في ظل تصاعد الشكوك حول آفاق الاقتصاد الصيني، اجتذب صعود الهند اهتماماً متزايداً، إذ توقع البعض أنها قد تصبح نجم الاقتصاد الصاعد القادم في العالم النامي.
ولكن إذا كنت تعتقد أن الهند يمكن أن تصبح “الصين الجديدة”، فقد يعتمد على ما إذا كنت تتبنى منطق “شومبيتر” الحديث أو القديم.
الاقتصادي الشهير في القرن العشرين، جوزيف شومبيتر، معروف بمفهوم “التدمير الخلاق”، الذي يصف كيف تعمل الابتكارات الجديدة على تحويل الاقتصاد جزئيًا من خلال جعل التكنولوجيا القديمة غير مجدية.
لكن أفكار شومبيتر حول الديناميكية الاقتصادية والتنمية لم تكن ثابتة، ففي البداية كان يركز على دور ريادة الأعمال، لكنه لاحقًا أدرك أهمية الشركات الكبرى.
وعند تقييم آفاق الهند، قد ينظر نهج شومبيتر “القديم” إلى عدد الشركات الكبرى التي أنتجتها الهند، حيث تعتبر متأخرة كثيرًا عن الصين في هذا الصدد، فهي لا تمتلك سوى ثماني شركات ضمن قائمة “فورتشن جلوبال 500″، مقارنة بـ135 شركة في الصين.
لقد حققت الصين هذا التقدم على الهند خلال بضعة عقود فقط، ففي أوائل التسعينيات، كانت لدى الصين ثلاث شركات في قائمة “فورتشن جلوبال 500″، بينما كان لدى الهند شركة واحدة
كذلك، تقدمت الصين بشكل كبير على الهند من حيث نصيب الفرد من الدخل، حسب ما نقلته موقع “بروجكت سنديكيت”.
ففي عام 1978، قبل أن تبدأ الصين في عملية “الإصلاح والانفتاح” التي مهدت لنجاحها الاقتصادي، كان نصيب الفرد من الدخل في كل من الهند والصين يعادل حوالي 5% من مستوى الولايات المتحدة.
وبحلول أوائل عقد 2010، وصل دخل الفرد في الصين إلى نحو 20% من مستوى الولايات المتحدة، مقارنة بـ10% فقط للهند.
واليوم، يبلغ نصيب الفرد من الدخل في الصين والهند نسبة 33% و13% من مستوى الولايات المتحدة على التوالي.
يبدو أن نجاح الصين في إنشاء شركات عالمية كبرى يفسر إلى حد كبير هذا التباين.
كما أظهرت الدراسة في عام 2013، فإن الشركات الكبرى تسهم بشكل كبير في النمو الاقتصادي.
وفي المقابل، فإن زيادة عدد الشركات الصغيرة والمتوسطة يرتبط فقط بنمو أسرع، مما يشير إلى أن النمو هو الذي يغذي انتشار الشركات الصغيرة والمتوسطة، وليس العكس.
أحد الأسباب التي قد يلاحظها نهج شومبيتر “القديم” هي أن الشركات الكبرى غالبًا ما تقوم بتنفيذ الأنشطة ذات القيمة المضافة العالية، مثل البحث والتطوير والتسويق، داخل الوطن، بينما يتم تنفيذ الأنشطة ذات القيمة المضافة المنخفضة في الخارج.
ورغم أن الأنشطة ذات القيمة المضافة المنخفضة يمكن أن تعزز النمو وتسهل نقل المعرفة، يجب على الدول المتأخرة في التطور أن تحول هذا إلى شركات كبرى محلية مبتكرة إذا أرادت اقتحام قطاعات الاقتصاد العالمي ذات القيمة العالية.
قد يكون نهج شومبيتر “الحديث” أكثر إعجابًا بالهند، التي أثبتت قدرتها على إنتاج مزيد من شركات اليونيكورن، وهي شركات خاصة تزيد قيمتها السوقية عن مليار دولار، حيث تمتلك 91 شركة من هذا النوع اعتبارًا من العام الماضي.
ورغم أن الصين تتفوق على الهند أيضًا في هذا المجال بامتلاكها 368 شركة يونيكورن، إلا أن الهند ما زالت ضمن أكبر أربع دول عالميًا، خلف الولايات المتحدة (1,524) والمملكة المتحدة (153)، وأمام دول مثل ألمانيا (64) والبرازيل (30) وكوريا الجنوبية (29).
ومع ذلك، فإن الفجوة بين عدد الشركات الكبرى في قائمة “فورتشن جلوبال 500” وشركات اليونيكورن في الهند ملحوظة.
ففي الفترة من 2020 إلى 2023، بلغت هذه النسبة 0.1 فقط في الهند، مقارنة بـ0.4 في الصين، و0.5 في ألمانيا، و0.25 في البرازيل.
أما في كوريا الجنوبية، حيث يهيمن الاقتصاد بشكل ملحوظ على الشركات الكبرى، فإن النسبة مرتفعة بشكل خاص عند 0.6، مما يشير إلى أن الشركات الكبرى تسهم في صعود شركات اليونيكورن.
يحدث هذا غالبًا من خلال قنوات مختلفة، وإحدى هذه القنوات هي نقل المهارات والمعرفة اللازمة عبر التوظيف.
فعلى سبيل المثال، كان مؤسسو شركة “نافر”، وهي بمثابة “جوجل كوريا”، يعملون سابقًا لدى شركة “سامسونج”.
وهناك قناة أخرى تتمثل في الاستثمار المباشر، حيث تدعم شركة التكنولوجيا الصينية العملاقة “تينسنت” مئات الشركات الناشئة كمستثمر.
من المرجح أن يقول شومبيتر إنه إذا أرادت الهند أن تصبح قوة اقتصادية عظمى على مستوى الصين، فعليها أن تركز أكثر على إنشاء شركات كبرى.
وفي الواقع، دون وجود شركات كبرى محلية تقود النمو والاستثمار، من المرجح أن تخسر الهند شركاتها الناشئة المبتكرة لصالح استحواذات من قبل عمالقة أجانب.
ولتجنب هذا النوع من “هجرة العقول”، يجب بذل جهود لمساعدة الشركات الناشئة على النمو بسرعة داخل الهند، حتى تتمكن من أن تصبح الشركات الرائدة في المستقبل.
لقد أصبحت كوريا الجنوبية وتايوان من الاقتصادات ذات الدخل المرتفع من خلال تنمية عدد قليل من الشركات الكبرى، مثل “سامسونج” وشركة “تايوان لتصنيع أشباه الموصلات”، وليس من خلال الاعتماد على آلاف الشركات الصغيرة والمتوسطة.
وربما يستغرق إنشاء مناخ مؤسسي أو استثماري جيد لرعاية الشركات الناشئة عقودًا، لكنه يستغرق وقتًا أقل لتركيز الموارد والقدرات بين عدد قليل من الشركات حتى تنمو وتصبح شركات رائدة كبرى.








