أوصت دراسة حديثة حصلت “البورصة” على نسخة منها، بتحديث الإطار التشريعي لدعم القوانين البيئية، لتشجيع الاستثمارات المستدامة، إضافة إلى تقوية القدرات المؤسسية من خلال تدريب الكوادر الحكومية على إدارة المشاريع الخضراء، وتوسيع أدوات التمويل باستحداث أدوات تمويلية جديدة لدعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة.
ودعت الدراسة التي أعدها الباحث أحمد إسلام أحمد إبراهيم وآخرون، تحت إشراف الدكتورة نهلة عزام، الأستاذ بكلية الدراسات الاقتصادية والعلوم السياسية – جامعة الإسكندرية، إلى أهمية رفع الوعي المجتمعي من خلال حملات توعوية حول فوائد الاقتصاد الأخضر، فضلًا عن دعم الابتكار والبحث العلمي بتمويل البحوث وإنشاء حاضنات للأعمال الخضراء الناشئة.
رؤية مصر 2030
أوضحت الدراسة، المنشورة بمنصة المركز الديمقراطي العربي، أن “رؤية مصر 2030” تعتمد على محور “التنمية الاقتصادية” كأحد أعمدتها الأساسية، متضمنة 7 أهداف رئيسية لتحقيق التنافسية وتنويع مصادر النمو. وتم وضع مؤشرات استراتيجية طموحة، أبرزها معدل النمو الحقيقي للناتج المحلي الإجمالي، إذ تستهدف الرؤية تحقيق نسبة 12% بحلول 2030.
كما تستهدف الرؤية الوصول بنصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي إلى 10 آلاف دولار، وخفض معدلات الفقر عبر تقليل نسبة السكان تحت خط الفقر إلى 15% والفقر المدقع إلى 4%، وضبط التضخم بين 3-5% وخفض البطالة إلى 5%، إضافة إلى خفض الدين العام إلى75 % والعجز الكلي إلى 28%، حسب الدراسة.
التحولات نحو الاقتصاد الأخضر
وحسب الدراسة، تحولت مصر نحو الاقتصاد الأخضر خلال السنوات السابقة، إذ نجحت مشروعات الطاقة المتجددة وحدها استثمارات أجنبية مباشرة بقيمة 40.3 مليار دولار بين عامي 2015 و2022.
كما برز مشروع “بنبان” للطاقة الشمسية في أسوان كواحد من أكبر مجمعات الطاقة الشمسية في العالم، بقدرة إنتاجية تصل إلى ألفي ميجاوات، ما يسهم في تجنب نحو مليوني طن من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون سنويًا.
ويضم مشروع بنبان 40 محطة شمسية، ويهدف إلى توفير 90% من إنتاج السد العالي للكهرباء، وقد نجح المشروع في تحويل المدرسة الثانوية الصناعية في القرية إلى مدرسة متخصصة في الطاقة الشمسية.
وتعتزم مصر أن تصبح من أكبر مصدري الهيدروجين الأخضر في العالم، حيث أقرت “الإستراتيجية الوطنية للهيدروجين منخفض الكربون” التي تركز على إنشاء 12 محطة لإنتاجه بحلول عام 2030، ومن أبرز المشروعات، محطة “العين السخنة” باستثمارات مبدئية تقدر بـ5 مليارات دولار.
وتستهدف المشروعات الموقعة، إنتاج نحو 4 ملايين طن سنويًا من الهيدروجين الأخضر بحلول 2030، مع توقعات بجذب استثمارات تقدر بـ7 مليارات يورو، وتوفير آلاف فرص العمل.
وقد انعكس التحول نحو الاقتصاد الأخضر على المؤشرات الاقتصادية، إذ أظهرت البيانات الرسمية أن تبني سياسات الاقتصاد الأخضر أسهمت في رفع الناتج المحلي الإجمالي وخلق فرص عمل جديدة بالمشروعات الخضراء في قطاعات مثل الطاقة المتجددة وإعادة التدوير والزراعة المستدامة.
