في خطوة تعكس تشددًا رقابيًا متزايدًا داخل الجهاز المصرفي، فرض المركزي المصري غرامات مالية بلغت نحو مليار و170 مليون جنيه على كل من بنك أبوظبي الأول – مصر، وبنك الكويت الوطني – مصر، بسبب مخالفتهما قواعد منح التسهيلات الائتمانية، بعد إصدار تمويل لصالح شركة بلتون القابضة التابعة لمجموعة شيميرا الإماراتية.
وتُعد هذه العقوبة الأكبر في تاريخ القطاع المصرفي المصري، إذ لم تقتصر على الغرامة المالية فحسب، بل شملت أيضًا مطالبة البنك المركزي بإجراء تعديلات إدارية، من بينها نقل رئيس مخاطر الائتمان في أحد البنكين.
قال خبراء مصرفيون ، إن قرار البنك المركزي يأتي بعد تحريات دقيقة ومراجعات متتابعة، إذ يعتمد البنك نهجًا رقابيًا تدريجيًا قبل اتخاذ أي إجراء عقابي مباشر.
وأشاروا إلى أن هذه الخطوة تؤكد التزام البنك المركزي المصري بتطبيق أعلى معايير الشفافية والحوكمة، وضمان سلامة توجيه التسهيلات الائتمانية للأغراض المحددة لها، بما يحافظ على استقرار النظام المصرفي وحماية أموال البنوك والمودعين.
أكد أحمد أبو الخير، الخبير المصرفي، أن الغرامة تمثل خطوة استثنائية من حيث حجمها ودلالتها، إذ تعكس توجهًا واضحًا نحو تعزيز الانضباط والرقابة داخل السوق المصرفي، وضمان التزام المؤسسات المالية بالمعايير المنظمة للعمل المصرفي دون استثناء بين البنوك المحلية والأجنبية.
وأوضح أن التأكد من استخدام التسهيلات الائتمانية في الغرض المحدد لها يعد من الركائز الأساسية للائتمان السليم، وهو ما يمثل ضمانة رئيسية لحماية أموال البنوك والحفاظ على استقرار النظام المالي.
أضاف أبو الخير، أن إجراءات منح التسهيلات الائتمانية تبدأ بدراسة متكاملة للنشاط المطلوب تمويله، وتشمل تقديم مستندات تثبت الاحتياج الفعلي للتمويل لضمان جدية الغرض ومصداقية العميل.
وتابع أن عقود التسهيلات تنص صراحةً على الغرض المحدد للتمويل، وأن أي استخدام مخالف لذلك يُعد إخلالًا تعاقديًا جسيمًا يعرض العميل للمساءلة القانونية.
وأوضح أن الضمانات القانونية والمصرفية تعد ركيزة أساسية لحماية حقوق البنوك، وتشمل رهن أصول أو تقديم ضمانات مالية تتيح استرداد المستحقات في حال إساءة استخدام التمويل.
أكد أبو الخير، أن البنك المركزي المصري لا يفرض الغرامات بصورة عشوائية، بل يعتمد على منظومة دقيقة تستند إلى أحكام المادة (144) من قانون البنك المركزي والجهاز المصرفي رقم 194 لسنة 2020، التي تمنح مجلس الإدارة صلاحية توقيع الجزاءات بعد التحقق الكامل من المخالفة.
وأوضح أن العقوبة المفروضة على بنك أبوظبي الأول تمثل ضربة مؤقتة لصورة البنك المهنية داخل السوق، وقد تثير بعض التحفظات لدى العملاء والمستثمرين بشأن كفاءة أنظمته الرقابية، إلا أن أثرها المالي يظل محدودًا نظرًا لقوة القاعدة الرأسمالية للبنك وارتفاع ملاءته المالية.
وشدد على أن الثقة في القطاع المصرفي لا تُقاس فقط بحجم الأصول أو القوة المالية، وإنما تُبنى على مستوى الانضباط والالتزام التنظيمي، موضحًا أن الغرامة المليارية تمثل رسالة إصلاحية تهدف إلى رفع كفاءة الممارسات الائتمانية وضمان نزاهة التعاملات داخل المنظومة المصرفية.
وتابع أبو الخير أن هذه الواقعة، رغم ما تحمله من تحديات آنية، تمثل نقطة تحول إيجابية في مسار تطوير بيئة مصرفية أكثر انضباطًا وشفافية، بما يعزز استقرار الجهاز المصرفي المصري ويدعم ثقة المستثمرين المحليين والأجانب على المدى الطويل.
