توقع مصرفيون تحسن وتيرة الطلب على التمويلات متناهية الصغر خلال الفترة المقبلة، حال تم خفض أسعار الفائدة خلال العام الجارى، خاصة أن تكلفة التمويل الحالية مرتفعة لأن أغلب القطاع يعتمد على التمويلات غير المباشرة من قبل جمعيات التمويل متناهى الصغر.
وتميل أغلب التوقعات لخفض حاد فى مستويات الفائدة يتراوح بين 6% على أدنى تقدير إلى 13% وفق ما يرى جولدمان ساكس، و10% فى توقعات مورجان ستانلى، ونحو 9% فى تقديرات “فيتش سوليوشنز”.
قال مصدر مصرفى فى قطاع المشروعات الصغيرة والمتوسطة بأحد البنوك العامة، إن أغلب التمويلات الموجهة للمشروعات متناهية الصغر تتم بصورة غير مباشرة عبر إقراض جمعيات التمويل متناهى، التى تتولى بدورها اختيار العملاء، وإتمام الإجراءات، وتحصيل الأقساط، نظرًا لقدرتها على الوصول إليهم بمرونة تفوق إمكانيات البنوك.
وأرجع المصدر ذلك لصعوبة وصول البنوك إلى أصحاب المشروعات متناهية الصغر وإقراضهم نظرًا لتمركز معظمهم فى القرى التى تفتقر وجود فروع مصرفية، فضلاً عن عدم امتلاكهم ميزانيات مالية أو مقرات رسمية، حيث تُدار مشروعاتهم من داخل منازلهم.
وأضاف أن تلك المشروعات تُمول بفائدة مرتفعة نظرًا لأنها عالية المخاطر، ويصعب إطلاق مبادرات تمويل بأسعار مميزة لهذه المشروعات، على غرار المشروعات الصغيرة والمتوسطة، كما أن التمويل غير المباشر الموجه لها يرفع من أعباء تكلفة التمويلات.
وأشار إلى أن البنك يتيح قروضًا مباشرة للفئات متناهية الصغر، لكنها تظل محدودة، إذ يعتمد التمويل بشكل أساسى على القروض غير المباشرة عبر الجهات الوسيطة.
البنوك تتنافس على تقديم قروض السيارات بأنظمة سداد مرنة
وبحسب أحدث تقارير الشمول المالى الصادرة عن البنك المركزى، ارتفعت إجمالى محفظة التمويل متناهى الصغر المصرفى وغير المصرفى 1356% خلال الفترة من ديسمبر 2016 وحتى يونيو الماضى، ووصلت نحو 93.3 مليار جنيه واستفاد منها نحو 4.6 مليون عميل.
ونمت التمويلات البنكية الموجهة للمشروعات متناهية الصغر 79% خلال الفترة من ديسمبر 2020 وحتى يونيو الماضى، بينما نمت المشروعات الصغيرة 70% والمشروعات المتوسطة 66% خلال الفترة نفسها.
وبلغت قيمة التمويلات المصرفية وغير المصرفية الممنوحة للمشروعات متناهية الصغر خلال أول 6 أشهر من العام الماضى نحو 5.7 مليار جنيه.
وأوضحت نتائج المساهمة فى مبادرة حياة كريمة خلال الفترة من يوليو 2021 وحتى يونيو الماضى، أنه تم ضخ تمويلات بنحو 43.5 مليار جنيه للمشروعات التنموية الصغيرة ومتناهية الصغر من قبل البنوك والشركات والجمعيات متناهية الصغر الحاصلة تسهيلات من البنوك المشاركة فى المبادرة.
مصدر مصرفى: إعداد تعريف وتقييم واضح للمشروعات متناهية الصغر ينمو بقروضها المباشرة
وقال عضو مجلس إدارة أحد البنوك الخاصة، إن معدلات التعثر فى القروض متناهية الصغر انخفضت خلال الفترة الأخيرة، ولم تعد تشكل مخاطر ائتمانية كبيرة، نظرًا لصغر حجم القروض المقدمة، بالإضافة إلى التنظيم المستمر لهذا القطاع من خلال آليات متطورة وخطوط ائتمانية واضحة، بالإضافة إلى أنها تحصل على دعمًا فنيًا والخبرة المحاسبية من قبل الجهات الممولة، لتحسين أداء مشروعاتهم وزيادة فرص نجاحها.
