قروض صندوق الادخار للإسكان تمثل 15- 20% فقط من إجمالي سوق الرهن العقاري
آثارت الحزمة الجديدة من التدابير التي أعلنت عنها بكين في 17 مايو ردود فعل إيجابية ملحوظة وأدت إلى ارتفاع أسهم الشركات المرتبطة بالعقارات بشكل كبير، مقارنة بمحاولات سابقة لدعم السوق العقارية الصينية.
تضمنت الحزمة ثلاث تدابير يُطلق عليها “الأسهم الثلاثة”، والتي أثارت حماس السوق.
أولاً، خفضت السلطات الدفعة الأولى المطلوبة لشراء المنزل الأول من 20% من السعر إلى 15%، كما خفضت المستوى المطلوب لشراء المنزل الثاني إلى 25% بدلاً من 30%.
ثانياً، خُفض سعر الفائدة على القروض الممنوحة من خلال خطة الادخار الوطنية للإسكان بمقدار ربع نقطة مئوية، بينما ألغي الحد الأدنى لسعر الفائدة على الرهون العقارية لدى البنوك التجارية.
ثالثاً، والأهم، أنشأ البنك المركزي صندوقاً بقيمة 300 مليار يوان (41.4 مليار دولار) لدعم شراء المخزون العقاري من قبل الحكومات المحلية والشركات المملوكة للدولة لتحويله إلى إسكان عام، كما شُجعت البنوك التجارية على تقديم 500 مليار يوان إضافية لهذه المبادرة.
تُظهر الأسهم الثلاثة تحولاً في نهج السلطات نحو معالجة تحديات سوق العقارات في الصين، فقد اعترفت أخيراً بأن السوق العقارية الراكدة في البلاد تحتاج إلى تحول شامل بدلاً من تعديلات طفيفة، حسب ما أوضحته مجلة “نيكاي آسيان ريفيو” اليابانية.
ومع ذلك، ورغم كونها خطوة للأمام، من المحتمل أن تكون هذه الاستراتيجية غير كافية لتحقيق نقطة تحول نهائية لسوق الإسكان في الصين.
أولاً، يرجع ذلك إلى أن حجم تدابير تخفيف السياسة محدود نسبياً.
ورغم أن نسب الدفعات الأولى لشراء المنزل الأول والثاني وصلت الآن إلى أدنى مستوياتها تاريخياً، إلا أن التخفيض هذه المرة كان صغيراً، ولم يتضح بعد ما إذا كان مثل هذا التعديل الطفيف سيجذب المشترين للعودة إلى السوق.
وفيما يتعلق بخفض أسعار الفائدة، تمثل قروض صندوق الادخار للإسكان ما بين 15% إلى 20% فقط من إجمالي سوق الرهن العقاري.
وتظل معظم الرهون العقارية التي تقدمها البنوك التجارية مرتبطة بشكل مباشر بسعر الفائدة الرئيسي على قروض بنك الشعب الصيني، والذي ظل دون تغيير منذ فبراير.
ويبدو أن البنك المركزي حذر بشأن تعديل هذا المعدل، لتجنب مخاطر توسيع فروق الفائدة مع الولايات المتحدة وتحفيز هروب رؤوس الأموال.
وعلى هذا النحو، فإن التدابير الجديدة لن تؤدي إلى خفض تكاليف تمويل الإسكان بشكل كبير، مما يعني أن التحفيز الناتج على الطلب سيكون محدوداً أيضاً.
وبالمثل، فإن الصندوق الذي أنشأه البنك المركزي لمعالجة المخزون المفرط من المنازل ليس كبيراً بما يكفي لشراء أكثر من جزء ضئيل من المعروض الزائد في السوق العقارية، ويقدر المحللون أن المخزون الحالي يعادل على الأقل 7 تريليونات يوان من قيمة المنازل.
ثانياً، من المحتمل أن يكون استيعاب المخزون معقداً بسبب تجزئة سوق الإسكان في الصين، وهناك تمييز واضح بين أسواق الإسكان في أكبر المدن في البلاد، بما فيها بكين وشنغهاي وشنتشن وقوانغتشو، والأسواق الأصغر.
