ومع ذلك، فإن اهتمام المستثمرين في الشرق الأوسط لا يعوض عن الانخفاض العام في نشاط الصفقات في الصين. فقد تراجعت قيمة الصفقات الموجهة للشركات الصينية هذا العام بنسبة 12% عن العام الماضي لتصل إلى 77 مليار دولار، وفق بيانات “بلومبرغ”.
تزايد اهتمام المستثمرين بالصين
أفاد هو-ين لي، الذي يساهم في إدارة الخدمات المصرفية الاستثمارية في مجال التكنولوجيا والاتصالات بآسيا لدى “سيتي جروب”، أن “هناك اهتماماً متزايداً بالصين، حيث يتطلع مستثمرو الشرق الأوسط إلى الاستثمار في شركات رائدة ضمن قطاعاتها المعنية ومستعدة للتعاون”.
ولم تشكل التوترات الجيوسياسية عائقاً كبيراً أمام صناديق الثروة السيادية في الشرق الأوسط التي تستهدف الاستثمار في الصين، بحسب صمويل كيم، رئيس قسم الاندماج والاستحواذ لمنطقة آسيا والمحيط الهادئ لدى “دويتشه بنك”.
وأوضح كيم، الذي يشغل أيضاً منصب كبير مسؤولي “دويتشه بنك” في كوريا الجنوبية، أن “صناديق الشرق الأوسط لعبت دوراً محورياً في تسهيل العديد من صفقات الاستحواذ”.
تعززت العلاقات السياسية بين الصين والشرق الأوسط كذلك، فقد أعلن رئيس مجلس الدولة الصيني لي تشيانغ في وقت سابق من هذا الشهر عن استعداد بلاده لتعميق التعاون مع المملكة العربية السعودية في مجالات النفط والغاز والبتروكيماويات والبنية التحتية. كما شجعت الصين شركاتها على الاستثمار في المملكة في مجالات مثل الطاقة الجديدة والمعلومات والاتصالات والاقتصادات الرقمية والخضراء.
ولاستكشاف فرص جديدة للتوسع، يقضي المسؤولون الحكوميون والمصرفيون الاستثماريون والمحاميون والمستشارون في آسيا مزيداً من الوقت في لقاء مستثمرين من الشرق الأوسط، ممن يقومون بجولات في الصين وبقية منطقة آسيا والمحيط الهادئ بحثاً عن فرص للتوسع.
أما بالنسبة لهونغ كونغ، التي تعتمد بشكل كبير على إدراج الشركات الصينية والتمويل من الولايات المتحدة وأوروبا، فإن التفاعل المتزايد مع مستثمري الشرق الأوسط يعد تطوراً إيجابياً لها؛ لأنه يُسهم في تنويع الفرص الاستثمارية ومصادر التمويل، وفقاً لتصريحات لويس لاو، الشريك في مجموعة استشارات الأسواق المالية لدى “كيه بي إم جي” (KPMG) في الصين.
“أرامكو” تعزز استثماراتها في الصين
تشهد شركة “أرامكو السعودية” بصفة خاصة نشاطاً متزايداً للصفقات في الصين، حيث تدرس الاستثمار في مزيد من المصانع الكيميائية في البلاد، بجانب صفقات أبرمتها بالفعل لضمان وجود مشترين طويلي الأجل لنفطها الخام. وتتطلع أكبر دولة مُصدرة للنفط الخام في العالم إلى الاستحواذ على حصة قدرها 10% في شركة “هينغلي بتروكميكال” الصينية (Hengli Petrochemical)، بالإضافة إلى صفقات مماثلة مع شركتين صينيتين أخريين.
وفي العام الماضي، أبرمت “أرامكو” صفقة بقيمة 3.4 مليار دولار لشراء حصة في شركة “رونغشنغ بتروكيميكال” (Rongsheng Petrochemical)، وهي أكبر عملية استحواذ خارجية في تاريخ الشركة.
كما لا تقتصر تطلعات “أرامكو” على النفط والبتروكيماويات فقط. ففي يونيو الماضي، أعلنت عن خطط لشراء حصة 10% في مشروع مشترك لصناعة السيارات مع شركة “رينو” الفرنسية والمجموعة الصينية “زيجيانغ جيلي هولدينغ غروب” (Zhejiang Geely Holding Group)، وهي صفقة قدرت قيمة شركة “هورس باورترين” (Horse Powertrain) بنحو 8 مليارات دولار.
الصين والتنويع الاقتصادي في الخليج
تعمل السعودية ودول أخرى على تكثيف جهودها لتنويع اقتصادها بعيداً عن النفط، مع التركيز على قطاعات مثل الطاقة النظيفة والصناعات والتكنولوجيا والسياحة والرياضة.
وبحسب سيمون رحيم زادة، الشريك المقيم في دبي لدى شركة المحاماة “أشورست” (Ashurst)، فإن الهدف الطويل الأجل لإعادة تشكيل الاقتصادات سيوجه على الأرجح استراتيجياتهم الاستثمارية في دول مثل الصين. وأضاف أن بعض صناديق الثروة السيادية قد تستثمر أيضاً في شركات تسعى للتوسع في الشرق الأوسط مما يعزز تبادل المعرفة والخبرات.
