كشف تقرير حديث لشركة إرنست آند يونج (EY) العالمية، أن قطاع الإقراض غير المصرفي في مصر يشهد تحولاً جذريًا مدفوعًا بالتكنولوجيا والبيانات، وسط توسع ملحوظ في استخدام المنصات الرقمية لتقديم خدمات التمويل، لكنه في الوقت نفسه يواجه مخاطر متزايدة تتعلق بالأمن السيبراني، والامتثال التنظيمي، وحماية المستهلك.
وأشار التقرير إلى أن السوق المصرية أصبحت من بين الأسواق الأكثر نشاطًا في الشرق الأوسط وإفريقيا في مجال التمويل غير المصرفي، خاصة مع دخول عدد متزايد من الشركات الناشئة التي تعتمد على التكنولوجيا المالية لتقديم خدمات الإقراض للأفراد والمشروعات الصغيرة والمتوسطة.
وحذر التقرير من أن النمو السريع لهذا القطاع قد يُعرّض المنظومة لمخاطر تشغيلية وتنظيمية متزايدة ما لم تُعزز المؤسسات العاملة فيه من ضوابط الحوكمة والشفافية.
صعود التمويل الرقمي في مصر
بحسب التقرير، فإن التحول الرقمي في الإقراض غير المصرفي أصبح واقعًا ملموسًا في السوق المصرية، مدفوعًا بزيادة الاعتماد على التكنولوجيا المالية وتوسّع قاعدة المستخدمين عبر التطبيقات والمنصات الرقمية. وأوضح أن شركات التمويل الاستهلاكي وشركات التكنولوجيا المالية (FinTech) قادت هذا التحول عبر أدوات ذكية لتحليل الجدارة الائتمانية، واستخدام البيانات الضخمة لتقديم التمويل بسرعة وكفاءة.
ولفتت “إرنست آند يونغ” إلى أن هذه الديناميكية خلقت بيئة أكثر شمولًا ماليًا، خاصة للفئات التي لم يكن لديها وصول كافٍ للخدمات المصرفية التقليدية، لكنها في الوقت نفسه فرضت متطلبات جديدة على الجهات التنظيمية والمراجعين والمستثمرين لضمان أمن البيانات وحماية العملاء من الممارسات غير المنضبطة.
مخاطر الأمن السيبراني
سلّط التقرير الضوء على أن الأمن السيبراني يمثل التحدي الأكبر أمام شركات الإقراض الرقمي، في ظل اعتمادها الكامل على الأنظمة والمنصات الإلكترونية لإدارة عملياتها. وأشار إلى أن الهجمات السيبرانية لم تعد مجرد تهديد محتمل، بل أصبحت واقعًا متكررًا يستهدف البنية التحتية المالية العالمية، وهو ما يجعل من الضروري الاستثمار في أنظمة الحماية الإلكترونية وتطبيق معايير أمن المعلومات وفقًا للإرشادات الدولية.
وأكدت “EY” أن ضعف الإجراءات الوقائية لدى بعض الشركات قد يؤدي إلى تسريب بيانات العملاء أو تعطيل الأنظمة التشغيلية، مما يضر بثقة المستهلكين ويعرّض المؤسسات لعقوبات تنظيمية وخسائر مالية. ودعت إلى بناء أنظمة حماية متعددة المستويات تشمل رصد المخاطر في الوقت الفعلي، والتدريب المستمر للعاملين، وتعزيز التعاون مع الهيئات الرقابية في مجال الأمن السيبراني.
تحديات الامتثال والتنظيم
أوضح التقرير أن توسع نشاط الإقراض الرقمي يتطلب تحديث الأطر التنظيمية بما يتماشى مع طبيعة الخدمات الجديدة، مؤكدًا أن مؤسسات التمويل تواجه تحديات في الامتثال للقوانين المحلية الخاصة بحماية البيانات الشخصية ومكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب.
وبيّنت “EY” أن الجهات الرقابية في مصر، وعلى رأسها الهيئة العامة للرقابة المالية، تعمل على وضع قواعد تنظيمية أكثر دقة للإشراف على التمويل غير المصرفي الرقمي، مشيرة إلى أهمية الموازنة بين تشجيع الابتكار من ناحية، وحماية المستهلكين واستقرار السوق من ناحية أخرى.
كما دعا التقرير الشركات العاملة في القطاع إلى تعزيز الشفافية والإفصاح بشأن نماذج أعمالها وآليات تسعير الخدمات، بما يضمن التزامها بالقواعد الرقابية ويعزز ثقة المستثمرين والمستهلكين.
حماية المستهلك والتثقيف المالي
شددت “إرنست آند يونغ” على أن حماية المستهلك تمثل أحد المحاور الرئيسية لاستدامة نشاط الإقراض غير المصرفي، خصوصًا في ظل توسع استخدام التكنولوجيا بين فئات واسعة من المستهلكين ذوي الوعي المالي المحدود.
وأوضح التقرير أن بعض المنصات الرقمية تعتمد نماذج تسعير معقدة قد لا تكون واضحة للمستخدم النهائي، مما يستدعي وضع ضوابط صارمة تضمن وضوح شروط التمويل وشفافية تكلفة الائتمان. كما أوصى التقرير بضرورة إطلاق برامج للتثقيف المالي للمستهلكين تساعدهم على فهم حقوقهم ومسؤولياتهم قبل استخدام هذه المنصات.
توصيات لتعزيز الحوكمة الرقمية
وأكدت على أن مستقبل التمويل غير المصرفي في مصر يعتمد على قدرة المؤسسات على دمج التكنولوجيا بالحوكمة الرشيدة. وأوصت “EY” بضرورة بناء أطر متكاملة للحوكمة الرقمية تشمل سياسات واضحة لإدارة المخاطر، وضمان استقلالية لجان المراجعة، وتفعيل نظم رقابية داخلية تعتمد على البيانات والتحليلات الذكية.
وأشار التقرير إلى أن تطبيق مبادئ الحوكمة الرقمية لا يقتصر على الامتثال التنظيمي، بل يُعد عاملًا رئيسيًا في جذب الاستثمارات الدولية وزيادة الثقة في السوق المصرية كبيئة آمنة ومستقرة للتمويل الرقمي.
وأكدت “إرنست آند يونغ” أن مصر تمتلك مقومات قوية لتصبح مركزًا إقليميًا في مجال التمويل غير المصرفي الرقمي، بفضل قاعدة المستخدمين المتنامية، والدعم التنظيمي، وانتشار البنية التحتية التكنولوجية، إلا أن تحقيق هذا الطموح يتطلب استمرار العمل على بناء الثقة وضمان الحماية والأمن في جميع مراحل العملية التمويلية.








