يتجه تطبيق “تيك توك” نحو لحظة تحسم مصيره في الولايات المتحدة بعد أن وقّع الرئيس جو بايدن تشريعاً يحظى بتأييد الحزبين في أبريل يقضي بحظر تطبيق التواصل الاجتماعي في الولايات المتحدة ما لم تتخل الشركة الصينية المالكة عن السيطرة عليه.
ومُنحت “بايت دانس”، الشركة الأم لـ”تيك توك”، مهلة 270 يوماً لإيجاد مشترٍ. فيما يخوض التطبيق معركة قانونية لمنع دخول القانون حيز التنفيذ.
ومن المقرر أن تبدأ محكمة الاستئناف الأمريكية لمقاطعة كولومبيا الاستماع للمرافعات الشفوية يوم 16 سبتمبر في الطعن المقدم من الشركة.
لماذا تحرك الكونجرس ضد “تيك توك”؟
مبعث القلق لدى المشرعين هو أن “تيك توك” يُشكل تهديداً أمنياً للمستخدمين الأمريكيين لأن الصين تطلب من شركاتها، عند الحاجة، مشاركة أي بيانات تتعلق بالأمن القومي مع الحكومة.
وهناك مخاوف من أن الحكومة الصينية قد تسيء استخدام بيانات مستخدمي التطبيق، على سبيل المثال بإعداد ملفات تعريف لهم وتعريضهم للابتزاز، وأنها قد تؤثر على المحتوى الذي يشاهده المستخدمون الأميركيون على التطبيق.
ما رد “تيك توك”؟
تنفي الشركة المالكة لـ”تيك توك” بشدة هذه المخاوف، وأنفقت أكثر من ملياري دولار على مشروع تقول إنه يعزل بيانات المستخدمين الأمريكيين.
وفي وثيقة قدمتها للمحكمة بتاريخ 5 مايو للطعن على مشروع القانون، قالت “بايت دانس”: “لأول مرة في التاريخ، يشرع الكونجرس قانوناً يُخضع منصة واحدة للتعبير عن الرأي لحظر دائم على مستوى البلاد، ويحرم أي مواطن أميريكي من المشاركة في مجتمع فريد عبر الإنترنت يضم أكثر من مليار شخص حول العالم”.
هل ستبيع “بايت دانس” التطبيق إذا خسرت القضية؟
لدى “بايت دانس” كل الأسباب لرفض الانفصال عن أنشطة “تيك توك” التي تدر عوائد عليها بشكل مذهل (والآخذة في النمو أيضاً).
ويجب موافقة الحكومة الصينية على أي خطة تخارج، وأعلنت الحكومة من جانبها أنها ستعارض البيع القسري.
ومن الممكن أن يرضى المشرعون الأمريكيون بشيء أقل من بيع كامل؛ ربما بأن يصبح التطبيق كياناً منفرداً خاصاً بذاته مقره الولايات المتحدة، مع بقاء “بايت دانس” مستثمراً.
ما يزيد الأمور تعقيداً هو تصريح الرئيس السابق دونالد ترامب، المرشح الجمهوري للرئاسة بالانتخابات المقرر عقدها في الخامس من نوفمبر، بأنه يعارض البيع، متخلياً عن الموقف الذي تبناه عندما كان في الحكم.
وقد تكون معارضة ترامب عاملاً مؤثراً على القضية إذا انتهى الحال بفوزه في الانتخابات قبل إتمام عملية بيع.
من قد يشتري “تيك توك”؟
سيحتاج أي مشترٍ للشركة إلى مبلغ ضخم من المال، وتُقدر قيمة “بايت دانس”، ذات الملكية الخاصة، بحوالي 268 مليار دولار.
وفي حين ستكون أعمال “تيك توك” في الولايات المتحدة بالتأكيد أصغر حجماً بكثير، إلا أن قيمتها ربما تتراوح بين 40 و50 مليار دولار.
بالمقارنة، دفع إيلون ماسك 44 مليار دولار نظير الاستحواذ على “إكس”، منصة التواصل الاجتماعي المعروفة في السابق باسم “تويتر”، في عام 2022.
مثل هذا السعر المرتفع يثني معظم المشترين المحتملين عن التفكير في الشراء، وقد تبدو كل من شركتي “ميتا بلاتفورمز” و”ألفابت” مرشحتين منطقيتين لهذا الاستحواذ، لكنهما غارقتان في القلق من المخاوف التنظيمية بشأن الاحتكار، ما قد يستبعدهما بشكل أساسي.
“بايت دانس” مالكة تيك توك تسعى لاقتراض 9.5 مليار دولار
وغالباً ما يُنظر إلى شركة “أوراكل” على أنها المشتري الأرجح لأن شركة البرمجيات هي الشريك الحالي لحماية بيانات التطبيق في الولايات المتحدة. فهي لديها بيانات المستخدمين الأمريكيين للتطبيق، وكانت راغبة في شرائه في عام 2020، عندما حاول ترامب آنذاك فرض عملية بيع.
لكن “أوراكل” تواجه ديوناً تصل إلى حوالي 84.5 مليار دولار، بما في ذلك بسبب عملية استحواذ كبيرة أخرى في عام 2022، مما يستبعد أن تتحمل الشركة تكاليف شراء “تيك توك” بمفردها.
كانت “مايكروسوفت” واحدة من الشركات الرئيسية الأخرى المرشحة لشراء أعمال “تيك توك” في الولايات المتحدة في عام 2020، لكن هذه الصفقة فشلت في النهاية.
كذلك قال وزير الخزانة الأمريكي السابق، ستيفن منوشين، خلال مقابلة مع شبكة “سي إن بي سي” إنه يؤيد شراء الأعمال الأميركية للتطبيق.
