أصبحت سوق الأسهم في تركيا خلال فترة أسعار الفائدة فائقة الانخفاض الوسيلة التي يفضلها المواطنون لحماية مدخراتهم من ارتفاع التضخم. أما الآن، في ظل توقع استمرار التشديد النقدي في العام المقبل، فتنحسر فورة الأسهم بوتيرة سريعة.
كان الدافع وراء تداول الأسهم واضحاً؛ فعندما تكون أسعار الفائدة في البنك المركزي أقل من 10% وسط معدل تضخم بلغ 80%، ستكون الودائع المصرفية فكرة سيئة دوماً، وعلّق الأتراك آمالهم على أن الاستثمار في الأسهم قد يحمي رأس المال من التآكل بالسرعة نفسها.
حققت الأسهم التركية أداءً ممتازاً بفضل تدفق الاستثمارات الضخمة بعد ذلك، حيث صعد مؤشر بورصة إسطنبول 440% منذ نهاية 2021. وكان هذا الانتعاش متوقعاً على نطاق واسع، حيث ارتفع عدد حسابات الأسهم التابعة للأفراد أكثر من 3 أضعاف ليبلغ 8.6 مليون حساب في أكتوبر الماضي، ما يعني أن ثُلث الأسر التركية استثمرت في الأسهم.
رفع الفائدة ينفر مستثمري الأسهم
لكن تلك الفترة السعيدة تشرف على النهاية، على الأقل بالنسبة للمستثمرين في الأسهم، حيث حوّل الرئيس رجب طيب أردوغان مسار السياسة النقدية بعد إعادة انتخابه العام الماضي، واتبع سياسات اقتصادية أكثر تقليدية، ورفع فريقه الاقتصادي أسعار الفائدة إلى 50% سعياً للسيطرة على التضخم، ويُتوقع الإبقاء عليها عند هذا المستوى خلال الأشهر المقبلة.
وأدى ذلك إلى ارتفاع سعر الفائدة على الودائع بالليرة التركية لأجل 3 أشهر إلى نحو 69% في أبريل، الأمر الذي غيّر معادلة الموازنة بين المخاطر والأرباح في امتلاك الأسهم.
قالت بيتول سكين، متخصصة البرمجيات البالغة 32 عاماً وتعيش في أزمير: “من حسن الحظ تخارجت من السوق في الوقت المناسب قبل شهرين. وضعت كل أموالي في ودائع بالليرة”.
حذا كثيرون حذو سكين، وسط تراجع مؤشر بورصة إسطنبول 6.8% خلال الربع الثالث، رغم ارتفاع مؤشر “إم إس سي آي” (MSCI) للأسواق الناشئة المرجعي بنسبة 4.6%، كما ينخفض عدد حسابات الأسهم في تركيا حالياً.
التراجع يبدأ بالشركات المتوسطة والصغيرة
تعهدات تركيا بالعودة إلى السياسات الاقتصادية التقليدية، التي يحدد مسارها وزير الخزانة والمالية محمد شيمشك، جذبت استثمارات إلى الأصول في البلاد، في رهان على أن الاقتصاد غير المتزن سيصل في النهاية إلى استقرار مستدام.
ورغم إقبال الأجانب على أدوات الدين في تركيا، تخارجوا من سوق الأسهم بشكل تدريجي خلال الأشهر الماضية، وبلغ صافي مبيعاتهم من الأسهم 3.2 مليار دولار منذ منتصف مايو، بحسب البيانات الرسمية. حلت الاستثمارات المحلية محل الاستثمارات الخارجة، ما أخفى الوضع حتى الربع الثالث.