اعتمد دونالد ترامب نهجاً مبتكراً في استخدام الرسوم الجمركية كسلاح للدولة خلال ولايته الرئاسية الأولى. واليوم، يتعهد بتعزيز هذا النهج بشكل أكبر في حال عودته إلى السلطة، مشيراً إلى عزمه توسيع نطاقه لحماية الدولار الأمربكي.
المرشح الجمهوري يشير إلى أنه سيعزز ترسانة أمربكا الاقتصادية في حال فوزه على كاملا هاريس في نوفمبر المقبل. تحدث ترامب عن تقليل فائدة العقوبات، رغم أنه هو نفسه فرض الكثير منها، بعدما فشل وابل قياسي منها في وقف حرب روسيا في أوكرانيا. قال إن العقوبات يجب أن تُستخدم “بحكمة شديدة”، لكن التعريفات الجمركية “مذهلة”.
يرى ترامب أن الرسوم الجمركية ستوفر مجموعة متنوعة من المكاسب المحلية، مثل إنشاء صندوق سيادي جديد أو تعويض فقدان الإيرادات الناتجة عن تخفيضات ضريبة الدخل. لكن الاقتصاديين يشككون في ذلك، مشيرين إلى أن الحواجز التجارية ستبطئ النمو، وترفع الأسعار، وتزيد الضغط على المستهلكين. ومع ذلك، لم يمنع ذلك ترامب من التركيز على هذا الموضوع في إجابته على السؤال الأول في مناظرة الثلاثاء الماضي، حيث قال: “كانت لديّ تعريفات جمركية، ولم يكن لديكم تضخم”. لكن على الصعيد الدولي، ستكون تهديدات الرسوم الجمركية هي الأكثر تأثيراً. مع اقتراب حرب باردة جديدة وانقسام الاقتصاد العالمي، استمر الرؤساء الأمربكيون في إيجاد طرق جديدة لتعزيز النفوذ الاقتصادي والمالي لأمربكا. يقول ترامب إنه سيتراجع عن بعضها، ولكن فقط لأنه يهدف إلى استخدام أدوات جديدة وربما أكثر تسبباً في اضطرابات.
قالت هيذر كونيلي من “مارشال فند” (Marshal Fund) الألمانية بالولايات المتحدة: “نحن نخطو نحو المجهول. ليس فقط التعريفات الجمركية والعقوبات، بل استخدام السياسة الصناعية والحمائية للمساعدة في حماية اقتصادات المستقبل وتعزيز التنافسية”.
ركزت أجندة ترامب في ولايته الأولى بشكل كبير على إعادة صياغة التجارة مع الصين، وتعهد بالاستمرار من خلال رفع رسوم الاستيراد إلى 60%. لكن كانت هناك أيضاً إشارات آنذاك بأنه يرى التعريفات الجمركية كوسيلة لمعالجة مشكلات لا علاقة لها بالتجارة على الإطلاق.
على سبيل المثال، في 2019 هدد بفرض رسوم بنسبة 5% على الصادرات المكسيكية ثم زيادتها تدريجياً حتى يتوقف تدفق المهاجرين غير الشرعيين عبر الحدود. وسرعان ما توصلت الدولتان إلى اتفاق بشأن الهجرة، ولم تُفرض التعريفات أبداً. هذا هو النوع من الأدوات التي يبدو أن ترامب يتصور استخدامها بشكل أكثر تكراراً في ولاية ثانية.
اقتراح جديد دراماتيكي يستهدف الدول الأجنبية التي تسعى إلى طرق للتجارة تتجنب النظام المالي القائم على الدولار، وهي غالباً استجابة للعقوبات الأمربكية. يقول ترامب إنه سيفرض تعريفات بنسبة 100% لردع هذه الدول.
ذكر ترامب خلال تجمع يوم السبت الماضي في ويسكونسن، عندما عرض الخطة لأول مرة: “سنحافظ على الدولار الأمربكي كعملة احتياطية عالمية، وهو حالياً يواجه حصاراً كبيراً. أنتم توافقون على أننا لن نتخلى عن الدولار”.
تتضمن الفكرة بشكل أساسي استغلال الوصول إلى السوق الاستهلاكية الأمربكية المربحة لمواصلة هيمنة الدولار على الاقتصاد العالمي، بدلاً من تفاقم حالة الإنهاك جراء العقوبات التي تضعه في خطر.
جاذبية الفكرة واضحة بالنسبة إلى شخص تستهويه صناعة الصفقات مثل ترامب. من السهل نسبياً فرض ووقف التعريفات الجمركية، مما يجعلها أداة تفاوض فعالة تعتمد على الترغيب والترهيب. وتمكن الرؤساء من تعديلها دون الرجوع إلى الكونغرس، رغم أن بعض المحللين يتوقعون ظهور عقبات قانونية إذا حاول ترامب دفع هذا الأمر إلى أبعد من ذلك.
