رغم استقرار المؤشرات الاقتصادية إلى حد كبير، لكن يبدو أن المجموعة الاقتصادية لم تنجح فى إدارة توقعات السوق، وانخفضت قيمة الجنيه بشكل متسارع منذ بداية الحرب فى فلسطين.
يأتى ذلك بالرغم من أن مؤشرات السياحة التى أعلنها مجلس الوزراء تشير إلى استمرار توافد السياح خلال الربع الأخير من العام، وكذلك الحمولة المارة بقناة السويس تراجعت نحو 11% فقط منذ بداية الهجمات فى البحر الأحمر.
وارتفع سعر الدولار أمام الجنيه من 51 جنيًها يوم الخميس الموافق 30 نوفمبر الماضى إلى 61 جنيها يوم الأحد 21 يناير الجارى بالسوق الموازية، بحسب أحد المُتعاملين.
رغم التحسن الحقيقى فى الحساب الجارى الدولار فاق التوقعات
المستويات الجديدة لسعر الصرف تجعله أعلى بكثير من توقعات المراكز البحثية وتوقعات صندوق النقد الدولى لسعر الدولار والتى نقلتها وثيقة الاتجاهات الاقتصادية خلال الفترة 2024-2030، عند متوسط 36.83 جنيه خلال الفترة من 2024 – 2028.
وتتوقع مراكز بحثية بينهم “أسطول” أن يسجل الدولار 49 جنيهًا بنهاية العام، و”فيتش سوليوشنز” ما بين 40 و45 جنيه، فيما توقع “الأهلى فاروس” أن يكون الدولار فى حدود ما بين 45 إلى 50 جنيها.
ورجحت “إى إف جى” أن يسجل الدولار فى المتوسط 39.1 جنيه خلال العام المالى الحالى، و43.8 جنيه العام المالى المقبل.
الانخفاض فى سعر الجنيه بالسوق الموازية جاء رغم أن بنك الاستثمار “إى إف جى” يرى أن التحسن فى عجز الحساب الجارى لمصر كان حقيقيًا، فى ظل أن التأثير الإيجابى على خفض الواردات عادلة تقريبًا تأثير سلبى على تحويلات المصريين بالخارج.
وقال متعامل فى السوق الموازية، إن هناك زيادة ملحوظة فى الطلب على العملات الأجنبية من قبل الأفراد للتحوط، ومن قبل التجار خوفًا من صعوبة تدبيره فى فترات لاحقة أو خوفًا من مزيد من الارتفاع فى سعره.
“فى أوقات الانخفاض الحاد لقيمة العملة يكون على البنوك المركزية إدارة التوقعات التى بدورها تغير شكل الطلب” بحسب هانى جنينة، كبير الاقتصاديين فى كايرو كابيتال.
“قناة السويس” أضرت بتوقعات السوق لسعر الصرف
وترى آية زهير، رئيس قسم البحوث بشركة زيلا كابيتال، أن تسارع ارتفاع سعر الدولار بالسوق الموازية، جاء بسبب الطلب المتزايد عليه من قبل الأفراد والشركات، خاصة فى ظل حالة عدم اليقين بشأن إجراء “التعويم” أو توقيته، ما يُشكل ضغوطًا إضافية على سعر الصرف.
وأضافت أن التوترات الجيوسياسية والتى قد تؤثر سلبًا على إيرادات قناة السويس إذا طالت الأزمة، كان لها دور على المعنويات، خاصة مع تصاعد التوترات السياسية فى اليمن.
وقال الفريق أسامة ربيع رئيس هيئة قناة السويس إن حركة الملاحة في القناة منتظمة، ووصف تعليق بعض الشركات عبورها من قناة السويس بـ “الأمر المؤقت”.
وبحسب منصة “بورت ووتش” التابعة لصندوق النقد الدولى لتتبع حركة الشحن، تراجعت الحمولة المارة بقناة السويس نحو 46% على أساس سنوى لتصل إلى 53.5 مليون طن مقابل 99.7 مليون طن.
وذكرت زهير أن الأزمات العالمية تتسبب فى ارتفاع أسعار الحبوب عالميًا، وهو تحد جديد قد يواجهنا فى المستقبل.
هل استفادت مصر من تحسن السياحة؟
الطلب على الدولار جاء بالتزامن مع تفضيل حائزى العملة الأمريكية الاحتفاظ بها تحوطًا ضد التقلبات، ما جعل استفادة مصر من نحو 10.8 مليار دولار تدفقات من قطاع السياحة محدودة بحسب تقرير سابق لوكالة ستاندرد أند بورز للتصنيف الائتمانى.
ويتفق ماجد فهمى الرئيس السابق لبنك التنمية الصناعية، أن الشركات ومن يرد لهم حصائل دولارية فضلوا الاحتفاظ به سواء للتحوط أو لتأمين الاحتياجات المستقبلية منه.
وأضاف فهمى أن استعادة الثقة فى الاقتصاد واستقرار الأسعار سيضع حدًا للارتفاع المبالغ فيه لسعر الدولار، لأن جزء منه ليس طلبًا حقيقيًا نظير الاحتياجات من الخارج والالتزامات الأساسية للبلاد.
وذكر أن إيرادات العملة الأجنبية من السياحة لا تدخل كاملة إلى السوق الرسمية للدولار وكذلك حصيلة التصدير، ويجب سن سياسات خلال الفترة المقبلة من شأنها ضمان وقف هروب تلك الإيرادات لتغذية السوق الموازى.
ما بعد التعويم
ويرى بنك الاستثمار “إى إف جى” أن خفض قيمة الجنيه سيحفز تنازلات فى حدود ما بين 12 و14 مليار دولار، وأن البنك المركزى عليه أن يكمل ذلك الإجراء بتشديد السياسة النقدية، وتوافر سيولة كافية لتلبية الطلب المعلق.
واتفقت “فيتش سوليوشنز” شركة الأبحاث التابعة لمجموعة “فيتش للتصنيف الائتمانى” أن تضييق الفجوة مع السوق الموازي وإصدار شهادات الإيداع ذات العائد المرتفع يساعد على إعادة ما يصل إلى 10 مليارات دولار من السوق الموازي إلى القطاع المصرفى.
وارتفع سعر الجنيه فى العقود الآجلة غير القابلة للتسليم أجل عام إلى ما بين 54.7 و54.9 جنيه، فيما يصل سعر العقود أجل شهر ما بين 37.79 و37.9 جنيه، وأجل شهرين نحو 40.3 جنيه و40.4 جنيه.
ويأتى الارتفاع مع زيادة التكهنات بقرب خطوة تحرير سعر الصرف بالتزامن مع زيارة بعثة صندوق النقد للقاهرة بعد اجتماعات واشنطن التى جمع بين مديرة الصندوق، كريستالينا جورجيفيا ومحافظ البنك المركزى، ووزير المالية.
لكن “فيتش سوليوشنز” ترى أن الصندوق لن يكون متمسكًا كما كان من قبل بشرط تحرير سعر الصرف فى ظل تأثر الاقتصاد بالحرب فى فلسطين، وزيادة أهمية دور مصر كوسيط سياسى.
وهو توقع شاركه فيه “مورجان ستانلى” بنك الاستثمار الأمريكى فى تقرير أصدره نهاية الشهر الماضى، توقع فيه أن يكون خفض الجنيه جزئيًا، لحين الحصول على التمويلات على أن تزداد مرونته تدريجيًا.