وفي المدن الكبيرة، تتمثل المشكلة الأساسية في القدرة على تحمل تكاليف الإسكان وانخفاض المخزون نسبياً، وبالتالي، ربما تكون البنوك التجارية أكثر ميلاً إلى المشاركة في شراء الشقق في هذه المدن حيث ستكون مخاطر هبوط الأسعار محدودة.
ومن المرجح أن تكون البنوك أكثر تردداً بشأن شراء المنازل في المدن الأصغر إلا إذا قدمت خصومات كبيرة لتوازن مخاطر التقييم.
ومع ذلك، سيتردد المطورون في خفض الأسعار المطلوبة بشكل كبير.
بطرق عديدة، يتشابه انفجار فقاعة الإسكان في الصين مع ما شهدته اليابان في أوائل التسعينيات.
لمنع سوق العقارات الراكد بشكل مستمر في الصين من خلق عواقب وخيمة على الاقتصاد بأكمله وإحداث ركود طويل الأمد، تحتاج السلطات إلى فهم أنها يجب أن تكون مستعدة لتولي دور المشتري الأخير لتسريع استيعاب فائض المخزون العقاري واستعادة التوازن في سوق العقارات عند الضرورة.
هذا يعني أن حجم الصندوق المخصص لاستيعاب مخزون العقارات يجب أن يكون أكبر بكثير بحيث تستطيع السلطات شراء جزء كبير من المخزون الفائض وتحويله إلى إسكان عام، وربما يعني هذا مضاعفة حجم الصندوق الجديد بمقدار أربع أو خمس مرات.
وبطبيعة الحال، لا تحتاج السلطات إلى إنفاق هذه الأموال دفعة واحدة، بل يمكنها فقط الإعلان عن خطة طموحة أولاً ثم المضي قدماً بناءً على الظروف السائدة، وهذا سيكون أكثر فعالية بكثير من الانتظار للإعلان عن توسيع الصندوق حتى تتفاقم ظروف السوق سوءًا.
بالإضافة إلى تسريع وتيرة تقليص المخزون العقاري، ينبغي على السلطات تكثيف جهودها في جوانب أخرى أيضاً.
وعلى وجه الخصوص، ينبغي عليهم إجراء اختبارات ضغط شاملة لكبار المطورين لتحديد أولئك الذين يواجهون مشكلات سيولة وأولئك الذين على وشك الإفلاس.
يجب مشاركة النتائج الموثوقة مع البنوك لتمكينها من اتخاذ قرارات مستنيرة بشأن الدعم المستمر للمطورين.
أما بالنسبة لأولئك الذين يعتبرون معسرين بناءً على اختبارات الضغط، يجب على السلطات الشروع بسرعة في عملية التصفية وتولي السيطرة على المشاريع غير المكتملة.
تشير الأدلة غير الرسمية إلى أنه في نهاية عام 2023، كان هناك حوالي 9 ملايين منزل مباع مقدماً في خطر عالي لعدم تسليمها إلى المشترين، وقد خلقت هذه المشكلة حالة من انعدام اليقين الكبير لدى المشترين ولأولئك الذين يفكرون في الشراء.
من خلال تولي المشاريع غير المكتملة وتخصيص الموارد المالية اللازمة لضمان تسليمها إلى المشترين، يمكن للسلطات أن تقلل بشكل فعال من حالة انعدام اليقين وتقليل الصدمة الاقتصادية الناتجة عن الخسائر غير المحققة التي يتكبدها مشتري المنازل، بالإضافة إلى ذلك، ينبغي رفع القيود المتبقية على شراء المنازل في أكبر مدن البلاد على الفور لتعزيز معنويات السوق.
وتعتبر أسعار المنازل في هذه المدن مؤشراً للسوق الوطنية واتجاهها الهابط المستمر يثقل كاهل البلاد بأكملها.
بشكل عام، إذا كانت السلطات تهدف إلى تحقيق تحول كبير في سوق العقارات، فإنها تحتاج إلى الإنفاق بشكل أعمق على تدابير أقوى، وحتى بعد الهجوم الأخير، من غير المرجح أن تكون الخطوات المتخذة حتى الآن قوية بما يكفي لعكس المسار التنازلي لسوق العقارات في الصين بشكل فعال.