يجب الاعتراف بأن الوضع الحالى يرتبط بمشكلات مؤسسية فى إدارة الاقتصاد وليس فقط بالأوضاع الخارجية
وصف المركز المصرى للدراسات الاقتصادية صدور وثيقة أبرز التوجهات الاستراتيجية للاقتصاد المصرى للفترة الرئاسية الجديدة 2024 ـ 2030، بأنه غريب وغير مفهوم، وقد يشير إلى استمرار نفس منظومة الحكومة الحالية فى العمل.
أضاف المركز البحثى فى تعليقه على الوثيقة، أن هذا النوع من الوثائق يعد برنامج عمل للحكومة الجديدة المتوقع توليها الأمور فى هذه المرحلة الجديدة، ويكون برنامج عمل متكامل ذا مؤشرات أداء تتم متابعة تنفيذها بأسلوب سليم، ولكن أن يأتى من نفس الحكومة القائمة على المنظومة الاقتصادية حالياً فهو غير مفهوم.
وقال إن حديث الوثيقة عن الإنجازات السابقة، وعدم ذكر المشكلات أو البطء فى تحقيق الأهداف، يفترض ضمناً سلامة السياسات المتبعة سابقاً، وبالتالى التوجه لاستكمال المسيرة بنفس الأسلوب، بينما الأمور على أرض الواقع تتطلب تغييرات جذرية.
وطالب بالاعتراف بأن الوضع الاقتصادى الحالى يرتبط بشكل كبير بمشكلات مؤسسية فى إدارة المنظومة الاقتصادية، وليس فقط بالأوضاع الخارجية من حرب أوكرانيا، وتوابع مرحلة كوفيد، اللتين تربط الوثيقة بينهما وبين تردى الضع الحالى.
وأضاف أن فكر التعامل مع أعراض المشكلات مثل التضخم، وأزمات العملة، والاعتماد على أدوات محدودة لحل هذه المشكلات مؤقت، وتحديداً التغيير فى سعر الصرف وسعر الفائدة، هو تعامل مع أعراض المشكلات الاقتصادية وليس من جذورها المؤسسية والهيكلية.
أهداف الوثيقة شديدة الطموح فى ظل الوضع الحالى وكيفية وتوقيت تحقيقها غامض
ووصف الأهداف فى التوجهات الاستراتيجية المذكورة فى الوثيقة، بأنها شديدة الطموح فى ظل الوضع الحالى، وقال إن كيفية وتوقيت تحقيق هذه الأهداف غامض، فضلاً عن استحالة تنفيذها دون تقييم موضوعى للوضع الراهن، وضرورة وجود تغيير جذرى فى الهيكل المؤسسى للمنظومة الاقتصادية والاجتماعية فى مصر، واعتبر ذلك مربط الفرس للمشكلة.
ولاحظ المركز، أن الوثيقة لا تتطرق على الإطلاق لمصادر تمويل هذه الأهداف الطموحة فى كل المجالات.
وقال إن الوثيقة لا تعكس ارتباط التوجهات الاستراتيجية مرتبطة ببعضها البعض بشكل كبير على أرض الواقع؛ مشيراً إلى أنه لا يمكن تحقيق مستهدف النمو المستدام القوى والمكانة العالمية المنشودة دون البدء فوراً فى الإصلاح المؤسسى الجاد، وتغيير بوصلة توجه الأولويات، والتغيير فى السياسات المطلوبة على أرض الواقع. وغياب هذا الارتباط يجعل أسلوب عرض التوجهات الاستراتيجية منقوصاً، ويجعله طرحاً نظرياً أكثر منه عملى وواقعى.
وأشار المركز إلى الفكرة التى طرحتها الوثيقة بتوريق موارد الدولار لسداد الدين الخارجى، ووصف المقترح بأنه خطير؛ لأنه يركز على سداد الديون كهدف أساسى وأولى فى حد ذاته، بعيداً عن إصلاح المنظومة نفسها، وفى إطار زمنى مختلف عنها، ما يعنى أنه كالمعتاد نسعى لسداد الدين سريعاً، بينما نتبنى الإصلاحات بجدول زمنى مفتوح.
يستحيل تنفيذ الأهداف دون تقييم موضوعى للوضع الراهن وتغيير جذرى فى الهيكل المؤسسى للمنظومة الاقتصادية والاجتماعية
وقال إن هذا المقترح يسمح باستمرار نفس أسلوب الإدارة، والأداء المنفصل لكل جهة من جهات الدولة، وفتح الباب مرة أخرى لمزيد من الديون الجديدة، ومزيد من اختلال الأولويات، واستمرار الدائرة المفرغة من الأداء الضعيف.
ويضاف إلى هذا حرمان مصر لسنين طويلة من إيرادات دولارية منتظمة مطلوبة بشدة لكل نواحى التنمية دون وجود بدائل فى ظل عدم تغير أسلوب عمل المنظومة.
أضاف أن الأوقع هو إعادة جدولة الديون مع تبنى إصلاحات مؤسسية جذرية، واللجوء لصندوق النقد لمزيد من الدعم يوجه لتحقيق المرونة المطلوبة فى سعر الصرف حتى ينتهى وجود السوق الموازية الحالية وتبدأ عجلة الاقتصاد فى الانتظام.
