شهد قطاع الأدوية فى البورصة المصرية خلال النصف الأول من 2025 أداءً متباينًا؛ فبينما قفزت مبيعات الشركات بنسبة 50% لتتجاوز 48 مليار جنيه، ضغطت الزيادة الكبيرة فى التكاليف – التى ارتفعت 49% لتسجل 39.6 مليار جنيه – على هوامش الربحية.
ووفقًا لمسح أجرته «البورصة» على 8 شركات مدرجة بالقطاع، ارتفع صافى الأرباح بنسبة 21% خلال الفترة ليصل إلى 1.6 مليار جنيه، فى إشارة إلى أن نمو الإيرادات لم ينعكس بالقدر نفسه على النتائج النهائية.
هذا المشهد أعاد فتح ملف تسعير الأدوية، مع تصاعد مطالب الشركات بزيادات جديدة لمواجهة الضغوط المتصاعدة على تكاليف الإنتاج، وعلى صعيد هوامش الربحية، سجلت الشركات نموًا لكن بوتيرة أبطأ، إذ بلغ متوسط هامش مجمل الربح للشركات ال8 محل المسح نحو 242.5% خلال النصف الأول، مقابل 317% فى الفترة المقابلة من العام الماضي.
ويرى متعاملون، أن إعادة تسعير الأصناف الأساسية ساعدت فى تعافى هوامش الربحية وزيادة أرباح الشركات المدرجة بالبورصة، فيما يحذر آخرون من أن الضغوط لم تنته بعد، مع توقع ارتفاع المصروفات الثابتة بالتزامن مع الزيادات المرتقبة فى أسعار الطاقة، الأمر الذى قد يفرض ضرورة إقرار زيادات سعرية جديدة.
جنينة: لا حاجة لزيادات سعرية جديدة بعد إعادة تسعير معظم الأدوية
ورجح هانى جنينة، رئيس قطاع البحوث فى شركة الأهلى فاروس، أن شركات الأدوية فى الوقت الحالى ليست بحاجة إلى زيادات جديدة فى الأسعار، موضحًا أنه تواصل مع عدد من الشركات المنتجة والموزعة، وأجمعوا على أن معظم الأدوية تم إعادة تسعيرها بالفعل.
وأضاف جنينة، أن الأصناف التى لم يتم إعادة تسعيرها لا تمثل نسبة تذكر من السوق، أو أنها كانت فى الأساس مسعرة بصورة عادلة وهوامش ربحيتها جيدة، وبالتالى لم تكن هناك حاجة لإعادة تسعيرها من البداية.
أوضح أن نتائج أعمال شركات الأدوية خلال النصف الأول من عام 2024 أظهرت أرباحًا قوية انعكست إيجابًا على أداء أسهمها فى البورصة خلال النصف الثانى من 2024 وجزء من 2025، رغم أن القطاع بدأ يشهد بعض الهدوء مؤخرًا.
ويرى أن هناك عوامل أخرى بخلاف زيادات الأسعار كان لها أثر إيجابى على القطاع، أبرزها أن بعض الشركات، مثل إيبيكو، كانت قد اقترضت بالدولار لتمويل مصنع «إيبيكو 3» الخاص بالبايو سيميلرز، ما جعلها عرضة لتأثيرات حركة سعر الصرف.
وأضاف أن النصف الأول من 2024 شهد انخفاضًا ملحوظًا فى حجم الإنتاج، مقارنة بالطاقة الإنتاجية المتاحة، ليس فقط بسبب نقص الدولار، ولكن أيضًا نتيجة توقف الشركات عن الإنتاج لحين إعادة تسعير منتجاتها.
وأوضح أن الشركات لم تكن قادرة على البيع بالأسعار القديمة المثبتة على عبوات الدواء، لذلك فضلت التوقف عن الإنتاج إلى أن تمت إعادة التسعير بداية من مايو ويونيو 2024.
ويرى جنينة، أن نتائج هذا العام تعكس بوضوح أثر ثلاثة عوامل رئيسية: أولها إعادة التسعير التى شملت نحو 90% من الأدوية الأساسية والمؤثرة، وثانيها اختفاء تأثير فروق سعر الصرف فى النصف الأول من العام الجاري، وثالثها عودة الإنتاج والمبيعات لمستوياتها الطبيعية، وهو ما ظهر جليًا فى نتائج شركات التوزيع والتصنيع.
وشهد السوق مطلع 2023 وبداية 2024 أزمة نقص حادة فى الأصناف الدوائية بسبب أزمة العملة وقيود الاستيراد، إلى أن أعلنت الحكومة فى أكتوبر الماضى حل الأزمة بالكامل بعد تحريك أسعار مجموعة من الأدوية بنسبة تراوحت بين 35% و40%.
عوف: 100 شركة تطالب بزيادة أسعار 500 مستحضر دوائي
وكشف رئيس شعبة الأدوية بالغرفة التجارية المصرية على عوف، عن مطالبات 100 شركة أدوية محلية وأجنبية عاملة فى السوق المصري بزيادة أسعار منتجاتها بنسب تصل إلى 30%، وذلك لأكثر من 500 مستحضر دوائي.
النادي: التصدير والتوريدات الحكومية صمام أمان لشركات الأدوية
ومن جانبه، قال محسن النادي، مدير علاقات المستثمرين بشركة العربية للأدوية والصناعات الكيماوية لـ”البورصة”، إن شركات الأدوية تحتاج فى الوقت الراهن إلى التوسع فى التصدير وزيادة التوريدات الحكومية، إلى جانب تعزيز الدعاية فى السوق المحلي، مشددًا على أن العنصر الأهم يتمثل فى استمرار المرونة فى التسعير واستجابة الحكومة لتحريك الأسعار عند الضرورة.