وفي قطاع السياحة، الذي يوفر 319 مليون فرصة عالميًا، اتجهت مصر إلى تبني مبادرات مستدامة، إذ أطلقت وزارة السياحة برنامج “النجمة الخضراء” لتشجيع الفنادق على تبني معايير بيئية، بهدف حماية المقومات الطبيعية الفريدة في البلاد، من نهر النيل إلى المحميات الطبيعية، حسب الدراسة.
وأشارت تقارير الأمم المتحدة إلى أن السياحة الخضراء تسهم في توفير أكثر من 132 مليون وظيفة سنويًا عالميًا، وتُعد مصدرًا رئيسًا للعملات الأجنبية، ورغم المقومات السياحية الهائلة التي تمتلكها مصر، مثل نهر النيل الممتد لـ1520 كيلومترًا والمواقع الأثرية)، تواجه السياحة تحدي الآثار البيئية السلبية الناتجة عن كثافة استهلاك وسائل النقل والفنادق للطاقة.
في مواجهة أعباء التمويل والتشريع
يواجه مسار التحول الأخضر تحديات كبيرة، أبرزها الكلفة الباهظة للمشاريع، ومع ذلك، جذبت مصر مبادرة “نُوفِّي” وحدها بـ3.9 مليار دولار لتمويل مشاريع خضراء، كما ترتبط، حسب الدراسة، 85.5% من التغيرات في الاستثمار الأجنبي المباشر بمؤشرات الاقتصاد الأخضر، ما يجعل الاستدامة عاملًا جذب لرأس المال الأجنبي.
توسعات لمواجهة مختلف التحديات
ومن ناحية أخرى، يُعد القطاع الزراعي ركيزة أساسية في الاقتصاد الأخضر، فوفقاً للدراسة، شهدت مصر جهودًا كبيرة في ذلك المجال، إذ ارتفعت نسبة الأراضي الزراعية من إجمالي مساحة البلاد من حوالي 3% في أوائل التسعينيات إلى أكثر من 4% في 2024، حيث تم النمو عبر استصلاح ما يقرب من 3.5 مليون فدان من أصل 150 مليون فدان قابلة للاستصلاح.
ورغم ذلك، ما يزال قطاع الزراعة يواجه تحديات، مثل ضعف الإنتاجية في الأراضي القديمة، ما يتطلب التوسع الرأسي عبر استخدام التكنولوجيا الزراعية الحديثة لزيادة الكفاءة، مع الأخذ في الاعتبار الآثار البيئية للتقنيات الحديثة، مثل تآكل التربة، حسب الدراسة.
وفي قطاع النقل، تبنت مصر استراتيجية لتقليل التلوث، حيث كشفت الدراسة عن مشروع “إحلال السيارات المتهالكة” في القاهرة الكبرى، الذي يستهدف تقليص انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بنحو 244 ألف طن سنويًا.
كما أبرزت الدراسة جهود الدولة في تحويل السيارات الحكومية للعمل بالغاز الطبيعي، وتطوير شبكة الطرق والمحاور منذ عام 2014، بهدف تقليل زمن التنقل وخفض استهلاك الوقود والانبعاثات، وتتجه الحكومة نحو تعزيز النقل المستدام، من خلال مشروعات القطار الكهربائي والمونوريل وتوسعة خطوط المترو والتشجيع على استخدام المركبات الكهربائية، باستثمارات بلغت 3.9 مليار دولار، لتقليل انبعاثات قطاع النقل بنسبة 34%.
ولمواجهة تحدي التلوث الصناعي، أطلقت الحكومة المصرية برامج متكاملة لدعم التحول الصناعي المستدام، إذ يوظف القطاع عالميًا نحو 24% من القوى العاملة، ويستهلك 35% من الكهرباء، ويسهم بـ25% من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون.
ووفقًا للدراسة، أسهمت سياسات التحول الصناعي في تقليل نسب التلوث بنحو 20% وتقليص انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بنسبة 25%، وشمل التحول تنفيذ نحو 120 مشروعًا بيئيًا في الصناعات الصغيرة والمتوسطة، بهدف خلق فرص عمل جديدة في مجالات الاقتصاد الأخضر مثل الطاقة المتجددة وإعادة التدوير.