واعتبر أن هناك تضارباً فى أهداف الاستراتيجية؛ فزيادة الاستثمار إلى 25% أو 30% من الناتج المحلى هى سياسة توسعية لا تتفق مع الضبط المالى والسيطرة على التضخم الذى تذكره نفس الوثيقة، لا سيما فى ظل انكماش دور القطاع الخاص.
توريق الإيرادات الدولارية خطير.. والأوقع إعادة جدولة الديون مع تبنى إصلاحات مؤسسية جذرية
وقال إن الوثيقة تضع مستهدف الوصول بقطاعات الزراعة والصناعة والتكنولوجيا إلى المساهمة بـ35% من الناتج المحلى الإجمالى فى 2030 كحد أدنى، وهو نفس مستهدف برنامج الإصلاح الهيكلى الأول المحدد الانتهاء منه فى 2024.
وأشار إلى أن هذا الهدف لا جديد فيه، مطالباً بتقييم ما تحقق فى برنامج الإصلاح الهيكلى الأول قبل الدخول فى الثانى.
أضاف أن تلك المستهدفات شديدة العمومية بما أن هناك الكثير من التخصصات تحت كل قطاع منها باختلافات كبيرة تتطلب سياسات مختلفة عن بعضها البعض، متسائلاً عن الدراسات التى أجريت لتحديد ما يجب التركيز عليه.
وتتوقع الوثيقة زيادة فرص العمل بخمسة ملايين فرصة فى مشروعات البنية الأساسية، وتعليقاً على ذلك قال المركز إن ذلك يعنى ضمنياً استمرار المشروعات فى هذا الاتجاه بالرغم من ارتباط تراكم الديون بهذا النوع من المشروعات والتى سبق وأعلن عن الإبطاء فيها نظراً لصعوبة وضع الديون الحالى.
وانتقد المركز الحديث عن الاستمرار فى تبنى مرونة سعر الصرف فى ظل عدم تحقق هذه المرونة على أرض الواقع، وتحديد سعر يصل إليه الدولار عند 36.83 جنيه.
الوثيقة لا تتطرق على الإطلاق لمصادر تمويل الأهداف فى كل المجالات
وأشار إلى أن المستهدفات المرتبطة بالصناعة والصادرات كلها رقم واحدد محدد 20% وهو أمر لافت للنظر، ما يتطلب توضيح الدراسات التى تم على أساسها تحديد هذه النسبة فى كل المجالات.
وتساءل عن الاستراتيجيات التى أشارت إليها الوثيقة مثل الوثيقة مجموعة من الاستراتيجيات مثل الاستراتيجية القومية للاستثمار 2030، والاستراتيجية الوطنية للتشغيل 2030، وتقرير تنافسية المحافظات، واستراتيجية زيادة الصادرات 2024 ـ 2030 بمستهدف 145 مليار دولار.
وقال إنه لم يعلن عن نتائجها بعد، فى حين لم يتم تقييم وصلت إليه الجهود فى تحقيق مستهدف 100 مليار دولار فى مجال التصدير قبل رفع هذا الرقم إلى القيمة الأعلى.
وقال إنه فيما يخص التصدير تحديداً، من المهم تحديد أن المطلوب هو زيادة كمية الصادرات وليس قيمة التصدير فقط؛ لأن الأخيرة قد ترتبط بارتفاع أسعار المنتج المصدر، فمن المهم متابعة الكم وليس فقط القيمة كما تفعل كل الدول الجادة فى الارتقاء بالتصدير، مشيراً إلى أن تحفيز التصدير لا يأتى كهدف منفرد أو منفصل عن الاستثمار.
الحكومة تتحدث عن الاستمرار فى مرونة سعر الصرف لكن الوضع مختلف على الأرض
واعتبر أن ورود مقترح بإنشاء شركة للترويج للاستثمار فى الخارج، وأخرى لتصدير العقار فى الوثيقة مقترح فى غير محله، وبالرغم من أهمية المستهدف من هذه الشركات؛ لأنه يأتى بدون دراسة ما هو موجود حالياً لتحقيق هذه الأهداف، ودون وجود دراسات تفصيلية للتكلفة والعائد من هذه الشركات الجديدة.
وقال إنها أدوات محددة من غير المنطقى وجودها فى التوجهات الاستراتيجية للدولة.
وقال إنه من غير العلمى أو المنطقى أن يكون التحول للمنطقة الحرة هو الحل المطروح للقضاء على المشكلات البيروقراطية، وتحفيز الاستثمار والتصدير.
وعلى النسق نفسه، من غير المنطقى أن يكون الاعتماد على تشجيع الاستثمار والتصدير من خلال حوافز مثل الرخصة الذهبية؛ فالأصل أن تكون كل الرخص ذهبية، وألا يكون الاستثمار بحاجة إلى قانون خاص، بل الأصل أن يتم تبنى بيئة الأعمال بشكل كامل وفى إطار زمنى سريع يتناسب مع احتياجات المرحلة، وأن يتم تبنى توحيد الجهات المطلوب مرة أخرى لتحقيق هذا الهدف.