أدى الصراع الاقتصادى المستمر بين الولايات المتحدة والصين من أجل السيطرة على موقع ريادى فى مجال التكنولوجيا إلى تدفق كبير لرأس المال إلى أسواق الشرائح الإلكترونية فى الولايات المتحدة؛ وهو القطاع الذى تتحكم فيه TSMC فى تايوان والتى تنتج ما يزيد عن 90% من معالجات العالم.
لقد تحدثت بالتفصيل عن تمرير الولايات المتحدة لقانون الرقائق CHIPS والذى يهدف إلى توفير دعم كبير لقطاع الشرائح الإلكترونية فى الولايات المتحدة، مما يشير بوضوح أنه صُمّم لاستعادة مكانتها كقوة صناعية فى هذا الابتكار البالغ الأهمية.
وقد أظهرت الأحداث الأخيرة أن وضع الولايات المتحدة لجميع استثمارها فى مجال واحد عاد بنتائج كارثيًة، خاصةً عندما تعطلت سلاسل التوريد بشكل شديد، مما كشف عن ضعف الولايات المتحدة فى تكنولوجيا حيوية لا غنى عنها فى العديد من القطاعات والابتكارات الحديثة.
لقد أصبحت شركات مثل Intel وTSMC المستفيد الأكبر من الإعانات السخية بموجب قانون الرقائق والعلوم لإنتاج أشباه الموصلات البرية فى الولايات المتحدة، وهو مؤشر واضح على نية الولايات المتحدة فى استعادة مكانتها كقوة تصنيعية مع التزام بقيمة 300 مليار دولار على مدى العامين الماضيين، وهذا يعد شاهداً على تنشيط الولايات المتحدة كمركز عالمى للتصنيع.
أعلنت TSMC عن خطط لإقامة منشأة ثالثة فى ولاية أريزونا مما يزيد استثماراتها فى الولاية إلى 65 مليار دولار، ورغم أنها محاولات حسنة النية للتخفيف من المخاطر الكبيرة، إلا أن قطاع الخدمات هو الذى يحمل مفتاح خلق فرص العمل المستدامة و المرونة الاقتصادية، حيث إن الحاجة ملحة لمزيد من العقول على أرض الواقع.
وجهة نظرى لا تقوم على الملاحظة فقط، بل على أساس مسيرة مهنية قيادية شملت أدوارا حاسمة، فخلال فترة ولايتى كرئيس لتحالف الأمم المتحدة العالمى لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات والتنمية، بالإضافة إلى الأدوار القيادية العالمية التى توليتها فى مبادرة الأمم المتحدة العالمية وفريق العمل التابع للأمم المتحدة للموارد البشرية وبناء القدرات، كونت تصورا فريدًا لتقييم التفاعل بين التكنولوجيا والتوظيف.
ولقد أدى ظهور الأتمتة والتقدم التكنولوجى المتحيز للمهارات إلى تغيير المشهد الصناعى بشكل كبير، مما قلل من قدرة هذا القطاع على العمل كمحرك للتوظيف كما كان فى السابق، وهو ما يؤكد شكوكى حول قدرة قطاع التصنيع على استيعاب العمالة كالسابق.
الحقيقة هى أن اعتماد قطاع التصنيع على الأتمتة والعمليات التكنولوجية المتقدمة يعنى أن الوظائف التى يخلقها أقل بكثير وتتطلب مهارات أعلى من وظائف التصنيع فى الماضى، ويتطلب هذا التحول إعادة تقييم الإمكانات الوظيفية للتصنيع ويثير تساؤلات حول مدى جدوى الاعتماد عليه لخلق وظائف بمقياس كبير.
وبالنظر إلى العالم العربى، يصبح واضحًا أن الصناعة الخدمية القوية هى أمر أساسى لبناء اقتصادات مستدامة، ويُعَد القطاع الخدمى، بفرصه المتنوعة التى تتراوح بين الرعاية الصحية والتمويل والتعليم، أكثر ملاءمة لاستيعاب القوى العاملة المتزايدة فى المنطقة.. إن مستقبل الوظائف يكمن فى مجال الخدمات عالية الجودة.
بينما نتنقل فى هذا التحول، من الضرورى تعزيز بيئة تسهم فى نمو صناعة الخدمات، ويشمل ذلك الاستثمار فى برامج التعليم والتدريب التى تزود القوى العاملة بالمهارات اللازمة للنجاح فى اقتصاد يعتمد على الخدمات.
وعلاوة على ذلك، من الضرورى إنشاء إطار تنظيمى يدعم تنمية المشاريع الصغيرة والمتوسطة الحجم، التى غالبا ما تكون العمود الفقرى لقطاع الخدمات.
وفى حين أن نهضة التصنيع فى الولايات المتحدة جديرة بالثناء، إلا أنها ليست الحل الأمثل لتحديات التوظيف فى الوقت الحالى، إذ تسعى الولايات المتحدة جاهدة لبناء اقتصاد مستدام، وينبغى عليها التركيز على بناء صناعة خدمات متينة لتطوير مستقبل يتسم بالنمو الاقتصادى المستدام وتوفير فرص عمل هادفة، ويجب أن يتم ذلك بسرعة وحسم، إذ إن الصين، المنافس القوى، تحقق تقدماً سريعاً فى جميع المجالات وتحتل مكانة متقدمة.