عندما تتحرك أسعار السلع الأساسية في الاتجاه نفسه ، عادة ما يكون السبب هو الأحداث الواقعية التي تهز الأسواق.
فالصين هي أكبر مستهلك للمواد الخام في العالم، لذلك فإن قفزاتها وتراجعها الاقتصادي له تأثير كبير.
كما أن الحرب الروسية الأوكرانية أعاقت تجارة الوقود والحبوب، مما تسبب في ارتفاع الأسعار.
لكن بين الحين والآخر، تأتي الأخبار من الساحة المالية لتحرك الأسواق، وأبرز هذه الأخبار غالبًا ما يأتي من مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي.
في 23 أغسطس، صرح جيروم باول، رئيس البنك المركزي الأمريكي، بأن الوقت قد حان على الأرجح لخفض أسعار الفائدة.
ومن المتوقع أن يأتي الخفض الأول في 18 سبتمبر عندما تجتمع لجنة تحديد أسعار الفائدة، وهذا التحول سيشير إلى نهاية دورة رفع أسعار الفائدة التي كانت قرب الصفر في 2022 ووصلت إلى ما بين 5.25% و5.5% اليوم.
في الواقع تخفيض الفائدة يحد من تكلفة الفرص لامتلاك السلع الأساسية التي، على عكس الأصول الأخرى مثل السندات والعقارات، لا تقدم عائدًا.
لكن هل سيؤدي هذا العامل إلى زيادة الأسعار كما يأمل المستثمرون ويخشاه الساسة مثل كامالا هاريس؟
ذكرت مجلة “ذا إيكونوميست” البريطانية أن التاريخ يقدم بعض التوجيهات.
فمنذ عام 2000، أدار الاحتياطي الفيدرالي ثلاث دورات لخفض الفائدة: في 2001 (عندما انفجرت فقاعة الدوت كوم)، وخلال 2007 (عندما انتشرت أزمة الرهن العقاري الأمريكي عالميًا)، و2019-2020 (خلال الحروب التجارية مع الصين وجائحة كوفيد-19).
وكانت الدوافع لكل دورة مختلفة، مما يفسر تفاوت سرعة وحجم التأثير على أسواق السلع الأساسية.
الدرس الأول هو أن تخفيض الفائدة يؤثر على بعض الأسواق أكثر من غيرها، فهو يزيد من جاذبية السلع بالنسبة للمستثمرين الباحثين عن الحماية من التضخم، مثل البنوك وشركات التأمين وصناديق التقاعد.
وكان ذلك واضحًا بشكل خاص في أسعار الذهب والبترول الخام والمعادن الصناعية مثل الألومنيوم والزنك.
بينما السلع الأقل تأثرًا تشمل موادًا مثل الفحم والحبوب، حيث تخضع هذه الأسواق لعوامل محلية ويهيمن عليها المنتجون والمستهلكون الفعليون.
الدرس الثاني هو أن تأثير الاحتياطي الفيدرالي يتباين في المدة الزمنية، فخلال الدورة “الجيدة” لخفض الفائدة، يظل التضخم تحت السيطرة ويستمر النمو الاقتصادي بشكل لائق، مما يؤدي إلى استدامة الارتفاع في أسعار السلع.
أما في الدورة “السيئة”، عندما لا يتمكن البنك المركزي من تجنب الركود، فإن التأثير الإيجابي يكون مؤقتًا، باستثناء الذهب الذي يستفيد في الأوقات الصعبة.
وكان أداء البترول والمعادن، سيئًا بعد الأزمة المالية العالمية 2007-2009 وجائحة كوفيد-19، رغم توجه الفيدرالي نحو سياسة تخفيضات الفائدة.
إذن، ما المتوقع هذه المرة؟
من المؤكد أن تجار السلع يأملون في الحصول على دفعة.
ففي الأسبوع الذي تحدث فيه باول، ارتفعت المراكز الاستثمارية الصافية في جميع أسواق السلع إلى أعلى مستوى لها منذ أربعة أسابيع بقيمة 97 مليار دولار، بزيادة 13% مقارنة بالأسبوع السابق، وفقًا لبنك “جيه بي مورجان تشيس”.
وارتفعت أسعار مجموعة من المعادن الصناعية بالفعل بنسبة 4% إلى 10% قبل خطاب باول.
ومن المتوقع أن ترتفع مرة أخرى عندما يتم تنفيذ تخفيضات الفائدة فعليًا، وقد تبقى مرتفعة لفترة من الوقت، حيث تشير المؤشرات إلى أن الهبوط الاقتصادي الحالي يبدو سلسًا مع استمرار النمو بشكل معقول.
ومع ذلك، قد لا يتأثر البترول، الذي يعتبر أكثر السلع حساسية سياسيًا، بشكل كبير، حيث يريد أعضاء منظمة الدول المصدرة للبترول (أوبك) وحلفاؤها إنهاء تخفيضات الإنتاج التي حرمت العالم من 3% من الإمدادات المحتملة للبترول الخام منذ نهاية العام الماضي، علمًا بأن الالتزام بهذه التخفيضات يتراجع نظرًا للتكاليف التي تفرضها، ويزداد إنتاج البترول خارج الكارتل.
هذه الزيادة في العرض ستضغط على الأسعار، كما أن ضعف الطلب سيسهم في ذلك، حتى إذا كان الاقتصاد الأمريكي يتباطأ بشكل طفيف، فإنه يحدث في وقت تعاني فيه الصين من مشكلات متزايدة.
وعود باول
في الوقت نفسه، من المرجح أن تستفيد السلع التي يطولها تخفيض الفائدة أكثر من الدورات السابقة.
كما أن الذهب يشهد ارتفاعًا حادًا، مدعومًا بعوامل متعددة مثل التوترات الجيوسياسية والطلب من المستهلكين واهتمام البنوك المركزية بالسبائك.
ويتوقع بنك “إم يو إف جي” أن يصل سعر الذهب إلى 3,000 دولار للأونصة بحلول 2025، وهو بالفعل مستوى قياسي.
كما قد يحصل النحاس على دفعة أكبر من المعتاد، خاصة أنه أصبح معدنا أكثر جاذبية للمستثمرين بسبب دوره الحيوي في الانتقال إلى الطاقة الخضراء.
يعتقد إحسان خومان، من بنك “إم يو إف جي”، أن هذا الوضع قد يكون كافيًا لجعل السلع الأساسية تتفوق على جميع فئات الأصول الأخرى في العام الذي يلي أول خفض للفائدة من الاحتياطي الفيدرالي.
وبدلاً من تشبيه الوضع بعام 2001، يعتقد أن العالم عاد إلى عام 1995، عندما خفض الاحتياطي الفيدرالي الفائدة ثلاث مرات في منتصف الدورة لتخفيف الاقتصاد خلال عقبة صغيرة، مما أدى إلى ارتفاع كبير في أسعار السلع.