انخفاض أسعار الفائدة الحقيقية وانكماش النمو وارتفاع الديون.. أمور لن تختفى
بدا الاقتصاد العالمى وكأنه يتحول إلى الاقتصاد اليابانى خلال معظم أوقات القرن الحالى، فى ظل النمو المنخفض، ومعدلات التضخم التى تقل عن المستهدف، وأسعار الفائدة المنخفضة للغاية، والسؤال المطروح اليوم هو إلى أى مدى ستبدو اليابان مشابهة لبقية العالم.
فى التاسع عشر من مارس 2024، رفع بنك اليابان أسعار الفائدة للمرة الأولى منذ 2007، بعد أن بدا التضخم وكأنه استقر أخيرًا، لتكون أسعار الفائدة على الأرصدة المحتفظ بها فى البنك، والتى كانت فى السابق بسالب 0.1%، ستصبح نسبتها الآن 0.1%.
كما ألغى البنك المركزى، تحت قيادة محافظه الجديد أويدا كازو، سياسته الخاصة بالتحكم فى منحنى العائد، والتى حددت سقف عائدات السندات طويلة الأجل عند 1%.
وبعد أن حافظت اليابان على سياستها النقدية الفضفاضة لأعوام، بدأت الآن فى اتباع المسار الذى حددته الاقتصادات الأخرى منذ تفشى التضخم على نطاق واسع، حسب ما أوضحته مجلة “ذا إيكونوميست” البريطانية.
إنها لحظة حاسمة، فقبل عام 2022، ظل التضخم السنوى فوق 2% لمدة 12 شهرًا فقط من الأشهر الـ120 السابقة، لكنه ظل اليوم فوق هذا المستوى لمدة 22 شهرًا متتاليًا.
ووافقت أكبر الشركات فى اليابان مؤخرًا على زيادة الأجور بنسبة 5.3%، وهو مستوى لم يكن من الممكن تصوره قبل تفشى التضخم حول العالم.
مع ذلك فمن الخطأ أن نستنتج أن اليابان تسعى للتخلص من ملامحها اليابانية، كما أن السمات الهيكلية الحقيقية هى ما يهم حتى أكثر من السمات النظرية للاقتصاد، مثل التضخم وأسعار الفائدة الرئيسية ونمو سوق الأسهم.
قمة ثلاثية مرتقبة بين أمريكا واليابان والفلبين أبريل المقبل
فإذا نظرت إلى الأسس، فإن ارتفاع أسعار الفائدة ليس كما يبدو تمامًا، كما أن هدف التضخم البالغ 2% والذى يعتقد بنك اليابان أنه أصبح فى الأفق الآن، يزيد بمعدل 1.4% عن معدل التضخم المتوسط على مدى العشرة أعوام حتى نهاية عام 2021.
وهذا الارتفاع بمقدار 1.4% فى معدل التضخم المتوقع تعتبر أعلى من ارتفاع أسعار الفائدة بمقدار 0.2 نقطة مئوية، والتى انخفضت ولم ترتفع عند تقديرها بالقيمة الحقيقية.
علاوة على ذلك، أوضح البنك المركزى فى بيانه الصادر فى التاسع عشر من مارس أنه يتوقع الحفاظ على ظروف مالية “ميسرة” وسيواصل شراء بعض السندات، وتعكس أسعار الفائدة الحقيقية المنخفضة للغاية حقيقة مفادها أن السكان المسنين فى اليابان – حيث تبلغ نسبة من يتجاوزون 65 عاماً 30% – لديهم مدخرات وفيرة.
وفى الوقت نفسه، تكافح الشركات لاستخدام هذه المدخرات بشكل جيد، لأن الاقتصاد الذى يعانى من تقلص عدد السكان لديه شهية أقل فى الاستثمارات الرأسمالية، كما أن التركيبة السكانية لليابان وعدم استعدادها للسماح بالهجرة كثيرًا تعيق نموها.
ويتوقع صندوق النقد الدولى أن يبلغ متوسط نمو الناتج المحلى الإجمالى السنوى لليابان 0.5% فقط خلال الأربعة أعوام المقبلة، مقارنة بـ 2% فى الولايات المتحدة.
اليابان قد تتدخل حال تراجع عملتها إلى 155 ينًا مقابل الدولار
وهذه وتيرة نمو جيدة وسط نقص العمالة، حيث كان النمو الاقتصادى لكل عامل صحيا منذ فترة طويلة، ويتمثل العامل الأخير فى المديونية العامة المستمرة فى اليابان، إذ تبلغ نسبة الدين إلى الناتج المحلى الإجمالى 255% من حيث القيمة الإجمالية، أو 159% بعد استقطاع الأصول المالية للحكومة، وكلا المقياسين يعد الأعلى فى العالم الغنى، وحتى مع انخفاض أسعار الفائدة، يُنفق ما يقرب من 9% من ميزانية الحكومة على فوائد الديون.
جدير بالذكر أن اليابان ليس بإمكانها تحمل أى تشديد نقدى حاد مثل ذلك الذى حدث فى أمريكا، حيث تراوحت أسعار الفائدة بين 5.25% و5.5%.
وقبل وصول الأمور إلى مثل هذه المستويات فى اليابان، سيتعين على الحكومة خفض عجزها، الذى بلغ 5.6% من الناتج المحلى الإجمالى خلال عام 2023، كما سيتباطأ الاقتصاد نتيجة لتضييق الخناق على الإنفاق، وليس بسبب رفع أسعار الفائدة.
وفيما يتعلق بالسياسة النقدية، كما هى الحال مع النمو، لم يتبقى سوى مسار واحد يمكن لليابان التوقف خلاله عن كونها حالة استثنائية، ألا وهو أن يحذو بقية دول العالم حذوها.