يبدو أن المستثمرين في الأسواق الناشئة بدأوا يرون بصيص أمل في الأفق، لكنهم يتوخون الحذر للتأكد من أن هذا الضوء ليس إشارة لخطر قادم.
تشهد فئة الأصول في الأسواق الناشئة فترة من التغيرات الإيجابية نتيجة التطورات الاقتصادية العالمية.
فقد بدأت أسعار الفائدة في الولايات المتحدة بالتراجع أخيرًا، مما يعني نظريًا أن عوائد السندات الحكومية الأمريكية ستنخفض، مما يزيد من جاذبية الديون التي تقدم عوائد أعلى خارج نطاق الدول الغنية التقليدية.
المثير في الأمر أن هذا التراجع المنتظر لأسعار الفائدة الأمريكية يحدث بينما يبقى الاقتصاد الأمريكي في حالة مستقرة، وهو ما يمثل مزيجًا جيدًا يدعم الأصول الأكثر خطورة، مثل الديون والأسهم في الأسواق الناشئة.
وبحسب تقرير لصحيفة “فاينانشيال تايمز” البريطانية، تأتي هذه المتغيرات في وقت بدأت فيه بكين إطلاق حزمة من إجراءات التحفيز الاقتصادي، ما أدى إلى صعود كبير في أسعار الأسهم الصينية التي كانت مهملة لفترة طويلة، وهو ما يمكن أن يسهم في زيادة الطلب على الموارد التي توفرها العديد من الدول الناشئة.
ورغم كل هذه العوامل الإيجابية، إلا أن هناك بعض التحذيرات التي يجب أخذها في الحسبان.
ومع ذلك، بدأت الأسواق الناشئة في العودة إلى دائرة اهتمام العديد من المستثمرين الذين تجاهلوا هذه الفئة من الأصول لعدة أعوام.
ووفقًا لشركة “إم آند جي إنفستمنتس”، فإن انخفاض أسعار الفائدة الأمريكية سيؤدي إلى تحرير “ديون الأسواق الناشئة”.
وفي هذا السياق، صرح تشارلز دو كوينسوناس، مدير الصناديق في “إم آند جي إنفستمنتس” في لندن، بأن تدفقات الاستثمار إلى الأسواق الناشئة كانت “مروعة” منذ بداية جائحة كوفيد-19.
وأضاف خلال فعالية أخيرة: “لم يكن هذا الوقت مناسبًا لإدارة صناديق الأسواق الناشئة”.
العديد من المستثمرين تجنبوا هذه الفئة من الأصول نظرًا لصعوبة التعامل معها.
ففي الأعوام الخمسة الماضية، كان الاستثمار في مؤشر “ستاندرد آند بورز 500” للأسهم الأمريكية أكثر سهولة وأقل تكلفة، وحقق مكاسب كبيرة، في حين أن مؤشر “إم إس سي آي” للأسواق الناشئة حقق ارتفاعًا متواضعًا بنسبة 10% فقط.
لكن، وفقًا لتشارلز دو كوينسوناس، فإن الوضع الحالي ينعكس إيجابيًا على الأسواق الناشئة.
وأشار إلى أن “التدفقات المالية الصغيرة تكفي لدعم هذه الفئة من الأصول لأنها ليست فئة مكتظة بالاستثمارات”.
وبحسب مؤسسة “إي بي إف أر” التي تراقب تدفقات الأموال، شهدت صناديق الأسهم الصينية تدفقات مالية ضخمة بلغت حوالي 40 مليار دولار في الأسبوع الأول من أكتوبر، مما رفع الرقم الإجمالي لجميع صناديق الأسهم في الأسواق الناشئة إلى مستوى قياسي جديد.
ورغم هذا التدفق الكبير للأموال، لا يزال الشك قائمًا حول مدى استمرارية هذا الاهتمام بالأسواق الناشئة على المدى الطويل.
فهناك تساؤلات حول مدى قدرة إجراءات التحفيز في الصين على جعلها وجهة استثمارية جذابة، خصوصًا أن قطاع العقارات في الصين لا يزال يعاني من مشكلات كبيرة.
وفي ظل هذه المخاطر، صرح بنجامين ميلمان، رئيس إدارة الاستثمارات في “إدموند دي روتشيلد أسيت مانجمنت”، بأنه يواصل التركيز على الأسواق الناشئة، حيث ساعده التحول في سياسات الصين الاقتصادية والتحولات النقدية في الولايات المتحدة.
لكنه عبر عن مخاوفه من أن تكون الولايات المتحدة قد خفضت أسعار الفائدة بشكل كبير وبسرعة كبيرة.
وأضاف أن “الرؤية حول توجهات الاحتياطي الفيدرالي أصبحت أقل وضوحًا مما كانت عليه قبل أسبوعين”، مشيرًا إلى عودة توقعات التضخم إلى الارتفاع في الأسواق الأمريكية.
وفي مذكرة حديثة، أشارت المصرف السويسري “يو بي إس” إلى أنه في حال لم يتباطأ الاقتصاد الأمريكي، فقد يضطر مجلس الاحتياطي الفيدرالي إلى رفع أسعار الفائدة مرة أخرى بحلول عام 2026، مما سيؤثر سلبًا على أصول الأسواق الناشئة.
كما حذرت وكالة التصنيف “ستاندرد آند بورز” الأسبوع الماضي من أن ارتفاع تكاليف الاقتراض وعبء الديون في الأسواق الناشئة قد يؤدي إلى تزايد حالات التخلف عن سداد الديون بالعملات الأجنبية خلال العقد المقبل.
من جهة أخرى، أشار خبراء إلى أن عودة الرئيس السابق دونالد ترامب إلى البيت الأبيض قد تؤدي إلى فرض تعريفات جمركية جديدة على الدول النامية، وهو ما قد يؤثر سلبًا على الأسواق الناشئة.
ووفقًا لتقديرات “يو بي إس”، فإن فوز الجمهوريين في الانتخابات الرئاسية والكونجرس قد يؤدي إلى انخفاض بنسبة 4% في مؤشر “إم إس سي آي” للأسواق الناشئة بحلول نهاية عام 2025، وقد يصل الانخفاض إلى 11% إذا تم تصعيد التعريفات بشكل كبير.
الخلاصة تكمن في أهمية إدارة التوقعات. فبيئة أسعار الفائدة المنخفضة في الولايات المتحدة تعود بالفائدة على الأسواق الناشئة، كما أن “كل تحسن طفيف يساعد فئة الأصول غير المزدحمة”، وفقًا لـ”يو بي إس”.
وبينما من المحتمل أن تحقق الأسواق الناشئة عوائد “جيدة”، إلا أنه من غير المرجح أن تعود إلى بريقها السابق الذي شهدته في ظل أسعار الفائدة الصفرية.