من المتوقع أن ترسخ العقوبات الأمريكية والبريطانية على المعادن الروسية مكانة الصين باعتبارها الملاذ الأخير لشراء السلع الأساسية من روسيا، فيما يعزز ذلك من دور شنغهاي كمركز لتحديد أسعار المعادن بالغة الأهمية للاقتصاد العالمي.
من المرجح أن يؤدي الحظر الذي فرضته بورصة لندن للمعادن على معادن الألمنيوم والنحاس والنيكل روسية المنشأ المنتجة حديثاً إلى زيادة أكبر في الواردات الصينية، كما سيجعل بورصة شنغهاي للعقود الآجلة بورصة السلع الكبرى الوحيدة في العالم التي تقبل شحنات المعادن الثلاثة من روسيا.
يرى وانغ رونغ، المحلل الأول في شركة الوساطة “غوتاي جونان فيوتشرز” (Guotai Junan Futures)، ومقرها في شنغهاي أن إمدادات المعادن الروسية في السوقين الأوروبية والأميركية قد تقل بصورة أكبر، كما ستتغير أيضاً معالم تدفقات التجارة العالمية”.
الصين تقبل على الواردات الروسية
كان للعقوبات على روسيا في أسواق الطاقة عقب غزو أوكرانيا تأثيراً كبيراً على توجهات الشراء الصينية، حيث تجاوزت روسيا السعودية لتصبح أكبر مورد للنفط إلى الصين العام الماضي، وتحتل أيضاً المرتبة الثانية في واردات الفحم، ويُرجح أن تصبح أكبر مورد للغاز الطبيعي إلى بكين العام الجاري.
بلغت واردات الصين من الألمنيوم الروسي مستويات قياسية، حتى دون العقوبات الرسمية. وحققت عملاقة الألمنيوم الروسية “يونايتد كو روسال إنترناشوينال” 23% من إيراداتها من الصين العام الماضي، مقابل 8% في 2022. كما استحوذت “روسال” أيضاً على حصة 30% من شركة ألومينا صينية لسد فجوة الإمدادات للمعدن الأساسي في ظل الاضطرابات التي خلفتها الحرب في أوكرانيا.
كتبت شركة “غوتاي جونان” في مذكرة أن العقوبات الجديدة ستوجّه مزيداً من صادرات المعدن الروسي إلى دول بعيدة عن سلطة الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، لا سيما الصين. كذلك، فإن فائض الإمدادات سيحفز تصدير المعادن المصنوعة في الصين، حيث تتراكم مخزونات المواد الخام على أراضيها. وتعد الصين أكبر دولة منتجة للنحاس المُنقى والألمنيوم، كما أنها طرف رئيسي في إنتاج النيكل عبر استثمارات في إندونيسيا.
محاولات استبدال الدولار باليوان
استفاد المستوردون الصينيون من التحالف الاستراتيجي بين بكين وموسكو للحصول على تخفيضات في أسعار المواد الخام الأساسية، كما أنها تسدد قيمتها باليوان تحاشياً لاستخدام الدولار، وهو العملة التي عادةً ما تستخدم في سداد قيمة الصفقات التجارية.
ساعد ذلك أكبر دولة مشترية للسلع الأولية في العالم على تدارك الأثر التضخمي الناجم عن الحرب في أوكرانيا، إلى جانب تعزيز رغبة بكين في إزاحة العملة الخضراء من مكانتها باعتبارها العملة الاحتياطية العالمية.
غير أن توافر الشحنات الروسية في وقت يعاني فيه اقتصاد الصين تباطؤاً كبيراً يواجه صعوبات؛ حيث عانى تجار المعادن الصينيون العام الماضي من ضعف الطلب، وما تزال بوادر التعافي في أسواق سلع مثل النحاس حديثة نسبياً.
اتسع فارق أسعار المعادن بين بورصتي لندن وشنغهاي في بداية التداول اليوم الإثنين، في ظل احتمال زيادة الإمدادات الروسية المتجهة إلى الصين. وبينما ارتفع سعر الألمنيوم في بورصة لندن للمعادن بنحو 9.4%، كان رد الفعل طفيفاً في بورصة شنغهاي، حيث كان أقصى ارتفاع للسعر عند 2.9% مقارنة بسعر الإغلاق يوم الجمعة
التحكم في أسعار السلع العالمية
قد يرجع التباين لأسباب من ضمنها إغلاق التجار مراكز البيع، أي التخلي عن توقعات انخفاض الأسعار في بورصة لندن من جهة، وإغلاق مراكز الشراء، أي التخلي عن رهانات ارتفاع الأسعار في بورصة شنغهاي، من جهة أخرى، بغية تجنب الخسائر الناجمة عما يطلق عليها “المراجحة العكسية”، بحسب هاري جيانغ، مدير التداول بشركة “يونغ غانغ ريسورسز” (Yonggang Resources).
عوضاً عن ذلك، سيعيق الارتفاع المتباين في السعر واردات الصين من الألمنيوم المسعرة بالدولار. وقد يزيد ذلك من جاذبية المعدن روسي المنشأ في حال تسعيره باليوان وطرحه بسعر مخفض.
طالما سعت الصين إلى زيادة نفوذها في تحديد أسعار السلع العالمية نظراً لاعتمادها الكبير على الواردات. إلا أن استفادة بورصة شنغهاي من ذلك تحيط بها تعقيدات نجمت عن العقوبات الجديدة التي ستسمح باستمرار تسليم المعدن الروسي المنتج قديماً إلى بورصة لندن، التي تعد معياراً عالمياً، وكذلك بورصة شيكاغو التجارية، التي تعد البورصة الرئيسية للمعادن في الولايات المتحدة.