البطالة والعجز والهجرة تضاعف آلام الولاية الأمريكية
تعتبر ولاية كاليفورنيا موطنا للعديد من السياسات الأمريكية الأكثر تقدمية، بداية من العدالة الجنائية وصولاً إلى انبعاثات المركبات، فهي تلعب دورًا فريدًا باعتبارها مركزًا للسياسيين اليمنيين.
كل فترة يصبح من المألوف إعلان أنها ولاية فاشلة، أو أن حلم كاليفورنيا يتحول إلى كابوس، وكثيراً ما يكون هذا الخطاب مبالغاً فيه، فكاليفورنيا تظل الولاية الأقوى من حيث الثقل الاقتصادي الخالص.
لكن رغم براعتها المستمرة في مجال الابتكار (خاصة في مجال الذكاء الاصطناعي)، يبدو أن كاليفورنيا تدخل مجددًا واحدة من فتراتها الصعبة المتكررة، حسب ما نقلته مجلة “ذا إيكونوميست” البريطانية.
وتواجه الولاية ثلاثة تحديات متداخلة، وهي ارتفاع معدلات البطالة، وتزايد الضغوط المالية، وهجرة السكان للخارج.
ولابد أن تتلاشى كل هذه التحديات بمرور الوقت، فهي تُظهر الولاية ككيان ضعيف نسبياً حاليًا في الاقتصاد الأمريكي القوي بشكل عام.
عندما رفع بنك الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة خلال 2022 لكبح التضخم، أعرب العديد من المحللين والمستثمرين عن قلقهم من أن هذا التشديد النقدي سيثير حالة من الركود، وبدلاً من ذلك، تمتع الاقتصاد الأوسع نطاقًا بمرونة مفاجئة.
ويظل معدل البطالة الوطني أقل من 4%، وهي نسبة تقترب من أدنى مستوياته منذ ستة عقود، لكن البطالة في كاليفورنيا ارتفعت إلى 5.3%، وهو أعلى معدل على الإطلاق بين كافة الولايات.
ظاهريًا، فإن سبب ارتفاع معدلات البطالة في كاليفورنيا ليس أمرًا سيئًا، فمع تلاشي تداعيات جائحة كورونا، يبحث مزيد من المواطنين بنشاط عن وظائف، وبالتالي فإنهم يظهرون في البيانات الرسمية كعاطلين على العمل إلى أن يجدوا عملاً، والمشكلة الأعمق هي عدم وجود وظائف تكفي لكل هؤلاء الأفراد.
فهناك حوالي 0.8 وظيفة شاغرة لكل عاطل عن العمل، وهي الأدنى في البلاد، فيما تقدر النسبة الإجمالية في الولايات الأمريكية الـ49 الأخرى بـ1.6 وظيفة شاغرة لكل عاطل .
وعلى موقع التوظيف “إنديد”، تعتبر كاليفورنيا واحدة من الولايات القليلة التي عانت من انخفاض في إعلانات الوظائف الشاغرة منذ تفشي الجائحة، كما أن شركات التكنولوجيا، التي كانت وظفت كثيرين خلال الفترة الطويلة من أسعار الفائدة المنخفضة، تعمل الآن على تقليص نفقاتها، وانتقلت سياسة خفض النفقات في وادي السيليكون إلى أجزاء أخرى من اقتصاد كاليفورنيا، إذ بدأت الشركات العاملة في مجال النقل والمالية والتصنيع في تسريح العمالة.
والعام الماضي، انخفض تحصيل ضرائب الدخل في كاليفورنيا بنسبة 25%، على غرار الانخفاضات المسجلة خلال الأزمة المالية العالمية وأزمة فقاعة “الدوت كوم” في عقد 2000.
واستمر الضعف، فقد توقع جافين نيوسوم، حاكم ولاية كاليفورنيا، أن يصل العجز في ميزانية الولاية للعام المالي الجديد، الذي يبدأ في الأول من يوليو، إلى 38 مليار دولار.
لكن مكتب المحلل التشريعي (لاو) يتوقع بلوغه 73 مليار دولار، في حين أن دستور كاليفورنيا يتطلب ميزانية متوازنة وبالتالي يجب أن تجد الولاية طريقة لسد ثغرتها المالية.
أنشأت الولاية صندوقًا للأيام العصيبة خلال العقد الماضي، لكن ميزانية نيوسوم المقترحة ستسحب نصفه تقريبا، وشملت الحلول الأخرى تأجيل التمويل الموعود للجامعات والمشردين وذوي الإعاقة، لكن هذا لن يؤدي إلا لتفاقم العجز في المستقبل القريب، وبالنسبة لهجرة سكان كاليفورنيا، وهو مصدر القلق الثالث، فهذ أمر ليس جديدا.
فمنذ أوائل التسعينيات، تفوق عدد سكان كاليفورنيا الذين يهاجرون للخارج على عدد الأمريكيين الآخرين الذين ينتقلون إليها، لكن تأثير هذه الهجرة الخارجية أصبح أكثر خطورة، ففي الماضي، كان المهاجرون من الخارج يعوضون التدفقات المحلية للخارج، مما أدى إلى استمرار نمو سكان كاليفورنيا، لكن تباطؤ عدد الوافدين الدوليين خلال الجائحة غير تلك الديناميكية.
فقد سجلت الولاية انخفاضًا واضحًا في عدد سكانها لثلاثة أعوام متتالية، وهو أول انخفاض مستمر منذ 1850، وهو العام الذي أصبحت فيه كاليفورنيا ولاية.
من الناحية المالية، تفاقم الضرر بسبب ثروة المهاجرين، إذ فقدت كاليفورنيا عددًا متزايدًا بشكل مطرد من السكان ذوي الدخل المرتفع، مع تسارع الاتجاه في ذروة الجائحة.
وفي 2021، خسرت كاليفورنيا نحو 30 مليار دولار من صافي دخل دافعي الضرائب لصالح ولايات أخرى، وهو ما يقدر بحوالي 2% من قاعدتها الضريبية.
ونظراً لاعتمادها على الضرائب وعلى مكاسب رأس المال باعتبارها مصدراً كبيراً للإيرادات، وإن كان متقلباً، فإن رحيل الأثرياء قد يلحق الضرر بوضعها المالي في المستقبل.
فهذه التدفقات الخارجة مجتمعة تحد من مرونة الولاية في إصلاح الفوضى في ميزانيتها، وربما يكون رفع الضرائب أحد الحلول الممكنة، لكن فعل ذلك قد يدفع مزيدا من سكان كاليفورنيا الأثرياء للمغادرة.
يذكر أن العبء الضريبي الإجمالي على سكان كاليفورنيا يعد خامس أعلى العبء في البلاد في الوقت الراهن، وفقًا لـ”ذا تاكس فاونديشن”، وهي مؤسسة فكرية.