وأشار إلى أن تلك العوامل انعكست بشكل واضح على نتائج أعمال الشركات خلال الفترة الماضية، وساهمت فى تحسين الأداء رغم التحديات التى يواجهها القطاع.
ووفقًا للمسح، ارتفع صافى أرباح 6 شركات، على رأسها ابن سينا فارما بنسبة 75%، والعاشر من رمضان للصناعات الدوائية – راميدا بنسبة 40%، فى المقابل، تراجع صافى الربح فى شركتين، هما مينا فارم للأدوية والصناعات الكيماوية بنسبة 2.08%، وجلاكسو سميثكلاين بنسبة 29.3%.
شفيع: التكاليف ترتفع أسرع من الإيرادات وتضغط على الهوامش
من جانبه قال مصطفى شفيع، رئيس قسم البحوث بشركة عربية أون لاين لتداول الأوراق المالية، إن إيرادات شركات الأدوية شهدت نموًا ملحوظًا خلال الفترة الماضية بدعم من زيادات الأسعار، غير أن هذا التحسن قابله ارتفاع أكبر فى التكاليف، ما ضغط على هوامش ربحية الشركات.
وأضاف أن معظم الشركات سجلت تراجعًا فى هامش مجمل الربح، وهو ما يمثل أزمة حقيقية، إذ يفترض على الأقل أن توازى زيادة الإيرادات ارتفاع التكاليف للحفاظ على استقرار الهوامش.
وأكد أن القطاع مازال بحاجة إلى زيادات سعرية إضافية حتى تتمكن الإيرادات من تغطية الزيادة المتصاعدة فى تكاليف الإنتاج.
وأشار شفيع إلى أن الدولة تتعامل بحذر شديد مع ملف تسعير الأدوية باعتبارها سلعة استراتيجية تمثل جزءًا أساسيًا من إنفاق الأسر، لافتًا إلى أن أى تحريك للأسعار ينعكس مباشرة على معدلات التضخم.
وأوضح أن هذا الوضع دفع الشركات إلى توجيه جزء كبير من إنتاجها للتصدير، بينما يخصص الباقى للسوق المحلي، وهو ما يتسبب فى نقص بعض الأصناف داخل السوق المصرية.
عبدالنبي: الشركات تلجأ لمستحضرات التجميل لتعويض خسائر الأدوية الحيوية
وقال أحمد عبدالنبي، رئيس قسم البحوث بشركة مباشر لتداول الأوراق المالية، إن أزمة نقص الأدوية فى السوق المصرى حقيقية، خاصة فيما يتعلق ببعض الأنواع الحيوية التى تُسعّر إجباريًا من قبل الحكومة، بينما تشهد تكاليف إنتاجها ارتفاعًا مستمرًا.
وأوضح عبدالنبى، أن المشكلة الرئيسية تكمن فى أن 80% من مكونات الأدوية يتم استيرادها من الخارج، وهو ما يرفع من تكلفة الإنتاج بشكل كبير، فى حين لا تتحرك الأسعار الرسمية لتواكب هذه الزيادات، مما يؤدى إلى تكبد الشركات خسائر.
وأشار عبدالنبى إلى أن بعض الشركات تحاول تحقيق توازن مالى من خلال الاعتماد على أرباح مستحضرات التجميل وبعض أنواع الأدوية الأخرى غير المسعّرة، لتعويض الخسائر التى تتكبدها فى المنتجات الأساسية.
ويرى أن الشكاوى المستمرة من شركات الأدوية تعود إلى عدم قدرتها على الاستمرار فى إنتاج بعض الأدوية الحيوية مثل أدوية الضغط، القلب، والسكر بسبب ارتفاع تكلفتها وثبات أسعار بيعها، ما يؤدى فى النهاية إلى نقص هذه الأدوية فى السوق، لاسيما فى فترات الأزمات.
وعلى صعيد هوامش ربحية الشركات محل المسح، ارتفع هامش مجمل الربح فى 4 شركات، كان من أبرزها سبأ الدولية للأدوية والصناعات الكيماوية التى سجلت 60.07%، ومينا فارم التى حققت 38.2%، بينما تراجع الهامش فى 4 شركات أخرى، من بينها المصرية الدولية للصناعات الدوائية – إيبيكو التى سجلت 45.9%، والعبوات الدوائية التى بلغت 38.6%.
مصدر: الشركات تضع خططًا استراتيجية لمواجهة ضغوط التكلفة
وأوضح مصدر بإحدى الشركات محل المسح، أن القطاع شهد خلال الفترة الماضية تقلبات متعددة، بدأت مع أزمة نقص الدولار التى أثرت على استيراد المواد الخام، قبل أن تنفرج الأزمة مع توافر العملة الصعبة.
وأكد على أن التحدى الأكبر حاليًا يتمثل فى ارتفاع التكاليف، فى ظل صعوبة تحريك أسعار الأدوية لكونها سلعة استراتيجية، مشيرًا إلى أن هناك حالة من القلق مع اقتراب أكتوبر المقبل.
توقع أن يشهد السوق زيادات جديدة فى أسعار الكهرباء والبنزين، ما يعنى ارتفاع المصروفات الثابتة على الشركات، وهو ما يستلزم زيادات سعرية موازية.
وأضاف أن شركات الأدوية تعمل حاليًا على وضع خطط استراتيجية للتعامل مع هذه التحديات، بما يضمن استمرار النشاط رغم الضغوط المتزايدة.