من بين السلبيات: يمكن للدول المستهدفة الرد بالمثل، وإذا كانت اقتصادات كبيرة مثل الصين، فإن ذلك سيؤذي المصدّرين الأمربكيين. علاوة على ذلك، بعض الخصوم مثل إيران لا يبيعون الكثير من البضائع في الأسواق الأمربكية على أي حال.
من ناحية أخرى، فإن العقوبات يستمر تأثيرها لفترة طويلة، وحتى عندما تُرفع، قد يكون من الصعب إقناع الشركات بأن الطريق أصبح آمناً للاستثمار في بلد كان خصماً لواشنطن. ولكن هناك مجال أقل للانتقام بالمثل، لأن العالم يعمل بالدولار، لذلك لا أحد آخر لديه هذا النوع من النفوذ المالي.
قال ديفيد لوينغر، المسؤول السابق في وزارة الخزانة الذي كان مسؤولاً عن تنسيق سياسات الولايات المتحدة والصين: “ربما هناك بدائل أكثر للسوق الاستهلاكية الأمريكية مما هو متاح للدولار كعملة يمكنك تسوية المعاملات الدولية بها”.
تزايد رد الفعل العالمي ضد العقوبات الأمريكية بعد أن أطلقت واشنطن وحلفاؤها مجموعة من العقوبات ضد روسيا، حيث جمدوا احتياطيات بنكها المركزي واستهدفوا آلاف المسؤولين والشركات.
كان الهدف هو إضعاف العمليات العسكرية للكرملين. لكن مع نمو الاقتصاد الروسي على خلفية الإنفاق العسكري، واستقرار عملته، وتقدم جيشه، وجدت إدارة بايدن تحدياً في إقناع أي شخص بأن الأداة (العقوبات) كانت فعالة.
وفي الوقت نفسه، وجزئياً كرد فعل، جعلت مجموعة بريكس للدول الناشئة الكبرى التداول بعيداً عن الدولار هدفاً صريحاً. تضم المجموعة الصين والهند بالإضافة إلى روسيا، وتضيف أعضاء باستمرار، كما تدرس السعودية، القوة الكبرى في النفط، دعوة للانضمام، وتُعد تركيا -العضو في الناتو- بين المتقدمين الجدد.
رغم أن دول بريكس لم تتخل عن الدولار، أو تجد بديلاً متماسكاً، إلا أن جهودها أثارت قلقاً بشأن وضع الدولار، وكذلك لفتت انتباه ترامب.
يواجه حله المقترح، وهو التهديد بتعريفة بنسبة 100%، انتقاداً على نطاق واسع.
قال إيسوار براساد، زميل أول في “مؤسسة بروكينغز” ومؤلف كتاب “فخ الدولار: كيف شدد الدولار الأمريكي قبضته على التمويل العالمي”: “سيكون هذا استخداماً غريباً للتعريفات الجمركية التي قد يكون لها تأثير معاكس بتشجيع الدول على تقليل استخدام الدولار وتعرضها بالتالي لتقلبات السياسات الأمريكية”.
في مذكرة للعملاء، قال المحلل الاستراتيجي في “كومرتز بنك”، أولريش لويختمن، إن هذه الخطوة “ستسبب اضطراباً هائلاً في النظام الاقتصادي العالمي”.
تسببت الرسوم التي فرضها ترامب في ولايته الأولى في بعض الاضطراب أيضاً، لكن منذ ذلك الحين تحولت الولايات المتحدة نحو تقدير من الحزبين لما يمكنها تحقيقه. احتفظ بايدن بها إلى حد كبير، مضيفاً بعضاً من تعريفاته الخاصة، ولم تعطِ هاريس أي مؤشر على أنها ستغير المسار إذا أصبحت رئيسة.
العقوبات المالية هي أيضاً أداة تتطلب توافقاً بين الجمهوريين والديمقراطيين. وارتفع استخدامها منذ بداية القرن الحالي، مما دفع إلى تساؤل من قبل الخصوم وحتى بعض الحلفاء عما إذا كان الاعتماد على الدولار يجعلهم أكثر خضوعاً لأهداف السياسة الخارجية الأميركية.
ليس ترامب وحده الذي أعرب عن قلقه من أن الولايات المتحدة تخاطر بتقويض سلاح قوي من خلال الإفراط في استخدامه.
في جلسة استماع للكونغرس في يوليو، قضت جانيت يلين أكثر من ساعتين وهي ترد على الأسئلة التي طرحها المشرعون. دعا أكثر من اثني عشر مشرعاً منهم إلى تشديد العقوبات على بعض الدول. ومع اقتراب الجلسة من نهايتها، سُئلت وزيرة الخزانة ما هو أكبر مخاوفها على الساحة المالية الدولية.
أجابت يلين: “لدينا عقوبات قوية جداً متاحة بسبب الدور المهم للدولار. وكلما استخدمنا العقوبات، كلما بحثت الدول عن طرق للانخراط في معاملات مالية تتجنب الدولار”.