الطلب سيرتفع حتى 2030 ثم ينخفض 40.4% بحلول2050
قبل أسبوعين، اتخذت إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن قرارًا سياسيًا بالغ الأهمية بشأن الوقود الأحفوري، وهو القرار الذي يتردد صداه في جميع أنحاء آسيا.
ويوقف التوجيه الذي أصدره الرئيس في 26 يناير إصدار موافقات على محطات تصدير الغاز الطبيعي المسال الجديدة، بينما يوجه المسئولين إلى إعادة تقييم كيفية استعراض المشاريع المستقبلية لمعرفة تأثيرها المحتمل على تغير المناخ.
وكما هو متوقع، كان رد فعل صناعة الوقود الأحفوري هو إغراق وسائل الإعلام بالادعاءات المثيرة للذعر بأن هذه الخطوة من شأنها أن تقوض أمن الطاقة لحلفاء أمريكا.
سُلط الضوء على الانتقادات في جلسات الاستماع هذا الأسبوع في مجلسي النواب والشيوخ الأمريكيين والتي أظهرت إلى أي مدى يرغب بعض المسئولين المنتخبين في تحقيق الأرباح على حساب المواطنين.
وبهذا السياق، ربما يكون من المفيد السماع مباشرة من حلفاء أمريكا في دول مثل اليابان وكوريا الجنوبية والفلبين، خاصة وأن العديد من خبراء المناخ والطاقة في آسيا يرحبون بقيادة بايدن للمناخ باعتباره تطورًا إيجابيًا.
ويرجع ذلك، أولاً وقبل كل شيء، إلى أنه من المتوقع بالفعل أن يرتفع الطلب على الغاز في آسيا بحلول عام 2030 مع تسريع المنطقة لتحولها إلى الطاقة المتجددة، ثم ينخفض بنسبة 40.4% بحلول عام 2050 عن مستوى 2022.
تخطط كوريا الجنوبية واليابان، لتقليل استخدام الغاز على مدى العقد المقبل
ولن يؤثر قرار بايدن أيضًا على قدرة تصدير الغاز الطبيعي المسال في الولايات المتحدة حتى ثلاثينيات القرن الحالي، حيث يستغرق بناء المحطات وبدء تشغيلها أعوام، حسب ما نقلته مجلة “نيكاي آسيان ريفيو” اليابانية.
ويخطط أكبر مستوردي الغاز الطبيعي المسال الأمريكي، وهما كوريا الجنوبية واليابان، لتقليل استخدام الغاز على مدى العقد المقبل للتوافق مع التزاماتهم بإزالة الكربون بموجب اتفاقية باريس لعام 2015.
ما سيفعله قرار بايدن هو منح آسيا وقتًا ومساحة إضافيين لتوسيع دور توليد الطاقة المتجددة في مزيج الطاقة بالبلاد.
وبدلاً من الاعتماد على المزيد من واردات الغاز الطبيعي المسال، تستطيع آسيا أن تستثمر في أمن الطاقة لديها، وهو ما يمكن أن يأتي من التحول الأسرع إلى الطاقة المتجددة.
والخبر المثير هو أن التغيير جار بالفعل، ففي عام 2022، استحوذت منطقة آسيا والمحيط الهادئ على أكثر من 60% من الاستثمارات الجديدة في الطاقة المتجددة حيث خصصت مبلغًا مذهلاً قدره 356 مليار دولار في هذه الجهود.
وعززت منطقة جنوب شرق آسيا وحدها نموها السنوي في توليد الطاقة الشمسية وطاقة الرياح إلى 43% بين عامي 2015 و2022.
وإذا كانت واشنطن راغبة في تعزيز أمن الطاقة لدى حلفائها، فيتعين عليها أن تدعم تحول آسيا من الوقود الأحفوري المستورد إلى الطاقة المتجددة المحلية.
السبب الثاني الذي يجعل خطوة بايدن قرارًا جيدًا بالنسبة لآسيا هو أنها ستساعد في مكافحة تغير المناخ، حيث سيساعد التباطؤ في صادرات الغاز الطبيعي المسال على تقليل الكميات الهائلة من انبعاثات الغازات الدفيئة المنبعثة أثناء تطوير البنية التحتية للغاز الطبيعي المسال وإنتاج الغاز ونقله وحرقه.
وتشمل هذه انبعاثات غاز الميثان، وهو أقوى بـ 80 مرة من ثاني أكسيد الكربون.
تُظهر الأبحاث الحديثة المنشورة على منصة “أي أو بي ساينس” أن صادرات الغاز الطبيعي المسال الأمريكية قد تكون ضارة بالمناخ مثل الفحم عند الأخذ في الاعتبار تسرب غاز الميثان وانبعاثات الغازات الدفيئة الأخرى عبر سلسلة توريد الغاز الطبيعي المسال.
لذلك، في حين تقوم صناعة البترول والغاز ببعض الألعاب الذهنية المذهلة للقول بأن حركة المناخ تقف في طريق تقليل الانبعاثات العالمية ووقف تغير المناخ، يجب تذكر أن استبدال وقود أحفوري بآخر ليس حلاً للمناخ.
ولا يقتصر مستقبل الطاقة لدينا على الاختيار بين الفحم والغاز، إذ يشكل اعتماد آسيا على الفحم تحدياً كبيراً، لكن هناك بدائل، مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، ميسورة التكلفة ويمكن الوصول إليها كما أنها مجدية من الناحية التكنولوجية.
وبطبيعة الحال، سيأتي هذا التحول بتكاليف مقدمة، لكن لا يمكننا نسيان الإعانات بمليارات الدولارات التي تتلقاها صناعة الوقود الأحفوري سنويًا لبناء وصيانة المشاريع، ناهيك عن تكلفة تغير المناخ في آسيا، والتي قد تصل إلى أكثر من ربع ناتجها المحلي الإجمالي بحلول 2050 وفقًا للمسار الحالي للمنطقة.
آسيا تريد مصادر طاقة نظيفة ومتجددة ومستقلة، والشعوب تستحق مستقبلاً صحياً خالياً من الوقود الأحفوري، لذلك هناك ترحيب كبير بقرار إدارة بايدن، لكنه لا يمثل سوى خطوة أولى نحو تسريع التحول إلى الطاقة المتجددة.
ولا تزال القدرة التصديرية للغاز الطبيعي المسال في الولايات المتحدة على وشك أن تتضاعف ثلاث مرات بحلول أوائل عقد 2030، فقرار الرئيس لن يؤثر على المشاريع قيد الإنشاء حاليًا أو التي حصلت بالفعل على الموافقة.
كما أن آسيا تحث الولايات المتحدة على إظهار المزيد من القيادة المناخية من خلال التعاون مع الشركاء هناك لتسريع التحول إلى الطاقة المتجددة في المنطقة وتعزيز أمن الطاقة بدلا من الانخراط في المزيد من الوقود الأحفوري.