يسود الهدوء أجواء سوق الأسهم السعودية وسط ترقب لتطورات الاضطرابات الخارجية، والحوافز الداخلية، وذلك بعدما انخفض السوق الأسبوع الماضي في ظل عمليات تصحيح يراها المحللون طبيعية بعد ارتفاعات قوية على مدى أربعة أسابيع تقريباً.
تراجع المؤشر “تاسي” نحو 0.4% خلال الأسبوع الماضي ليغلق دون مستوى المقاومة 12400 نقطة بقليل، وسط تراجع قيم التداولات تعكس حالتا الترقب والهدوء في السوق.
“المعنويات ما زالت جيدة، نرى استقراراً ولا يوجد ارتفاع في التذبذب، النتائج المالية تظل المحرك الأكبر، وربما أيضاً ستؤثر تقييمات المستثمرين لقراءة مؤشر أسعار المنتجين في الولايات المتحدة (التي صدرت مساء الخميس الماضي بعدما اختتم السوق تعاملاته الأسبوعية)” بحسب أحمد الرشيد، محلل مالي أول لدى صحيفة “الاقتصادية”.
كان مؤشر أسعار المنتجين الأمريكي محل اهتمام الأسواق، لكي يتعرف المتعاملون عن كثب على تأثير الزيادات في الرسوم الجمركية الأميركية على وارداتها العالمية ومدى تمرير المنتجين لتلك الزيادات إلى المستهلكين. ارتفع المؤشر 0.4% على أساس شهري ليفوق التوقعات بفعل ارتفاع أسعار الطاقة والغذاء. في الوقت ذاته انخفضت طلبات إعانة البطالة الأمريكية الأسبوعية مما يشير إلى قوة سوق العمل.
انخفاض متوقع
يقول الرشيد إن الانخفاض الأسبوع الماضي كان متوقعاً، بعد موجة ارتفاع للمؤشر على مدى أربعة أسابيع، هي الأطول منذ أبريل 2023، ويضيف: “السوق تجد صعوبة في مواصلة الارتفاعات خاصة بعد مكاسب كبيرة، وفي ظل أن الكثير من الشركات لم تعلن عن نتائجها بعد، وهذا يدفع المتعاملين لبعض جنى الأرباح”.
حتى في ظل الاتجاه الهبوطي الأسبوع الماضي، ثمة ما يشير إلى نقاط مضيئة في السوق، منها تزامن التراجعات مع انحسار السيولة مما يعني أن عمليات البيع ليست مكثفة وإنما هناك انخفاضاً في المشتريات، بسبب عوامل خارجية منها المخاوف حيال رسوم ترمب الجمركية وتأثيرها على نمو الاقتصاد العالمي، بحسب محمد زيدان، المحلل المالي لدى “الشرق”.
تفاؤل من النظرة الفنية للأسواق
أما على المدى المتوسط والطويل، يرى زيدان نظرة تفاؤلية تجاه السوق من الناحية الفنية سواء على مستوى المستهدفات أو مؤشرات أداء الشركات. ويفصل بالقول: “يُتوقع أن يحقق المؤشر تاسي مكاسب تتجاوز 18% في العام الجاري.. مكرر الربحية يبلغ 19 مرة حالياً، دون متوسط 5 سنوات البالغ 22 مرة، وبالتالي فالأسعار دون المستهدفات أو السعر العادل من الناحية الأساسية”.
وأضاف “المؤشر يواجه تصحيحاً من الناحية الفنية.. لكن على المدى المتوسط، ثمة إشارات فيما يخص السلوك السعري بأننا في موجة صاعدة، مما يجعل متوسط مستهدفات المحللين مبررة”. تتوقع الأسواق نمو ربحية الشركات المدرجة في “تاسي” 48% على أساس سنوي في الربع الأول و28% في الربع الثاني، وأن تنمو إيرادات الشركات بنسبة تتجاوز 15% في الربع الأول و11% في الربع الثاني و7% إجمالا في 2025.
“الأنظار على مستوى 12250 و12200 نقطة. الاستقرار عند ذلك المستوى قد يعطي إشارة على أن المؤشر ربما يخترق مستويات مقاومة أعلى مجدداً”، بحسب زيدان.
التطورات الجيوسياسية على رادار المستثمرين
سيتابع المستثمرون التطورات الجيوسياسية في المنطقة بشأن ملف قطاع غزة والتعامل الأمريكي معه والذي تكتنفه حالة من الضبابية، يدفع بعض المتعاملين لتفضيل الإبقاء على السيولة والإحجام عن تكوين مراكز كبيرة بالسوق، وهو سلوك معتاد في الوقت الذي يسود فيه عدم اليقين.
من بين جملة العوامل المؤثرة على السوق، تأتي “الأوضاع العالمية والجيوسياسية والتقلبات التي تشهدها الأسواق الخارجية… المستثمرون يقيمون الأوضاع، خاصة في ظل عدم السيطرة على التضخم الأميركي مما يعني التريث في خفض الفائدة، فضلا عن احتمال انتهاء الصراع في أوكرانيا” بحسب سعد آل ثقفان، عضو مجلس إدارة جمعية الاقتصاد السعودية.
“الرسوم التجارية الأمريكية وتأثيراتها، وكذلك أسعار النفط في المدى القصير ستكون على رادار المستثمرين وذلك نظراً لأن المنطقة ككل، والسعودية في جزء منها، ما زالت تعتمد جزئياً على إيرادات النفط.. صحيح أن المملكة تشهد تنوعاً اقتصادياً ونمواً لحصة القطاع غير النفطي لكن يظل ثمة اعتماد على الخام، لذلك تصل أسعار النفط التي تشهد ضغوطاً، وهناك توقعات بانخفاضها بعض التأثير على أسواق الأسهم في المدى القصير” بحسب آل ثقفان.
الرسوم الجمركية
تراقب الأسواق تأثيرات إعلان الرئيس الأمريكي عن رسوم جمركية جديدة على الدول التي تفرض رسوماً أعلى على البضائع الأمريكية، مما يثير القلق بشأن توسع نطاق حرب تجارية عالمية تؤثر على النمو الاقتصادي وتطلق تسارعا محتملا في وتيرة التضخم بالولايات المتحدة.
تراجعت أسعار النفط، فور أن أعلن الرئيس الأمريكي اتفاقه مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين على إجراء محادثات بشأن إنهاء الحرب في أوكرانيا، وهو ما أثار تكهنات بانحسار العراقيل أمام إمدادات موسكو النفطية.
يرى عضو مجلس إدارة جمعية الاقتصاد أن المتعاملين يترقبون عوامل محركة للسوق في مقدمتها، نتائج أعمال الشركات الكبرى سواء بقطاع الطاقة وعلى رأسها “أرامكو”، وأيضاً قطاعات الاتصالات والمعادن والبتروكيماويات، لكي يتخذوا قراراتهم الاستثمارية، متوقعاً أن تظل السوق تتأثر بالتوترات الخارجية، لكنه لفت إلى أن الغلبة في التأثير ستكمن في مدى قوة النتائج المالية المقبلة.
وأضاف “في المدى المتوسط والطويل، ما من تغيير في شهية المستثمرين تجاه السوق السعودية وذلك بفضل نتائج الأعمال القوية التي بدأت من قطاع المصارف فضلا عن توزيعات الأرباح.. فقط المستثمرون في الأمد القصير هم من يتأثرون بالعوامل الجيوسياسية وأسعار النفط”.