هل تتخلى اليابان عن سباق بناء البنية التحتية فى جنوب شرق آسيا؟
هذا السؤال أثاره بعض المراقبين منذ انتشار أنباء الشهر الماضى حول انسحاب الشركات اليابانية من العطاءات لبناء خط سكة حديد فائق السرعة بين كوالالمبور وسنغافورة، وهو مشروع بارز تتجاوز قيمته 15 مليار دولار.
هذه الخطوة كانت لفترة طويلة فى مرمى أنظار الشركات اليابانية.
وقبل تسعة أعوام، عرض وزير النقل اليابانى الحالى نظام شينكانسن فى بلاده، على المسئولين الماليزيين أثناء زيارته إلى كوالالمبور.
تشير تقارير وسائل الإعلام الماليزية إلى أن سبعة اتحادات قدمت فى النهاية عطاءات للمشروع، بما فيها شركات صينية مملوكة للدولة.
وإذا نجح أحد هذه العطاءات، كما هو متوقع على نطاق واسع، فإن الأمر سيبدو وكأنه يعزز بصورة أكبر وجود الشركات الحكومية الصينية فى بناء السكك الحديدية فى جنوب شرق آسيا، حسب ما أوضحته مجلة «نيكاى آسيان ريفيو» اليابانية.
ومن بين أبرز المشاريع، خط سكة حديد طوله 1000 كيلومتر يصل بين الصين ولاوس الذى افتتح العام الماضي، ويربط بين كونمينج، عاصمة مقاطعة يونان، وفينتيان، وقد أسهم فى تحفيز النشاط التجارى والسياحى بين البلدين.
وشهد العام الماضى أيضاً افتتاح أول خط قطار فائق السرعة فى جنوب شرق آسيا، وهو خط سكة حديد بطول 140 كيلومتراً بين جاكرتا وباندونج بإندونيسيا.
وفى ظل دعم الحكومة، تنافست الشركات اليابانية بشدة مع المنافسين الصينيين للحصول على حق بناء المشروع، لكنها فى النهاية لم تتمكن من مجاراة مستوى التمويل الجذاب الذى قدمته بكين.
ويبدو أيضاً أن قضايا التمويل لعبت دوراً فى قرار الشركات اليابانية الانسحاب من العطاءات فى ماليزيا، كما كانت بوتراجايا مترددة فى تقديم ضمانات للمشروع؛ بسبب ارتفاع الدين الحكومى.
كان المشروع يتسم أيضاً بتاريخ معقد، والذى ربما لعب دوراً فى حسابات مخاطر الشركات، وعلقت ماليزيا المشروع فى 2018 ثم ألغته بالكامل فى 2021؛ بسبب مخاوف تتعلق بالميزانية قبل أن تحييه حكومة جديدة مجدداً العام الماضى.
ولدى المسئولين التنفيذيين اليابانيين أسباب معقولة للتساؤل عن مدى التزام بوتراجايا بإنهاء الخط الممتد إلى سنغافورة؛ نظراً إلى أن الاستعدادات والبناء سيستغرقان أعواماً عديدة للاكتمال، فيما غيرت ماليزيا حكوماتها أربع مرات خلال الستة أعوام الماضية.
وبغض النظر عن هذا المشروع، تواصل اليابان لعب دور رائد فى تطوير البنية التحتية فى جنوب شرق آسيا، بما فيها مجالات مثل تطوير الموانئ وبناء مترو الأنفاق والطاقة.
ارتفعت الحصة السوقية لشركات اليابان فى إندونيسيا، فيما يتعلق بمجال البنية التحتية للطاقة، خلال الأعوام الأخيرة، بجانب حصة الشركات الصينية.
علاوة على ذلك، ورغم أن ديناميكيات سوق البنية الأساسية فى جنوب شرق آسيا قد تشهد تحولاً، فمن الواضح أن اليابان تظل قوة اقتصادية عاتية فى المنطقة.
وربما يمكن ملاحظة ذلك بقوة أكبر فى قطاع السيارات، حيث لا تزال العلامات التجارية اليابانية تمثل 80% من مبيعات السيارات الجديدة على الرغم من الاهتمام المتزايد بالسيارات الكهربائية الصينية.
وما يعكس الطلب المستمر على السيارات اليابانية هو وصول آلاف السيارات الإضافية إلى المنطقة كل عام كواردات موازية أو كسيارات مستعملة.
يمكن أن يعزى نجاح العلامات التجارية مثل «تويوتا» و«هوندا» فى المنطقة إلى مجموعة من العوامل، مثل الجودة العالية، ومجموعة واسعة من النماذجن وشبكات واسعة من الوكلاء، ومراكز الخدمة، والقيمة العالية لإعادة بيع السيارات.
هذه المزايا تطورت على مدى عقود؛ حيث تخلفت خلال هذه الفترة عن ركب صُناع السيارات الغربيين الأكثر رسوخاً فى المنطقة.
ورغم أن العلامات التجارية الصينية أصبحت الآن قوية، فإنه من الصعب عليها أن تتفوق على الشركات اليابانية فى المستقبل المنظور.
هناك ديناميكيات مماثلة فى مجالات مثل تجارة التجزئة والسلع الاستهلاكية فى جميع أنحاء جنوب شرق آسيا.
وبالرغم من صعوبة إنكار أن اقتصادات المنطقة استفادت من الثقل الاقتصادى المتنامى للصين، فإنَّ هذا لا يعنى بالضرورة تلاشى وجود الشركات اليابانية.
فى وقت ربما تتجنب فيه الشركات اليابانية بعض مشاريع البنية التحتية الأكثر طموحاً، والتى قد تكون أكثر صعوبة على الصعيد المالي، فى المنطقة، فإن هذا لم يمنعها من استغلال فرص أخرى بشكل مربح.
وفى ظل وتيرة النمو السريعة التى تشهدها اقتصادات جنوب شرق آسيا، يستطيع جميع المعنيين إيجاد فرص لتعزيز ثرواتهم معاً، فالكعكة كبيرة بما يكفى لشركات اليابان والصين والمنطقة نفسها.