من الوقود الأحفوري إلى الاستدامة
وفي قطاع الطاقة، شهدت مصر تحولًا، إذ استهدفت الاستراتيجية الوطنية للطاقة رفع مساهمة الطاقة المتجددة لتشكل نحو 42% من إجمالي إنتاج الكهرباء بحلول عام 2035.
وكشفت الدراسة عن استقطاب مصر لاستثمارات أجنبية مباشرة بلغت نحو 41 مليار دولار في قطاع الطاقة المتجددة، كمحطات طاقة الرياح في خليج السويس وجبل الزيت، بقدرة إجمالية تصل إلى 1.2 جيجاوات، ومشروع زراعة الوقود الحيوي على مساحة 1.5 مليون فدان بالصحراء الغربية.
وأوضحت الدراسة أن استهلاك مصر للطاقة المتجددة كنسبة من إجمالي استهلاك الطاقة قد عاد للارتفاع مؤخرًا بعد فترة من التراجع، وذلك بفضل التقدم التكنولوجي الذي خفض من تكلفة إنتاج الطاقة النظيفة، واهتمام الدولة بهذه المشاريع بما يتوافق مع رؤية مصر 2030.
الاستثمار الأجنبي.. قاطرة التمويل الأخضر
أدركت مصر أهمية الاستثمار الأجنبي المباشر (FDI) كأداة حاسمة للتحول الأخضر، ليس فقط لتوفير رؤوس الأموال بل لنقل التقنيات الحديثة، وقد أظهرت الدراسة علاقة إيجابية بين مؤشرات الاقتصاد الأخضر وصافي الاستثمار الأجنبي المباشر في مصر.
وحسب الدراسة، تستهدف مصر زيادة نسبة الاستثمارات الخضراء في إجمالي الاستثمارات العامة من 15% في 2021 إلى 40% في 2023، وصولاً إلى 50% بنهاية 2025.
وحسب الدراسة، احتلت مصر المرتبة الأولى عربيًا في القدرات المركبة لتوليد الكهرباء من مصادر متجددة، بقدرة إجمالية بلغت 6,709 ميجاوات (ما يمثل نحو 12.1% من إجمالي القدرة المركبة في البلاد)، كما استحوذت مشروعات طاقة الرياح، خاصة في خليج السويس، على النسبة الأكبر من الاستثمارات حيث بلغت 78%، تلتها مشروعات الطاقة الشمسية بنسبة 22%، إضافة إلى تنفيذ 19 مشروعًا ضخمًا في مجال الهيدروجين الأخضر، معظمها في المنطقة الاقتصادية لقناة السويس، ما يمثل 97% من إجمالي الاستثمارات الرأسمالية الوافدة.
وبينت الدراسة أن الحكومة اعتمدت حزمة من الحوافز التشريعية والمالية، لتشجيع الاستثمار الأخضر، مثل فرض ضريبة بنسبة 5% على مستلزمات مشروعات الطاقة المتجددة بدلاً من 14% المطبقة على القطاع العام، والإعفاء الجزئي (2%) على واردات معدات وأنظمة الطاقة الشمسية والرياح ومركبات الغاز والكهرباء، إضافة إلى تقديم قروض بفوائد تتراوح بين 2-4% للمراحل الأولى من المشروعات عبر آليات مثل إطار تمويل الطاقة المتجددة (REFF).
واتجهت مصر نحو استخدام الطاقة المتجددة في مشروعات تحلية المياه، مثل محطة العلمين بطاقة إنتاجية تبلغ 150 ألف متر مكعب/يوم، كما تُنفذ مشروع محطة بحر البقر (أحد أضخم مشروعات المعالجة في العالم) بتكلفة تصل إلى مليار دولار، حسب الدراسة.
ولتعزيز توجه الطاقة المتجددة، أصدرت الحكومة حزمة من التشريعات الداعمة، كالمبادرة الوطنية للمشروعات الخضراء الذكية التي دعمت 36 مشروعًا في مجالات حيوية مثل النفايات والزراعة المستدامة، إضافة إلى تحديث قانون الاستثمار ليشمل إعفاءات ضريبية للمشروعات الخضراء، فضلًا عن سوق الكربون الطوعي تحت إشراف هيئة الرقابة المالية لتشجيع الشركات على تقليل انبعاثاتها الكربونية.