« فهمي »: قرار “المركزي” إنذار للبنوك بضرورة الالتزام والرقابة الصارمة على التسهيلات الائتمانية
وقال ماجد فهمي، الخبير المصرفي، إن الغرامة التي فرضها البنك المركزي المصري تمثل أمرًا سلبيًا يؤثر بلا شك على سمعة أي بنك، موضحًا أن ما حدث يعد سابقة غير مألوفة في تاريخ الجهاز المصرفي من حيث نوعية الإجراءات التي يتخذها البنك المركزي.
وأضاف أن قرارات المركزي الأخيرة تحمل رسائل واضحة إلى جميع البنوك العاملة في السوق، مفادها أن أي بنك يتقاعس أو يخرق القوانين سيتحمل النتائج كاملة، وأن “المركزي” يمارس رقابة صارمة ودورية ولن يتهاون مع أي مخالفات تتعلق باستخدام التسهيلات الائتمانية.
أشار فهمي إلى أن مثل هذه الغرامات لا تقتصر آثارها على السمعة فحسب، بل تمتد لتؤثر على ربحية البنك وأرقامه المالية نتيجة تكبد مبالغ كبيرة وتراجع الثقة المؤسسية.
وأوضح الخبير المصرفي أن لدى البنوك وسائل متعددة لمتابعة التسهيلات الائتمانية والتأكد من استخدامها في الأغراض المحددة، من بينها التأكد من فتح الاعتماد بالطريقة الصحيحة والتحقق من مصادر الشراء وطبيعة المشتريات.
وأشار إلى أن البنوك تقوم بزيارات دورية لعملائها لمراجعة التسهيلات الممنوحة ومتابعة المستندات والأوراق الداعمة للتمويل، بما يعزز من كفاءة الرقابة الداخلية ويضمن الالتزام بالشروط المحددة في العقود.
وحذر فهمي، من احتمال وجود تفاصيل أو ملابسات إضافية دفعت البنك المركزي إلى فرض هذه الغرامات على عدد من البنوك بسبب مخالفة استخدام التسهيلات الائتمانية للأغراض المخصصة لها، مؤكدًا ضرورة دراسة هذه الجوانب بعناية لتحديد مصدر التقصير بدقة.
وأوضح أن التحقق من طبيعة أي مخالفة أمر أساسي لمعرفة ما إذا كانت نتيجة إهمال فني أو تقصير إداري أو نية مسبقة لاتخاذ قرارات غير منضبطة.
وتوقع فهمي أن تؤدي هذه التطورات إلى تغييرات داخلية في إدارات المخاطر والائتمان في بعض البنوك، مع تشديد الإجراءات الرقابية على المستويات التنفيذية المختلفة، مشيرًا إلى أن البنوك ستتجه خلال الفترة المقبلة إلى الالتزام الصارم بالمعايير والرقابة الدقيقة على جميع العمليات لضمان الانضباط الكامل داخل القطاع المصرفي.
« النعماني »: البنك يتبع إجراءات تصاعدية لضمان الانضباط ولا يفرض الغرامات مباشرة
وقال أحمد النعماني، الخبير المصرفي، إن البنوك تقوم بزيارات دورية للتحقق من استخدام العميل للتمويل في الغرض المخصص له، والتأكد من أن المشروع الممول قد بدأ تنفيذه فعليًا، موضحًا أن عملية الصرف تتم على مراحل متتابعة بحيث لا يُصرف الجزء التالي من التمويل إلا بعد التأكد من التزام العميل بشروط المرحلة السابقة.
وأضاف أن البنوك تضع مجموعة من الضمانات القانونية التي تتيح لها استرداد حقوقها في حال إخلال العميل بشروط الاستخدام، مشيرًا إلى أن هذه البنود تُدرج فى عقد التمويل لضمان حماية أموال البنك وتوجيه التمويل نحو الأغراض المقررة.
وأوضح النعماني، أن البنك المركزي لا يفرض الغرامات بشكل مباشر، بل يتبع سلسلة من الإجراءات التصاعدية تبدأ بتوجيه تنبيه للبنك، ثم إجراء تحقيق مبدئي للتأكد من وجود المخالفة، يلي ذلك توجيه لوم رسمي، وفي حال استمرار المخالفة أو عدم تصحيح الوضع، يتم فرض الغرامة وفق القواعد المنظمة لضمان الالتزام داخل القطاع المصرفي.
وأكد أن الغرامات تؤثر سلبًا على سمعة البنك وتنعكس على تصنيفه الائتماني لدى المؤسسات الدولية، ما قد يؤدي إلى تراجع تقييمه وضعف قدرته على الاقتراض أو التعامل مع البنوك الخارجية.
أشار النعماني، إلى أن مثل هذه المخالفات تجعل البنك المركزي أكثر تحفظًا في التعامل مع البنوك المعنية، حيث يطالبها بزيادة المخصصات عند منح الائتمان، ما يحد من قدرتها التمويلية ويؤثر على مركزها التنافسي داخل السوق المصرفي.
