مخاطر في زامبيا وتشاد وجنوب السودان وسط التهام خدمة الديون 45% من الإيرادات
في ظل ارتفاع تكاليف الاقتراض وتقليص الحكومات الغربية، بما في ذلك المملكة المتحدة، لموازنات المساعدات، أصبحت الديون غير المستدامة تدفع نحو أزمة تنموية في أنحاء الجنوب العالمي.
في أحدث مثال على ذلك، واجهت إثيوبيا الأسبوع الماضي تهديداً بمقاضاتها من قبل دائنيها أمام المحاكم الإنجليزية، بعد انهيار مفاوضات مطوّلة لإعادة هيكلة مليار دولار (ما يعادل 740 مليون جنيه إسترليني) من ديونها.
وفي عدد من الدول الأخرى، من بينها زامبيا وتشاد وجنوب السودان، قام المقرضون من القطاع الخاص بإطالة أمد أو تعطيل الجهود الرامية لإعادة هيكلة القروض، وهي عمليات تستغرق في كثير من الأحيان سنوات، حسب ما نقلته مجلة “الجارديان” البريطانية.
أظهر تحليل جديد نُشر الأسبوع الماضي تزامناً مع اجتماعات صندوق النقد الدولي والبنك الدولي في واشنطن، أعدّته مجموعة “ديفلوبمنت فاينانس إنترناشونال”، مدى ضخامة العبء القائم.
فقد وجد التحليل أن كلفة خدمة الديون في دول الجنوب العالمي باتت تلتهم ما يعادل 45% من إيرادات الحكومات، أو ما يصل إلى 70% في الدول منخفضة الدخل.
الحكومات تنفق 3 أضعاف ميزانية التعليم و4 أضعاف ميزانية الصحة لسداد الديون
ومع بقاء أسعار الفائدة مرتفعة، تنفق الحكومات الآن ثلاثة أضعاف ما تنفقه على التعليم لسداد ديونها، وأكثر من أربعة أضعاف ما تنفقه على الصحة.
وهذه أزمة تنموية لأنها تحد من قدرة الدول على تحسين حياة مواطنيها، كما أنها تُهدد بأن تصبح أزمة ديمقراطية إذا خضع الساسة، على اختلاف توجهاتهم، للقيود المالية الساحقة ذاتها.
يطالب النشطاء والدول النامية بإصلاح جذري.
ومع ترأس جنوب أفريقيا لمجموعة العشرين هذا العام، كان كثيرون يأملون في تحقيق تقدم، غير أنّ المجموعة، ورغم اعترافها بحجم المشكلة في بيان صدر في واشنطن الأسبوع الماضي، لم تقدم حلولاً ملموسة.
وقال أشخاص مطلعون على المحادثات التي أفضت إلى البيان إن اقتراحاً أكثر طموحاً، يقضي بتكليف صندوق النقد الدولي بدراسة سبل تقديم مزيد من المساعدة للدول التي تواجه أزمات، رُفض من جانب الصين.
وقال مدير “ديفلوبمنت فاينانس إنترناشونال”، ماثيو مارتن: “لا يوجد في البيان ما يمكن أن يُحدث فرقاً في حياة الناس في الدول الفقيرة”.
وقالت باتريسيا ميراندا، مديرة المناصرة العالمية في مجموعة العدالة الاجتماعية بأمريكا اللاتينية “لاتينداد”، إن الدول التي تعمل معها تُصنفها المؤسسات الدولية، بما في ذلك صندوق النقد الدولي، على أنها تتحمل أعباء ديون مستدامة، في حين أن الواقع الشعبي يثبت عكس ذلك تماماً.
وأضافت: “عندما نعقد اجتماعات مع أعضائنا في أمريكا اللاتينية، يقولون لنا: كيف يمكن القول إن ديون بلادنا مستدامة؟ ما معنى الاستدامة إذا كانت حياتنا مهددة، وليس لدينا خدمات عامة أو مياه نظيفة، ونعاني من انعدام الأمن الغذائي؟”.
يُعد إصلاح منهجية صندوق النقد الدولي لتحليل استدامة الديون، التي تخضع حالياً للمراجعة، أحد المطالب الأساسية للنشطاء الذين يريدون إصلاح النظام المتعدد الأطراف القائم لتخفيف الديون، المعروف باسم “الإطار المشترك لمجموعة العشرين”.