وأضاف المصدر أن التحدي الأكبر الذي يواجه تمويل المشروعات متناهية الصغر يتمثل في ارتفاع تكلفة الإقراض، ما يستدعى توفير مبادرات تمويلية خاصة لهذه الفئة.
وأوضح أنه بعد دراسة طلبات التمويل والموافقة عليها، تطلب شركات التمويل من البنوك قيمة إجمالية توزعها على المشروعات التى حصلت على موافقات، وتكون مسؤولية التمويل مشتركة بين البنك والشركة، وكذلك تقاسم مخاطر الائتمان، لافتًا إلى شركات التمويل متناهي الصغر تتمتع بفرص واعدة، فى ظل اهتمام الدولة بهذه الشريحة من المشروعات، نظرًا لدوره في توفير فرص العمل للفئات الأكثر احتياجًا، بالإضافة إلى قدرتها على تلبية احتياجات الشركات الصغيرة والمتوسطة من السلع الوسيطة.
وأوضح أن النسبة المُحددة من قبل البنك المركزى بشأن تخصيص 10% من محفظة القروض للمشروعات الصغيرة، تشمل التمويل غير المباشر الموجه لشركات التمويل غير المصرفى الممولة للمشروعات متناهية الصغر، لأن البنوك غير قادرة على التعاون المباشر مع هذه المشروعات.
الفائدة المرتفعة لم توقف قطار قروض الأفراد سريعة النمو
وكشف المصدر أن اتحاد بنوك مصر يتبنى حاليًا قضية إعادة تصنيف الشركات الصغيرة والمتوسطة، وهي مسألة قيد المناقشة فى البرلمان، إذ تتطلب تعديلات تشريعية على قانون المشروعات الصغيرة والمتوسطة،مُشيرًا إلى ضرورة وضع تعريف ومعايير تقييم للمشروعات متناهية الصغر تؤهله للاستفادة من مبادرات تمويلية مُيسرة.
وذكر أن الإسراع في إقرار هذه التعديلات سيؤثر بشكل مباشر على أحقية الشركات في الاستفادة من مبادرات التمويل الحكومية، ما سيساهم في تحفيز القطاع وتعزيز نموه بشكل مستدام.
وأشار إلى أن البنوك القادرة على التوسع أنشأت شركات متخصصة في تمويل المشروعات متناهية الصغر، لتكون ذراعًا يخدم هذه الفئات، بينما تكتفى بنوك أخرى بتمويل الشركات المالية غير المصرفية التى تتولى إقراض المشروعات.
وارتفعت أرصدة التمويل الممنوح للمشروعات متناهية الصغر 30.1% فى أكتوبر الماضى على أساس سنوى، مُسجلة نحو 60.7 مليار جنيه فى أكتوبر الماضى، مقابل نحو 46.6 مليار جنيه فى أكتوبر 2023، وذلك رغم تراجع عدد المستفيدين إلى 3.75 مليون عميل بدلًا من 3.78 مليون عميل خلال فترة المقارنة، بحسب هيئة الرقابة المالية.
وأظهرت بيانات الهيئة استحواذ القطاع التجارى على الحصة الأكبر من أرصدة التمويل بنسبة 57.67% فى أكتوبر الماضى مُتراجعة من 58.71% فى أكتوبر 2023، وتوسعت حصة القطاع الزراعى من الأرصدة ووصلت 22.49% بدلًا من 20.82%.
فهمى: معايير تقييم المشروعات متناهية الصغر تختلف عن المتبعة مع المشروعات العادية
من جانبه، أوضح ماجد فهمى، الرئيس الأسبق لبنك التنمية الصناعية، أن معايير تقييم المشروعات متناهية الصغر تختلف تمامًا عن غيرها، إذ أن طبيعتها غير الرسمية وغياب المستندات يجعل من الصعب على البنوك تمويلها مباشرة.
