمرين بنسبة 18% في العام الماضي، وانخفضت علاوة المخاطر التي يطلبها المستثمرون على هذه السندات منذ إعادة انتخاب أردوغان، وفقاً لبيانات “جيه بي مورغان”. ويوم الجمعة الماضي، رفعت وكالة “موديز ” النظرة المستقبلية للتصنيف الائتماني للبلاد إلى إيجابية، مشيرة إلى التغيرات الحاسمة في السياسة.
وقالت كاليتش: “بعد انتخابات العام الماضي، أجرت الحكومة بعض التغييرات في ما يتعلق بالسياسة الاقتصادية، خصوصاً في البنك المركزي. وقد نتج عن ذلك زيادة كبيرة في درجة المصداقية”.
وأشار روبينز من شركة “تي سي دبليو” إلى السندات السيادية في مختلف أنحاء أفريقيا جنوب الصحراء، بما في ذلك أنغولا ونيجيريا وكينيا. وفي كينيا، تعهدت وزارة المالية بسداد الدفعة النهائية من الفوائد وأصل الدين على سنداتها البالغة ملياري يورو، متجنبة احتمال مخالفة شروط الدين الذي يستحق في يونيو.
وقالت كاثي هبوورث، رئيسة قسم ديون الأسواق الناشئة في شركة “بي جي آي إم فيكسد إنكام”، إن مفاوضات الديون الجارية في البلدان المتعثرة بالفعل مثل زامبيا وغانا يمكن أن تتيح فرصاً هي الأخرى. وأضافت أن هناك فرص استرداد عالية لقيمة ديون البلدين اعتماداً على مدى نجاح محادثات إعادة الهيكلة.