المدينة تعالج 70% من المدفوعات العابرة للحدود والمقومة باليوان متفوقة بفارق كبير على لندن
المزاج السائد في أسواق هونج كونج قاتم للغاية هذه الأيام، فسوق الأوراق المالية في هونج كونج، والتي تتمحور الآن حول أسهم الشركات الصينية، تترنح في ظل ضغط الحملات التنظيمية لبكين والتوترات الجيوسياسية مع الولايات المتحدة.
وكان مؤشر هانج سنج هو الأسوأ أداءً في آسيا العام الماضي، إذ حقق عوائد سلبية للمستثمرين للعام الرابع على التوالي.
وفي الوقت نفسه، انخفضت أسعار العقارات في هونج كونج بنسبة 25% تقريبًا عن ذروتها في 2019، وفقًا للوكالة المحلية “سينتالين”.
ويتوقع معظم المحللين أن يتراجع السوق أكثر حتى يبدأ مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي في خفض أسعار الفائدة.
لا يزال المستثمرون الدوليون غارقين في العناوين السلبية الصادرة من هونج كونج، وكان التركيز الأخير هو اقتراح قانون أمني جديد كُشف عنه النقاب مؤخرًا لمعالجة ما يعتبره مسؤولو المدينة “ثغرات” في التشريعات الحالية.
ومع ذلك فمن الأهمية بمكان ألا يغيب عن بال المستثمرين أهمية هونج كونج المستمرة باعتبارها مركزاً مالياً عالمياً، حسب ما نقلته مجلة “نيكاي آسيان ريفيو” اليابانية.
فمن ناحية، فهو أكبر مركز مقاصة في العالم لليوان خارج البر الرئيسي للصين، إذ تعمل المدينة على معالجة أكثر من 70% من المدفوعات العابرة للحدود والمقومة باليوان، متفوقة بفارق كبير على حصة لندن التي تحتل المركز الثاني والتي تبلغ 5%.
وهذا أمر مهم بالنظر إلى أن اليوان تجاوز الين، العام الماضي ليصبح العملة الرابعة الأكثر استخدامًا على نطاق واسع للمدفوعات عبر الحدود، وفقًا لجمعية الاتصالات المالية العالمية بين البنوك “ٍسويفت”.
ومع وصول حصة الصين في التجارة العالمية إلى ما يقرب من 20%، فمن الآمن المراهنة على أن حصة اليوان ستستمر في الارتفاع خلال الأعوام المقبلة.
عادةً ما يمر حوالي ثلثي الاستثمار الأجنبي المباشر المتجه إلى أو خارج الصين القارية عبر هونج كونج.
ومع تزايد تأثير العولمة على المستوى الإقليمي وسعي الشركات لتعزيز مرونة سلاسلها للتوريد في أعقاب الاضطرابات الناجمة عن الوباء والحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين، فإن حجم الاستثمار الذي قد يتدفق عبر هونج كونج إلى مراكز تصنيع أخرى منخفضة التكلفة يُتوقع أن يزداد.
وهذا من شأنه أن يولد فرصًا للشركات المحلية والعالمية على حد سواء.
تتوقع شركات المحاسبة الأربع الكبرى، التي تشارك بشكل كبير في إعداد الشركات للاكتتاب العام، أن العروض العامة الأولية ستنتعش بقوة في هونج كونج خلال 2024 من المستوى الضئيل في العام الماضي، وربما تدر عائدات تزيد عن 10 مليارات دولار وتجعل المدينة مرة أخرى سوقًا عالميًا رائدًا للاكتتابات العامة الأولية.
وبعيداً عن سوق الأوراق المالية، فإن هيمنة الشركات الصينية ليست قوية في هونج كونج.
وتشير الأرقام الحكومية إلى أن 2100 شركة من البر الرئيسي لها وجود في المدينة مقابل 1400 شركة يابانية و1200 شركة أمريكية.
وبالمثل، فيما يتعلق بالمقار الإقليمية، فإن 247 شركة صينية لديها مراكز هنا مقارنة بـ214 شركة أمريكية و206 شركات يابانية.
وهذا يدل على أن المدينة تظل مركزًا تجاريًا عالميًا، وليس مجرد مركز صيني، وينعكس هذا من حيث العمالة الماهرة التي تحتاجها المدينة وتجتذبها.
ويتجلى ذلك أيضًا فيما يتعلق بصناعة إدارة الصناديق، إذ توجد دلائل على أن هونج كونج قد تتفوق على سويسرا كأكبر مركز لإدارة الثروات الخاصة عبر الحدود في العالم بحلول 2027.
لا تزال المدينة موطنًا لتركيز كبير بشكل غير عادي من مديري الصناديق الدولية والشركات الاستشارية والبنوك الخاصة.
ورغم الحديث عن التدفقات الخارجة إلى سنغافورة، تظل هونج كونج متقدمة بفارق كبير عن الدولة الواقعة في جنوب شرق آسيا، حيث تبلغ قيمة الأصول الخاضعة للإدارة نحو 2.2 تريليون دولار مقارنة بـ1.5 تريليون دولار لمنافستها.
وكانت هونج كونج موطنا لحوالي 2000 مدير أصول مرخص في العام الماضي، مقابل 1194 في سنغافورة، وفقا للبيانات الرسمية.
ومن الآن فصاعدا، توفر منطقة الخليج الكبرى، وهي مبادرة متعددة الأوجه لدمج هونج كونج وماكاو بشكل أوثق مع تسع مدن في مقاطعة قوانغدونغ المجاورة للصين، سببًا رئيسيًا آخر للمستثمرين للحفاظ على موطئ قدم في هونج كونج.
ومن المتوقع أن يؤدي تحسين روابط النقل وسهولة السفر إلى مضاعفة الناتج المحلي الإجمالي لمنطقة الخليج الكبرى بحلول 2030، رغم تباطؤ زخم النمو الإجمالي في الصين.
وتمثل منطقة الخليج الكبرى بالفعل أكثر من ثلث صادرات الصين، كما أن متوسط الدخل أعلى بكثير من المتوسط في البلاد.
ومن الأفضل كثيراً بالنسبة للشركات والمستثمرين الأمريكيين، ونظرائهم في بلدان أخرى، أن يدركوا أن هونج كونج تظل لاعباً أساسياً في التمويل العالمي، فربما تعرضت المدينة لضربة قوية في الأعوام الأخيرة، لكنها لا تزال في مكانة رائدة.