وترى “ديفلوبمنت فاينانس إنترناشونال” أنه بمجرد تأهل الدول منخفضة الدخل لهذا النظام، ينبغي وضع سقف لمدفوعات خدمة ديونها لا يتجاوز 10% من الإيرادات، بما يسمح “بإتاحة أكبر قدر ممكن من المساحة المالية للدول للتقدم في مكافحة عدم المساواة وأزمات المناخ والطبيعة”.
ومن بين المطالب الواسعة الدعم أيضاً تعديل الإطار القانوني المتعلق بديون القطاع الخاص، التي تصدر غالبيتها بموجب القانون الإنجليزي.
تدعو الجمعيات الخيرية البريطانية العاملة في مجال التنمية إلى تشريع جديد يمنع الدائنين التجاريين من الحصول على شروط أفضل من الأطراف الأخرى في اتفاقات إعادة هيكلة الديون، ويمنعهم كذلك من مقاضاة الحكومات المدينة أثناء سير عملية إعادة الهيكلة، كما هو مهدد في حالة إثيوبيا.
في البداية، أبدى عدد من الشخصيات البارزة في حزب العمال البريطاني حماساً لهذه الفكرة، لكن يبدو أنهم تراجعوا عنها بعد القرار الذي صدر في وقت سابق من هذا العام بتقليص موازنة المساعدات الحكومية.
وقال مسؤولون حكوميون إن وزارة الخزانة متشككة، معتبرين أن مثل هذه التغييرات القانونية قد تؤثر سلباً على استثمارات القطاع الخاص، بينما يشتبه النشطاء في وجود ضغوط من القطاع المالي.
ويعد معهد التمويل الدولي من الجهات التي عارضت علناً تغييرات قانونية مماثلة في الولايات المتحدة.
ورغم التحفظات على الإصلاح القانوني، أبدت المملكة المتحدة اهتماماً بلعب دور الوسيط في قضية الديون السيادية، حيث أعلن وزير الخزانة عن تأسيس “التحالف اللندني” لتسهيل التواصل مع المقرضين من القطاع الخاص.
لكن منذ خفض نسبة المساعدات في فبراير من 0.5% إلى 0.3% من الدخل القومي، انصب تركيز وزيرة التنمية البريطانية جيني تشابمان على تحديد المشاريع الخارجية التي ستتوقف.
ومن المتوقع إعلان النتائج خلال الأشهر المقبلة، حيث ستنسحب المملكة المتحدة كلياً من بعض الدول.
وتأتي هذه التخفيضات في وقت تقلص فيه دول أخرى، من بينها الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا، موازناتها المخصصة للمساعدات أيضاً.
ولا يُتوقع إحراز تقدم كبير في ملف تخفيف الديون العالمية العام المقبل، عندما تتولى الولايات المتحدة رئاسة مجموعة العشرين.
لكن المملكة المتحدة قد تتولى الرئاسة في عام 2027، ويستعد النشطاء بالفعل لحث حزب العمال على استغلال الفرصة للدفاع عن نظام أكثر إنصافاً.
وقال تيم جونز، مدير السياسات في منظمة “ديت جاستس”، إن “عملية تخفيف الديون تستغرق وقتاً طويلاً للغاية، وتترك الدول عرضةً لأزمات الديون. يجب على المملكة المتحدة أن تستغل رئاستها المحتملة لمجموعة العشرين في 2027 للدفاع عن تغييرات جذرية، تشمل إعفاءات أعمق وأسرع، وتعليق المدفوعات أثناء المفاوضات”.
إنها قضية معقدة تتطلب براعة سياسية في التعامل معها، لكن في عصر الموازنات المنكمشة، قد تتيح لحزب العمال التقدم خطوة نحو وعده الانتخابي بـ”استعادة دور بريطانيا القيادي عالمياً في مجال التنمية”.
وتختتم ميراندا من “لاتينداد” قائلة: “ما نسمعه باستمرار هو أن الأمر صعب ومعقد، وهذا أقصى ما يمكن تحقيقه، لكنني أرى العكس تماماً، فالظروف القاسية هي التي تفرض علينا نقطة تحول، الآن”.