ومع ذلك، أثار النشاط المتزايد للاستثمارات في الصين بعض التداعيات. فقد واجهت صناديق الشرق الأوسط تدقيقاً متزايداً من جانب إدارة جو بايدن بشأن الصفقات المتعلقة بالولايات المتحدة، كجزء من جهود أوسع لمواجهة الكيانات التي يُعتقد أن لها علاقات وثيقة مع بكين، بحسب تقرير “بلومبرغ نيوز”.
الأموال المتدفقة من الشرق الأوسط
قال لي لي، رئيس قسم الخدمات المصرفية الاستثمارية الصناعية لمنطقة آسيا لدى “سيتي غروب”: “لم نشهد فقط زيادة كبيرة في حجم رأس المال المتدفق من الشرق الأوسط مؤخراً، بل أصبح التركيز ينصب بشكل متزايد على التنويع في الاقتصادات الآسيوية، بما فيها الصين”.
كما استقطبت الأصول في قطاعات الخدمات اللوجستية والاستهلاك والرعاية الصحية استثمارات كبيرة من الشرق الأوسط، حيث استحوذت شركة “دي بي ورلد” (DP World)، الرائدة في حلول سلاسل التوريد العالمية ومقرها دبي، هذا العام على شركة “كارغو سيرفيسز سيفرايت” (Cargo Services Seafreight)، مما منحها حصة مسيطرة في شركة “سي إن لوجيستيك إنترناشونال هولدينغز” (CN Logistics International Holdings) المدرجة في هونغ كونغ.
بالإضافة إلى ذلك، استحوذت “مبادلة” بالتعاون مع مجموعة “سي بي سي غروب” (CBC Group) على قسم أمراض الأعصاب والحساسية التابع لشركة “يو سي بي” (UCB SA) في الصين في صفقة قيمتها 680 مليون دولار.
ذكرت “بلومبرج نيوز” أن “مبادلة” وجهاز قطر للاستثمار يأتون ضمن المستثمرين الذين يدرسون الاستثمار في أعمال “ماكدونالدز” في الصين. بالإضافة إلى ذلك، تم التواصل مع جهاز قطر للاستثمار وصندوق الاستثمارات العامة السعودي كمستثمرين محتملين للانضمام إلى تحالف يسعى للاستحواذ على “إي إس أر غروب” (ESR Group)، وهي شركة عقارات لوجستية مدرجة في هونغ كونغ، وفقاً لأشخاص مطلعين على الأمر.
ويرتبط اهتمام المستثمرين أيضاً بالتكنولوجيا، بما في ذلك صناعة الرقائق والذكاء الاصطناعي. فقد انضمت إحدى أذرع “أرامكو السعودية” إلى أحدث جولة تمويلية للشركة الناشئة “شيبو إيه آي” (Zhipu AI)، لتصبح أول شركة أجنبية معروفة تدعم شركة صينية كبرى عاملة في مجال الذكاء الاصطناعي التوليدي.
ووفقاً لدين موروز، الشريك في شركة “أشورست” ومقرها أبوظبي، فإن تصنيع بطاريات السيارات الكهربائية ومراكز البيانات يعدان من المجالات التي تحظى بالاهتمام أيضاً. وأوضح أن العائد الاستثماري الجذاب يبقى هو العامل الحاسم في هذه الاستثمارات.
الاستثمارات تتجاوز حدود الصين
لم تقتصر الاستثمارات على الصين فحسب، بل شهدت منطقة آسيا والمحيط الهادئ الأوسع زيادة ملحوظة في التدفقات الرأسمالية من الشرق الأوسط كذلك، وفقاً لما ذكره إلالينغهام من “دويتشه بنك”.
كان جهاز أبوظبي للاستثمار نشطاً في جنوب شرق آسيا والهند، إذ يعد الصندوق جزءاً من مجموعة مستثمرين يسعون إلى خصخصة شركة “ماليزيا إيربورتس هولدينغز” (Malaysia Airports Holdings Bhd)، كما شارك في صفقة استحواذ شركة “كولومبيا آسيا هيلث كير” (Columbia Asia Healthcare Sdn) على مشغل المستشفيات “رامساي سيم داربي هيلث كير” (Ramsay Sime Darby Health Care Sdn). وفي الهند، اشترى الجهاز حصة إضافية في وحدة التجزئة التابعة للملياردير موكيش أمباني التي تشهد توسعاً سريعاً.
أما في اليابان، التي تعد سوقاً آسيوية أخرى تزدهر فيها أنشطة إبرام الصفقات، قدمت “فورتريس إنفستمنت غروب” (Fortress Investment Group)، المملوكة لـ”مبادلة” عرضاً لشراء شركة “جوبان كوسان” (Joban Kosan)، المشغلة لمنشأة الترفيه “سبا ريزورت هاوايانز” (Spa Resort Hawaiians) في فوكوشيما.
وأكد إلالينغهام أن هؤلاء المستثمرين يتمتعون “بذكاء وخبرة عالية، لذا يتعين على المصرفيين تقديم فرص استثمارية قوية لجذب اهتمامهم، خاصة أنهم يفضلون المشاركة في الصفقات منذ بدايتها، وليس النظر إليهم كملاذ أخير لإتمام الصفقات”.