يمكنك الهرب لكنك لا تستطيع الاختباء. بعد ثلاث سنوات من بدء شركات التطوير العقاري الصينية سلسلة التخلف عن سداد الديون، أوقف المستثمرون الأجانب في السندات خسائرهم وتخلصوا من حيازاتهم، ولجأوا بدلاً منها إلى شركات كبيرة أخرى في آسيا، مراهنين على أن العائلات الثرية من الهند وإندونيسيا إلى هونغ كونغ أكبر من أن تفشل.
من الصعب على المستثمرين أن يهجروا سوقاً تدر أرباحاً كبيرة، والإصدارات الدولارية المصنفة كسندات عالية المخاطر في آسيا باستثناء اليابان تحقق عائداً سخياً يبلغ 9% في المتوسط، حتى مع اقتراب فرق العائد عن سندات الخزانة الأمريكية من أدنى مستوى له في خمس سنوات، ومع قلة حالات التعثر في سداد الديون هذا العام، يشعر المستثمرون بالانتشاء، وبافتراض عدم حدوث اضطرابات أخرى مستقبلاً، يستطيع متتبعو هذا المؤشر تحقيق عوائد إجمالية بنسبة 15% لعام 2024، وهم في أمس الحاجة إلى تلك المكافأة، وكثيرون منهم على استعداد لمنح فرصة ثانية حتى للشركات ذات الماضي المضطرب.
جمعت شركة “فيدانتا ريسورسز” الهندية للتعدين 1.2 مليار دولار في سبتمبر بعد تخلفها عن سداد الديون وإعادة هيكلتها في يناير، وفي مارس، عادت مجموعة “أداني غروب” بقوة إلى سوق السندات الدولارية وباعت سندات بقيمة 409 ملايين دولار، متعافية من مزاعم شركة بارزة للبيع على المكشوف في أوائل عام 2023 بأنها أكبر المحتالين في تاريخ الشركات.
اتهامات خطيرة تواجه أداني
لكن الأزمة القانونية الأخيرة للمؤسس غوتام أداني مع الحكومة الأمريكية أفسدت تلك الأجواء المتفائلة تزعم جهات الادعاء الفيدرالية أن أداني، ثاني أغنى رجل في الهند، ومتهمين آخرين وعدوا بتقديم رشاوى تتجاوز 250 مليون دولار لمسئولين حكوميين بالهند للفوز بعقود الطاقة الشمسية، وأخفوا الخطة أثناء سعيهم لجمع أموال من المستثمرين الأمريكيين، بما في ذلك عبر طرح السندات.
في حين ينفي أداني ارتكاب أي مخالفات، كان رد فعل أسواق رأس المال قاسياً، واضطرت شركة تابعة لـ”أداني غروب” تعمل في مجال الطاقة المتجددة إلى إلغاء خطة لطرح سندات بقيمة 600 مليون دولار أثناء تراجع أسهم وسندات المجموعة.
في الوقت نفسه، تترنح الآن شركة “جي كيو جي بارتنرز”، التي يديرها مدير الأسواق الناشئة المتميز راجيف جين الذي راهن العام الماضي عكس التيار السائد بقيمة 1.9 مليار دولار على “أداني غروب”.
مع استثناء أخطار السمعة، من الصعب على أي شركة عالمية لإدارة الأموال تبرير الاستثمار في شركات “أداني”، والتي تعتمد بشكل كبير على العلاقات الحكومية. وعلى سبيل المثال، لدى مجموعة تابعة لشركة “أداني غرين إنيرجي”، التي اضطرت إلى إلغاء إصدار السندات، اتفاقية لشراء 1.1 غيغاواط من الكهرباء مع مؤسسة الطاقة الشمسية في الهند التي تدعمها الحكومة. ويخضع هذا الاتفاق الضخم الذي عقدته “أداني جرين” عام 2020 مع المؤسسة للتحقيق في الولايات المتحدة.
وبالتالي، تتطلب العناية الواجبة المناسبة فحص كل صفقة مع الدولة، لاسيما أن الحكومة الأمريكية تدعي أن أداني التقى مع مسئول هندي للموافقة على عقد بمليارات الدولارات مقابل دفع رشاوى.
الثقة العمياء في العائلات الثرية
بالنسبة لمستثمري السندات الذين يفحصون الضمانات والتدفقات النقدية نظرياً، أصبح اسم أداني أكثر خطورة وإزعاجاً مما كان عليه في أعقاب اتهام شركة “هيندنبرغ ريسيرش” بأن المجموعة تورطت في تلاعب صارخ بأسعار الأسهم.
بعد الانتخابات الأمريكية، دار نقاش كبير حول ما إذا كانت الولاية الثانية لترامب قد تتسبب في ارتفاع أسعار الفائدة بالولايات المتحدة وإغلاق سوق السندات الخارجية المقومة بالدولار، والمفارقة أن أكبر مصدر للفوضى والأزمات لم يكن دونالد ترامب بمزاجه المتقلب، بل إيمان المستثمرين الأعمى بالعائلات الثرية صاحبة المليارات، فقد كانوا يتجاهلون إشارات الخطر الحمراء بشكل منتظم ومنهجي.
على أي حال، لا يمثل أداني حالة استثنائية، إذ كان مؤسس مجموعة “إيفرغراند غروب” الصينية هوي كا يان، في يوم من الأيام أغنى رجل في بلاده، ويجري حالياً تصفية إمبراطوريته، وفي العام الماضي، حدثت صدمة للمستثمرين بسبب شركة “نيو وورلد ديفلوبمنت”، ومقرها هونغ كونغ، وقد أقلقتهم توسعاتها الطموحة وتراكم الديون عليها، وتمتلك شركة التطوير الرائدة واحدة من أكبر العائلات في المدينة، لكن ميزانيتها العمومية لا تشبه نظيراتها.
مع اقترابنا من نهاية العام، تتلاشى البهجة التي كان يشعر بها بعض المتعاملين في السندات الدولارية الخارجية، ففزاعة أداني الثانية تفسد حالتهم المزاجية.