التضخم الأساسي ينخفض إلى 2.7%.. والبطالة تتوقف عند 6.1%
ثمة مشكلة واحدة فقط في الحديث حول “الهبوط السلس” في أوروبا، ألا وهي أن اقتصادها لم يحلق حقًا قط.
فبينما شهدت أمريكا نموًا مذهلاً باستمرار، كان النمو في أوروبا بائسًا، وباستثناء أيرلندا، حيث تُشوه الإحصاءات الوطنية من قبل الشركات متعددة الجنسيات لتقليل فواتير الضرائب، فإن الناتج المحلي الإجمالي للاتحاد الأوروبي ارتفع بنسبة 3% منذ 2019، مقارنة بزيادة 9% في أمريكا، ومع ذلك، لا شك أن التوقعات الاقتصادية لأوروبا تتحسن.
فقد أظهرت البيانات المنشورة يوم 15 مايو أن منطقة اليورو نمت بنسبة 0.3% في الربع الأول من العام الحالي مقارنة بالربع السابق.
ورغم الارتفاع المتواضع، كان هذا أول نمو كبير خلال 6 أرباع متتالية، وكان كافيًا لخروج الكتلة من حالة الركود، وفي اليوم نفسه، حدثت المفوضية الأوروبية توقعاتها لنمو الاتحاد الأوروبي لعام 2024.
وهتف باولو جنتيلوني، مسؤول المفوضية: “نعتقد أننا تجاوزنا نقطة التحول”.
وجرت السيطرة على معدلات التضخم أيضاً، فقد أظهرت بيانات منشورة بتاريخ 17 مايو أن المعدل السنوي لنمو الأسعار في منطقة اليورو ظل ثابتًا عند 2.4% في أبريل، أي أعلى قليلاً فقط من هدف البنك المركزي الأوروبي البالغ 2%.
وانخفض التضخم الأساسي، الذي يستثني أسعار المواد الغذائية والطاقة المتقلبة، من 2.9% إلى 2.7%، وهذا يعني أن تراجع التضخم كان مدفوعًا بما هو أكثر من مجرد انهيار أسعار الغاز، التي انخفضت إلى نحو ربع المستوى الذي بلغته في 2022، حسب ما نقلته مجلة “ذا إيكونوميست” البريطانية.
ومن المشجع أن هذا الأمر حُقق دون زيادة معدلات البطالة، فقد بلغ معدل البطالة في الاتحاد الأوروبي 6.1% في الربع الأول من العام الحالي، وهو أعلى بقليل من أدنى مستوى له منذ مطلع الألفية.
ونما الجنوب الأوروبي، الذي كان متخلفًا تقليديًا، بوتيرة أسرع من الشمال، حيث تفوقت إيطاليا على كل من فرنسا وألمانيا، ويرجع ذلك جزئيًا إلى صندوق التعافي التابع للاتحاد الأوروبي، والذي أطلق خلال ذروة الجائحة لكنه لا يزال يضخ الأموال.
كما أن جنوب أوروبا “يعمل بشكل أفضل عندما يكون التضخم أعلى قليلاً”، كما يشير كلاوس فيستيسن، من شركة “بانثيون مايكروإيكونوميكس” الاستشارية، لأن ارتفاع الأسعار يجعل الديون الثقيلة أكثر قابلية للإدارة.
وفي الوقت نفسه، عانى شمال أوروبا أكثر من ارتفاع أسعار الغاز بعد الحرب الروسية على أوكرانيا.
وبعد أن أصبح التضخم أقل مشكلة، أصبح بوسع السياسة النقدية الآن دعم تعافي أوروبا، فقد قامت حفنة من البنوك المركزية في القارة بالفعل بخفض أسعار الفائدة.
أما المجر، التي بدأت رفع أسعار الفائدة قبل معظم البلدان، فقد خفضتها الآن سبع مرات.
وفي جمهورية التشيك انخفضت أسعار الفائدة إلى 5.25% من 7% في ديسمبر.
كما خفض البنك المركزي السويدي أسعار الفائدة للمرة الأولى في 8 مايو.
وتتوقع الأسواق أن يخفض البنك المركزي الأوروبي سعر الفائدة ثلاث مرات هذا العام، بدءًا من 5 يونيو.
وعلى النقيض من ذلك، فإنهم يتوقعون أن يخفض بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي أسعار الفائدة مرة واحدة فقط.
تستفيد الشركات من هذا التباين عبر الأطلسي، فقد ارتفعت مبيعات سندات “يانكي العكسية”، وهو الدين المقوم باليورو الذي تصدره الشركات الأمريكية.
ووفقًا لبنك أوف أمريكا، إذا استمر الاتجاه خلال الأشهر الأربعة الأولى من 2024 لبقية العام، فإن مبيعات مثل هذه الديون يمكن أن تتجاوز حاجز الـ88 مليار دولار التي شهدناها في 2019، عندما كانت أسعار الفائدة السلبية في أوروبا تتناقض بشكل حاد مع ذروة ما بعد الأزمة المالية البالغة 2.5% في أمريكا.
العديد من تلك السندات، التي أصدرت بآجال سداد مدتها خمسة أعوام، تحتاج الآن أيضًا إلى إعادة التمويل، علمًا بأن الدين يُستخدم في الغالب لتمويل العمليات الأوروبية للشركات الأمريكية، وتتطلب الانطلاقة الاقتصادية الحقيقية إنتاجية أعلى واستثمارًا حقيقيًا.
وكان الجزء الأكبر من التعافي الاقتصادي حتى الآن راجعاً إلى الطلب المحلي، فالأوروبيون يشغلون الوظائف، كما أدى انخفاض أسعار الطاقة إلى زيادة قدرتهم الشرائية.
وفي الوقت نفسه، انخفضت الإنتاجية، مقاسة بالناتج المحلي الإجمالي لكل عامل، منذ 2022، وإذا لم تبدأ في الارتفاع، فمن المرجح أن تتخلف أوروبا عن أمريكا.
وفي الواقع، يتوقع صندوق النقد الدولي أن ينخفض نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي الأوروبي من 68% مقارنة بنظيره في أمريكا في 2019 إلى 66% بحلول 2029، وخرجت القارة من قتامة دامت خلال الأعوام القليلة الماضية، لتواجه الآن الجزء الصعب.