وأضاف أن هذه المشروعات تتركز غالبًا في القرى والمناطق النائية، ما يزيد من صعوبة وصول البنوك إليها، مشيرًا إلى أن التمويل المباشر لها يتطلب وضع معايير خاصة تأخذ في الاعتبار طبيعة المشروعات التي يديرها أفراد غالبًا من دون مقرات عمل رسمية أو ميزانيات واضحة.
وأشار إلى أن خفض الفائدة يُنعش الطلب على القروض، ولكن المستويات الأعلى من 20%، لن تُحقق النشاط القوىن خاصة بالنسبة للمشروعات متناهية الصغر، وفى ظل التوقعات بالخفض التدريجى لأسعار الفائدة بعد التأكد من المسار التنازلى المستدام للتضخم، فإن خفض الفائدة سيكون بوتيرة بطيئة أيضًا.
وجيه: اهتمام الدولة بالمشروعات متناهية الصغر وخفض الفائدة يُنشطان قروضها
وقالت شيماء وجيه الخبيرة المصرفية، إن محافظ التمويل متناهى الصغر نمت خلال العام الماضى، رغم ارتفاع أسعار الفائدة، بفضل توجيهات البنك المركزى بشأن تخصيص 25% من قيمة محفظة القروض بنهاية ديسمبر 2020، للمشروعات المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر.
وأضافت أن التمويلات الموجهة للمشروعات متناهية الصغر تتم فى إطار أسس وسياسات تدعم التحوط من المخاطر متعلقة بالمنح لقطاع متناهى الصغر، موضحة أن تلك المخاطر تعد مقبولة بالنسبة لحجم التمويل الممنوح لهم.
وتوقعت ارتفاع الطلب على القروض متناهية الصغر فى ظل التوقعات بخفض معدلات الفائدة خلال العام الجارى، وتشجيع الدولة على المشروعات الصغيرة والمتوسطة، وومتناهية الصغر، وكذلك التيسيرات التى تُقدمها بعض البنوك لتلك الفئات.
وأشارت إلى أن البنوك تسعى لتنشيط تمويلات تلك الفئات لأنها المُحرك الحقيقى للتنمية الاقتصادية، فضلا على دورها فى تشغيل العمالة، وبالتنسيق مع الجهات الأخرى المعنية به، كجهاز المشروعات الصغيرة والمتوسطة ومتناهية الصغر.
وقال مصدر مصرفى بقطاع الائتمان بأحد البنوك الحكومية، إن تمويلات البنوك للمشروعات متناهية الصغر تأثرت سلبًا خلال العام الماضى بارتفاع تكلفة الاقتراض، ما تسبب تزايد حالات التأخر عن السداد، ارتفاع نسبة التعثر بمعدلات تجاوزت المُحققة فى سنوات ما قبل 2024.
وأضاف أن التمويلات الممنوحة لشركات التمويل متناهية الصغر تراجعت خلال العام الماضى، تأثرًا بالظروف الاقتصادية خلال الفترة الماضى، وتبين ذلك من خلال الحصول على وثائق تأمين ضد مخاطر التعثر وزيادة نسب المخصصات والتدقيق في اختيار العملاء والاعتماد على الاستعلامات الميدانية.
وتوقع أن يشهد القطاع تحسنًا خلال 2025، بعد خفض معدلات الفائدة ونمو الطلب على التمويلات مُجددًا.
وقال باسل رحمى، رئيس جهاز تنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة ومتناهية الصغر، إنه سيتم إطلاق المنصة قومية تشمل خدمات الجهاز والقطاع المصرفى فى مصر، وتستعرض خدمات التمويل المباشر من الجهاز أو التمويل غير المباشر من البنوك والمؤسسات المالية فى مصر.
وبحسب تصريحات له فى نوفمبر الماضى، استفاد نحو 3 ملايين عميل مشروعات صغيرة ومتوسطة من خدمات الجهاز، ولم تتجاوز نسبة التعثر لدى الجهاز 1.5%، والتى تعد نسبة جيدة بالنسبة لحجم السوق المصرى والظروف الاقتصادية المحيطة به.