خفّض صندوق النقد الدولي مجدداً توقعاته لنمو السعودية للعامين الحالي والمقبل، فيما قدم نظرة أقل تفاؤلاً حيال مستقبل أسعار النفط، وسط عدم يقين حيال النمو الاقتصادي العالمي.
ووفقاً لتقرير آفاق الاقتصاد العالمي الصادر اليوم الثلاثاء عن صندوق النقد الدولي، من المتوقع أن ينمو الاقتصاد السعودي بنسبة 1.5% في العام الحالي و4.6% في العام المقبل، بخفض قدره 0.2 نقطة مئوية و0.1 نقطة مئوية على التوالي مقارنة بتوقعات يوليو الماضي.
يأتي هذا التعديل بعد أقل من شهر من صدور التقرير السنوي لصندوق النقد ضمن إطار مشاورات المادة الرابعة لاقتصاد المملكة، حيث ثبت الصندوق آنذاك توقعاته لنمو الناتج المحلي عند 1.7% و4.7% للعامين الحالي والمقبل.
النمو الاقتصادي والميزانية السعودية
في النصف الأول من العام 2024، انكمش الناتج المحلي الإجمالي للمملكة بنسبة 1%، نتيجة انخفاض إنتاج البلد من النفط بمعدل 12.9%. بلغ متوسط إنتاج السعودية 9 ملايين برميل يومياً، مقارنة بـ10.3 مليون برميل يومياً خلال الفترة المماثلة من العام الماضي. وعلى صعيد الأسعار، استقر متوسط سعر خام برنت عند 83 دولاراً للبرميل منذ بداية العام وحتى نهاية أغسطس، مسجلاً تراجعاً بنسبة 20%. ورغم التوترات الإقليمية في المنطقة، لم تشهد أسعار النفط قفزات كبيرة كما كان متوقعاً.
التخفيض المستمر لتوقعات نمو المملكة تزامن مع مراجعات مشابهة من وزارة المالية السعودية التي خفضت هي الأخرى توقعات النمو. وتعكس هذه المراجعات التحديات التي تواجه المملكة في إطار جهودها لتنويع الاقتصاد وتقليل الاعتماد على النفط. وبينما شهد الاقتصاد غير النفطي نمواً بنسبة 4.1% في النصف الأول من العام، انكمش الناتج المحلي للأنشطة النفطية بنسبة 10% خلال الفترة ذاتها.
هذا التراجع في النمو أثر بشكل مباشر على ميزانية الدولة. فقد توقعت وزارة المالية عجزاً أعمق في الميزانية لعام 2024 يصل إلى 2.9% من الناتج المحلي الإجمالي، بزيادة نقطة مئوية عن التوقعات السابقة. ويعود السبب في هذا العجز المتزايد إلى ارتفاع النفقات بوتيرة أسرع من نمو الإيرادات.
وفي بداية أكتوبر، خفضت وزارة المالية بشكل حاد تقديراتها للنمو الاقتصادي للعام الحالي إلى 0.8% مقارنة بتوقعاتها السابقة البالغة 4.4%. كما رفعت من تقديراتها لعجز الموازنة، وسط زيادة كبيرة في الإنفاق الحكومي واستمرار هبوط أسعار النفط بنحو الخُمس منذ بداية العام. جاء هذا التراجع في الأسعار في ظل استمرار المملكة في تنفيذ تخفيضات طوعية في إنتاج النفط.
وفي الشهر الماضي، اتفقت 8 دول من أعضاء “أوبك+” وهي السعودية وروسيا والعراق والإمارات والكويت وكازاخستان والجزائر وسلطنة عُمان على تمديد تخفيضاتها الطوعية الإضافية البالغة 2.2 مليون برميل يومياً لمدة شهرين حتى نهاية نوفمبر، وفق بيان أصدره التحالف حينذاك. وبعد ذلك سيتم إنهاء هذه التخفيضات تدريجياً على أساس شهري بدءاً من مطلع ديسمبر المقبل. وأعاد البيان التأكيد على “المرونة في تعليق التعديلات مؤقتاً أو عكسها حسب الضرورة”.
النمو العالمي وسعر النفط وفق صندوق النقد
وفق التقرير الجديد، لم يطرأ تغير كبير على آفاق النمو العالمي منذ تقرير “آفاق الاقتصاد العالمي” الصادر في أبريل 2024. بعد الانتعاش الذي أعقب الجائحة، استقرت التوقعات لنمو الناتج المحلي الإجمالي العالمي عند حوالي 3%، سواء على المدى القصير أو المتوسط. ويمتد ضعف النمو إلى ما بعد فترة خفض التضخم، مما يشير إلى أن النمو المحتمل قد تأثر بشكل مستدام.
ويتوقع الصندوق أن يبلغ متوسط سعر النفط 81.29 دولار للبرميل هذا العام، بارتفاع طفيف بنسبة 0.9% مقارنة بالعام الماضي، قبل أن يتراجع إلى 72.84 دولار للبرميل بحلول عام 2025.
وعلى الرغم من وجود مخاطر قد تدفع الأسعار إلى الارتفاع، مثل تصاعد الصراع في الشرق الأوسط أو تمديد خفض إنتاج “أوبك+” لفترة طويلة، إلا أن هذه المخاطر تقل أمام توقعات ضعف الطلب على النفط في الصين والولايات المتحدة، اللتين تشكلان معاً حوالي 40% من الطلب العالمي، إلى جانب اليابان وغيرها من الاقتصادات المتقدمة. كما أن هناك احتمالاً بزيادة إنتاج “أوبك+” لاستعادة حصته في السوق، وفق الصندوق.
في سياق متصل، خفضت منظمة الأقطار المصدرة للبترول “أوبك” توقعاتها لنمو الطلب العالمي على النفط هذا العام بمقدار 100 ألف برميل يومياً، حيث قدّرت بتقرير صادر في 14 أكتوبر أن ينمو الطلب بمقدار 1.9 مليون برميل يومياً، بعد أن كانت توقعاتها في يوليو عند 2.2 مليون برميل، ما يؤشر إلى خفضٍ بمقدار 13.6% خلال 3 شهور.
كما توقعت وكالة الطاقة الدولية استمرار ضعف نمو الطلب العالمي على النفط بسبب التباطؤ الاقتصادي في الصين والتبني المتسارع للمركبات الكهربائية. حيث قال فاتح بيرول، المدير التنفيذي للوكالة في مقابلة مع تلفزيون “بلومبرغ” قبل أيام إن “الطلب العالمي على النفط ضعيف للغاية هذا العام، وأضعف بكثير من الأعوام السابقة، ونتوقع أن يستمر هذا بسبب كلمة واحدة- الصين”، ولفت إلى وفرة إمدادات النفط الخام والطاقة الاحتياطية. وتتوقع الوكالة حدوث تخمة في الأسواق أوائل 2025 بسبب الزيادة الكبيرة في إنتاج النفط الأمريكي، في حين تقترب الطاقة الفائضة لدى تحالف “أوبك+” من مستويات قياسية، بينما شهد استهلاك الصين من النفط انخفاضاً بنحو 500 ألف برميل يومياً في أغسطس على أساس سنوي.