ألقى قرار البنك المركزي المصري، برفع أسعار الفائدة على مبادرات التمويل العقاري لمتوسطي ومحدودي الدخل ، بظلاله على السوق العقاري، وسط تحذيرات من أن القرار قد يعمّق حالة التباطؤ في الطلب، ويغير أنماط التملك والإيجار، ويقيد قدرة الشرائح المتوسطة والمنخفضة على الحصول على سكن مناسب بشروط ميسرة.
ففي منتصف أكتوبر الحالي ، أقرّ البنك المركزي رفع سعر العائد على مبادرة متوسطي الدخل إلى 12% متناقصة بدلاً من 8%، وزيادة سعر الفائدة على برنامج محدودي ومتوسطي الدخل إلى 8% متناقصة بدلاً من 3%، وهو ما وصفه مطورون وخبراء بأنه «تحول جوهري» في سياسة الدعم العقاري التي تبنتها الدولة خلال السنوات الأخيرة لتحفيز الطلب وتوسيع قاعدة التملك.
وبحسب آراء عدد من الخبراء والمحللين الذين استطلعت «البورصة» رؤيتهم، فإن القرار جاء في توقيت يشهد فيه السوق العقاري ضغوطاً على جانب الطلب بسبب ارتفاع الأسعار وتكلفة البناء، إلى جانب تراجع القوة الشرائية للمستهلكين، مؤكدين أن المبادرات الجديدة ستستثني فعلياً الشرائح الأقل دخلاً من منظومة التمويل العقاري التي كانت تمثل لهم فرصة رئيسية للحصول على سكن.
قال مصطفى شفيع، رئيس قسم البحوث بشركة عربية أون لاين لتداول الأوراق المالية، إن مبادرات التمويل العقاري التي شملها القرار تستهدف بشكل رئيسي مشروعات الأهالي والمجمعات السكنية الحكومية، وليست موجهة إلى مشروعات شركات التطوير العقاري الكبرى، التي تعتمد في الأساس على أنظمة تمويل ذاتية للعملاء.
وأوضح أن الزيادة في الفائدة ستحد من المبيعات الفردية ضمن المبادرات، لكنها لن تؤثر على الشركات الكبرى التي تقدم برامج تقسيط طويلة الأجل بدون فوائد، وتستطيع تحمل أعباء التمويل.
وأضاف شفيع أن الدولة تتجه تدريجياً نحو رفع الدعم غير المباشر، وتقليص الفجوة بين أسعار الفائدة في المبادرات العقارية وأسعار الفائدة الرسمية للبنك المركزي، لتقليل العبء عن الموازنة العامة.
وأشار إلى أنه من الطبيعي في ظل هذه الظروف أن نشهد تحولاً جزئياً في أنماط الطلب من الشراء إلى الإيجار، خاصة بين الشرائح التي كانت تعتمد على الفائدة المنخفضة للتمويل، متوقعاً أن تلجأ شركات التمويل العقاري إلى تصميم أنظمة سداد جديدة أكثر مرونة لتفادي التعثر المحتمل في سداد الأقساط مع ارتفاع التكلفة الشهرية.
تتزامن الزيادة الجديدة في أسعار الفائدة مع ارتفاع تكاليف التمويل والإنشاءات، ما يضع المطورين والممولين أمام معادلة صعبة بين الحفاظ على حجم المبيعات وضمان الاستدامة المالية.
وفي الوقت الذي تعمل فيه الدولة على ترشيد دعم الفائدة وتقليل الأعباء عن الموازنة، يواجه السوق حاجة متزايدة لتوفير أدوات تمويل ميسرة تدعم قدرة المواطنين على التملك، خصوصاً في ظل الارتفاعات الكبيرة في أسعار العقارات.
الشيخ: القرار جاء عكس اتجاه السوق والمطالبات بخفض الفائدة
قال علاء الشيخ، خبير التسويق العقاري، إن توقيت القرار جاء معاكساً للتوقعات والمطالبات بخفض أسعار الفائدة لتحفيز حركة الشراء في سوق يعاني من بطء الطلب خلال العام الجاري.
وأوضح أن رفع الفائدة بهذا الشكل سيؤدي إلى إبطاء وتيرة المبيعات، ودفع شريحة كبيرة من الراغبين في التملك نحو شركات التطوير العقاري التي تمنح أنظمة تقسيط تمتد إلى 8 و10 سنوات دون فوائد، وهو ما يجعل منتجات التمويل العقاري الرسمية أقل جاذبية.
