بينما تستعد روسيا لخوض حرب طويلة الأمد، فإن أوامر الدولة بتسليح وتغذية وتلبية احتياجات الجيش تضخ مبالغ ضخمة في الاقتصاد.
وهذا أدى هذا إلى ازدهار اقتصادي وسط توقع الكثيرون بأن تؤدي العقوبات الغربية لإحداث ضربة مؤلمة، لكن أصبح من المتوقع الآن أن ينمو الاقتصاد الروسي بنسبة 3% هذا العام، وهو أعلى بكثير من الولايات المتحدة ومعظم الدول الأوروبية.
يتجلى التأثير بوضوح في المناطق الصناعية المتدهورة مثل تشوفاشيا بوسط روسيا، التي يسكنها 1.2 مليون نسمة، حيث أعيد تشغيل المصانع السوفييتية التي باتت تعمل على مدار الساعة لتلبية احتياجات الحرب، وفق ما نقلته صحيفة “فاينانشيال تايمز” البريطانية.
أوضحت العالمة السياسية إيكاترينا كوربانجاليفا أن “بعض المناطق الأكثر تدهورًا بدأت فجأة في النمو، وهذا ينطبق على مناطق التصنيع، والمناطق التي توجد فيها الكثير من الصناعات الدفاعية والصناعات المرتبطة بها”، مضيفة أن “المناطق الأكثر تدهورًا وفئات الدخل المنخفض هم الفائزون، فهذه هي الفئات التي تحصل على المال”.
يقول المحللون إن فهم تجربة مثل تلك المناطق أمر حاسم للتنبؤ بقدرة روسيا على المدى الطويل على الاستمرار في حرب الاستنزاف ضد أوكرانيا، من الناحيتين الاقتصادية والسياسية.
كذلك، تقول لورا سولانكو، من معهد اقتصادات الانتقال ببنك فنلندا، التي درست تأثير الحرب على دخل الأسر، إن “لحظة التحول الواضحة ظهرت عندما أدرك النظام أن هذه لن تكون حربًا قصيرة”.
بدأت المصانع في جميع أنحاء روسيا في تحويل الإنتاج إلى الاحتياجات العسكرية، ففي تشوفاشيا مثلاً، كانت سبعة مصانع تلبي احتياجات القوات المسلحة قبل الحرب، لكن هذا العدد ارتفع إلى 36 بحلول أكتوبر 2022.
وبحلول نهاية 2023، ارتفع الإنتاج الصناعي في حوالي 60% من المناطق الروسية.
وأظهرت البيانات المحلية أن منطقة تشوفاشيا سجلت ثاني أعلى معدل، إذ أنتجت مصانعها 27% أكثر من العام السابق.
وفي جميع أنحاء روسيا، سارع قطاع الدفاع لتوظيف العمال في سوق عمل ضيقة بالفعل، فقد انخفض معدل البطالة في تشوفاشيا إلى 2.2% بحلول أغسطس الماضي.
هذا الوضع دفع الشركات لرفع الأجور للحفاظ على الموظفين، فقد زاد أجر العامل الشاب “على الأقل إلى ضعف ما كان عليه”، بينما قال خمسة آخرون إن رواتبهم ارتفعت أيضًا.
ورغم أن غالبية الناس في منطقة تشوفاشيا يعملون في القطاع العام، حيث ظلت الأجور كما هي، فقد وصل متوسط الأجر الشهري في المنطقة إلى مستوى قياسيًا قدره 68,657 روبل في ديسمبر الماضي، وهو ما يقرب من ضعف مستوى ما قبل الحرب، وفقًا للبيانات الرسمية.
تعليقًا على الأمر، قالت ناتاليا زوباريفيتش، الخبيرة الاقتصادية والخبيرة في المناطق الروسية، إنه لتلبية الطلب، يعود البعض إلى وظائفهم التي تركوها في التسعينيات، عندما انهار الاتحاد السوفييتي، “إنهم في الستينيات من عمرهم لكنهم يعودون لأن الأمر مربح حقًا”.
وأوضح عامل في الخمسينيات من عمره أن العمال الأكبر سنًا مطلوبون بسبب مهاراتهم، مشيرًا إلى أنه “لم يتدرب أحد على أن يكون عامل خرط منذ أعوام… أسس الاتحاد السوفيتي ضاعت، لذا فإن معظم هؤلاء العمال يكونون من المتقاعدين”.
كذلك، قال العامل الروسي أنطون إن المفاوضات بشأن الأجور أصبحت أسهل والإدارة أكثر حرصًا على الوصول إلى حل وسط.
ومع ذلك، فقد أثر التضخم على نمو الأجور، فقد ارتفعت الأسعار في جميع أنحاء البلاد بنسبة تزيد عن 21% منذ بداية الحرب، مع ارتفاع تكلفة الغذاء بشكل أسرع.
من المرجح أن يكون لهذا الأمر تأثير على الآراء السياسية لأعداد كبيرة من السكان الروس، مما يعزز الدعم للحرب، وفقًا لما يقوله علماء الاجتماع.
في وقت مبكر من الحرب، كان صُناع السياسات الغربيون يأملون أن يساعد تأثير العقوبات والتضخم في تحويل الرأي العام الروسي ضد الحرب، حيث تعمل الجيوب التي تفتقر للمال والثلاجات الفارغة كوزن مضاد للدعاية المؤيدة للحرب على التلفزيون الحكومي، لكن بعد أكثر من عامين، يبدو أن التلفزيون والثلاجة في انسجام.
بينما يعمل حوالي 2.5 مليون شخص في روسيا في قطاع الدفاع، يعمل الكثيرون في صناعات أخرى تعززت بسبب الحرب، مثل المنسوجات.
وتستفيد أسر حوالي مليون رجل تم إرسالهم إلى الخطوط الأمامية للحرب من رواتبهم العالية وتعويضات القتلى أو الجرحى.
وكان هذا التأثير أكثر وضوحًا في المناطق الأقل ثراءً في روسيا، حيث يكون التجنيد العسكري أعلى.
وفي واحدة من أفقر المناطق، جمهورية توفا في شرق روسيا، قُتل حوالي 160 رجلاً مقابل 100 ألف نسمة، مقارنة بأربعة لكل 100 ألف في موسكو، وفقًا للعالم السياسي إيليا ماتفييف.
جدير بالذكر أن الودائع المصرفية نمت بأسرع معدل في هذه المناطق، حيث أدت معدلات التعبئة المرتفعة إلى حصول الكثير من العائلات على تعويضات عسكرية ضخمة.