هل يمكن أن يستمر “تيك توك” بدون العمل في السوق الأمريكية؟
نعم، من الممكن، إذ يفتخر مالكو “تيك توك” بأنه التطبيق الأول الذي تم تحميله في أكثر من 40 دولة مختلفة.
وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة تحتضن جمهوراً كبيراً للتطبيق، إلا أن مستخدميها البالغين 170 مليون أو نحو ذلك شهرياً لا يزال جزءاً صغيراً من إجمالي مستخدمي “تيك توك” الذين يتجاوز عددهم مليار مستخدم.
وتدير “بايت دانس” بالفعل نسخة مماثلة للتطبيق، تُسمى “دويين”، ولديها مئات الملايين من المتابعين.
مع ذلك، وكما أدركت منصات أخرى، تمثل الولايات المتحدة السوق الأكثر قيمة لشبكات التواصل الاجتماعي بسبب انتشار معلنين كبار مستعدين للدفع للوصول إلى الجمهور الأمريكي.
ومن شأن التخلي عن السوق الأمريكية لصالح منافس آخر أن يعرض بقية الأسواق العالمية لـ”تيك توك” للخطر، حيث سيكون هناك قلق حقيقي من أن تؤدي تغيرات الشبكة في الولايات المتحدة إلى ابتعاد المستخدمين عن “تيك توك”، واتجاههم إلى بدائل أخرى تركز على الولايات المتحدة.
من المحتمل أيضاً أن يجهض الحظر طموح التطبيق الكبير لتوسيع النسخة الأمريكية من “تيك توك شوب”، التي تمزج بين الترفيه عبر الإنترنت وعمليات الشراء الاندفاعي غير المخطط له. وتتوقع الشركة أن تنمو أعمالها عشرة أضعاف في عام 2024.
من سيستفيد في حالة بيع التطبيق؟
الإجابة الأكثر وضوحاً هنا هي “ميتا”، التي تمتلك “إنستجرام”، وهو تطبيق يحظى بالفعل بشعبية، ويتضمن منتجاً منافساً لـ”تيك توك” وهو “ريلز” للمقاطع القصيرة.
وإذا تم بيع “تيك توك” إلى شركة أخرى وأُسيء التعامل معه، أو تم حظره لأي فترة زمنية طويلة أثناء العمل على تفاصيل عملية التخارج، فسيكون “ريلز” البديل الأبرز للمستخدمين الأمريكيين.
قال ترامب إنه يعارض حالياً البيع القسري للتطبيق لأنه سيفيد “ميتا”، التي علقت حساباته من منصاتها لمدة عامين في يناير 2021 بعد أن أن خلصت إلى أن بعض منشوراته حرضت أنصاره على القيام بأعمال شغب عنيفة في مبنى “الكابيتول هول” مقر الكونجرس الأمريكي.
ومن الممكن أيضاً أن تستفيد بعض الخدمات الأخرى التي تركز على مشاركة مقاطع الفيديو، بما في ذلك “يوتيوب”، المملوكة لشركة “ألفابت”. بالإضافة إلى كسب مستخدمين جدد، ومن المتوقع أن تقتنص “ميتا” و”يوتيوب” عائدات الإعلانات من “تيك توك” إذا لم يعد ممكناً تشغيل التطبيق.
وقفزت قيمة كل من أسهم “ميتا” و”ألفابت” بعد أن حصل مشروع قانون البيع على موافقة مجلس النواب. كما يمكن أن تشهد منصة “إكس” زيادة في عدد المستخدمين والإعلانات إذا اختفى تطبيق “تيك توك”، أو واجه مشكلات.
ما هو الجانب السياسي للمسألة؟
قد يتصاعد الجدل الأمريكي حول مستقبل “تيك توك” بشكل فوضوي مع اقتراب الانتخابات العامة، ويؤدي تقلب رأي ترامب بشأن ما سيفعله بشأن التطبيق إلى تعقيد الأمور بالنسبة للجمهوريين.
ونشر أحد المانحين الجمهوريين الأثرياء، وهو ممول الاستثمارات ذات رأس المال الجريء كيث رابوا، على حسابه على منصة “إكس” أنه “لن يمول أبداً” مرشحين صوتوا ضد مشروع القانون، كما فعل بعض النواب الجمهوريين.
في الوقت نفسه، قد يضر التصويت لصالح مشروع القانون ببعض السياسيين الذين لديهم ناخبون شباب يحبون التطبيق وسيشعرون بالضيق في حال حظره.
أنشأ كل من ترامب وكامالا هاريس، المرشحة الرئاسية الديمقراطية، حسابات على “تيك توك” هذا العام، ويستغلان المنصة في حملتهما الانتخابية. ووجدت دراسة من معهد “بيو للأبحاث” أن الأميركيين أقل تأييداً للحظر عما كانوا قبل عام.
كما يجب التفكير في رد فعل الصين. فليس واضحاً كيف سترد الحكومة في حالة البيع القسري، لكن من المرجح أن تتأثر العلاقات التجارية والدبلوماسية بين الولايات المتحدة والصين.
وعندما ضغطت إدارة ترامب من أجل بيع التطبيق قبل سنوات، قالت وزارة الخارجية الصينية إن سابقة الاستحواذ على شركة تحت ذريعة حماية الأمن القومي قد تؤدي إلى استهداف دول أجنبية للشركات الأمريكية، واصفاً ذلك بمثابة فتح “صندوق باندورا” (الذي تخرج منه مشكلات لا حصر لها بحسب الأسطورة الإغريقية).