وأشار الشيخ إلى أن القطاع الاقتصادي هو الأكثر تأثراً بالقرار، باعتباره المعتمد الأكبر على التمويلات المصرفية والمبادرات الحكومية، في حين قد يتجه العملاء من متوسطي الدخل إلى البحث عن بدائل تمويلية خارج الإطار الرسمي أو اللجوء إلى الإيجار.
ولفت إلى أن سوق الإيجارات قد تشهد انتعاشاً نسبياً خلال الفترة المقبلة، بعد تراجع الأسعار مؤخراً نتيجة عودة أعداد كبيرة من السودانيين إلى بلادهم، ما وفر وحدات شاغرة في مناطق عديدة كانت تشهد ضغطاً على الطلب.
وأضاف أن شركات التمويل العقاري ستسعى لمواجهة ضعف الإقبال عبر زيادة رؤوس أموالها أو طرح منتجات جديدة تتناسب مع قدرة المستهلكين على السداد، مشيراً إلى أن المستويات العادلة للفائدة على مبادرات التمويل يجب ألا تتجاوز 7-10% لمتوسطي الدخل و3% لمحدودي الدخل حتى تظل فعالة.
عبدالنبي: السوق يشهد وفرة في المعروض ومنافسة في التقسيط
من جانبه، قال أحمد عبدالنبي، رئيس قسم البحوث بشركة مباشر لتداول الأوراق المالية، إن السوق العقاري المصري يشهد حالياً وفرة في المعروض السكني، لا سيما في المدن الجديدة، وهو ما دفع شركات التطوير إلى تقديم مبادرات تقسيط طويلة الأجل لجذب العملاء في ظل ضعف الطلب.
وأوضح عبدالنبي أن رفع أسعار الفائدة لمتوسطي ومحدودي الدخل سيزيد من حالة التباطؤ في قرارات الشراء، إذ إن هذه الشرائح تعتمد في الأساس على التمويل المصرفي المدعوم لتغطية فجوة الأسعار.
وأشار إلى أن محدودي الدخل بحاجة إلى برامج تمويل بفائدة منخفضة تتراوح بين 5 و8% حتى يتمكنوا من الدخول في منظومة التمويل العقاري، محذراً من أن ارتفاع الفائدة بهذا الشكل سيُبعد شريحة واسعة من المشترين المحتملين عن السوق الرسمي.
وأكد أن استمرار السياسات الحالية سيؤدي إلى تعمّق الفجوة بين قدرات المشترين والأسعار السائدة، في وقت تواجه فيه الشركات ضغوطاً لتمويل مشروعاتها، ما قد ينعكس على وتيرة تسليم الوحدات الجديدة.
عبدالحميد: ارتفاع الفائدة يخرج منخفضي الدخل من الصورة تماماً
قال أيمن عبدالحميد، العضو المنتدب لشركة الأولى للتمويل العقاري، إن قرار رفع الفائدة سيؤدي عملياً إلى خروج شريحة منخفضي الدخل من دائرة التمويل العقاري، إذ لن يتمكنوا من تحمل قيمة الأقساط الشهرية في ظل ارتفاع تكلفة التمويل.
وأوضح أن التأثير الأكبر سيكون على قدرة العملاء على السداد المنتظم وليس فقط على قرارات الشراء، حيث سيرتفع عبء القسط الشهري بنسب كبيرة، ما يرفع مخاطر التعثر في السداد لدى بعض الفئات.
وأضاف أن الطلب في شريحتي محدودي ومتوسطي الدخل ما زال قوياً ويفوق حجم المعروض، إلا أن زيادة الفائدة تقلل من قدرتهم على ترجمة هذا الطلب إلى قرارات شراء فعلية، مشيراً إلى أن شركات التمويل العقاري ستحتاج إلى إعادة تقييم نماذج أعمالها في ضوء التطورات الجديدة.
ومن المتوقع أن تشهد شركات التمويل العقاري تراجعاً في حجم التمويلات الجديدة خلال الربع الأخير من العام، خاصة في الفئة المستهدفة من المبادرات، ما قد يضغط على معدلات النمو في القطاع بشكل عام.








