دعا عدد من الخبراء والمشاركين في فعاليات اليوم الثاني من منتدى القاهرة في دورته الثانية إلى ضرورة إصلاح النظام التجاري العالمي متعدد الأطراف وتفعيل آليات تسوية المنازعات داخل منظمة التجارة العالمية، محذرين من انعكاسات تصاعد النزعات الحمائية والسياسات الأمريكية الجديدة على استقرار الاقتصاد الدولي.
واستعرضت الجلسة الأولى، التي جاءت بعنوان “مستقبل سياسات التجارة الدولية في عالم شديد الاضطراب” وأدارها عبدالحميد ممدوح، المستشار القانوني الأول بمكتب كينج أند سبالدينج في جنيف، أبرز التحولات في خريطة التجارة والاستثمار العالمية، بمشاركة المهندس وليد جمال الدين رئيس الهيئة العامة للمنطقة الاقتصادية لقناة السويس، ومحمد الجوسقي مساعد وزير الاستثمار والتجارة الخارجية للتخطيط والتطوير والتحول الرقمي.
قال المهندس وليد جمال الدين، رئيس المنطقة الاقتصادية لقناة السويس، إن العالم يشهد “تأثيراً مضاعفاً غير مسبوق خلال الأشهر التسعة الماضية غيّر مسار الاستثمار والتجارة الدولية”، مؤكداً أن التحولات الجارية ستعيد تشكيل خريطة التصنيع وسلاسل الإمداد العالمية خلال السنوات المقبلة.
وأوضح أن الولايات المتحدة رغم ناتجها المحلي البالغ نحو 30 تريليون دولار، اتخذت قرارات أحادية أضرت أولاً باقتصادها، مشيراً إلى أن التصنيع الأمريكي لا يمثل سوى 18.4% من الناتج المحلي، أي ما يعادل 4.4 تريليون دولار من السلع المصنعة.
وأشار إلى أن تلك السياسات انعكست على ضعف الدولار وارتفاع معدلات التضخم وتراجع تنافسية أوروبا، مؤكداً أن الاقتصاد العالمي يعيش “عاصفة جديدة تشبه أزمة كوفيد” مع اختلالات في الإنتاج والتمويل.
وأضاف أن مصر تمتلك “فرصة ذهبية قد لا تتكرر خلال العامين المقبلين” لجذب المستثمرين الباحثين عن قواعد إنتاج مستقرة ومنصات انطلاق للأسواق الإقليمية.
أوضح أن المنطقة الاقتصادية لقناة السويس نجحت في جذب استثمارات بقيمة 11 مليار دولار خلال ثلاث سنوات ونصف، منها 80% استثمار أجنبي مباشر، مقارنة بـ2 مليار دولار فقط خلال السنوات السبع الأولى من تأسيسها.
وأكد أن هذا النمو تحقق بفضل تطوير البنية التحتية وتهيئة بيئة استثمارية متكاملة توفر عناصر الكفاءة للمستثمرين، مشيراً إلى أن الاهتمام حالياً يتركز على “الحوافز غير المباشرة” مثل توافر العمالة الماهرة وتكاليف التشغيل التنافسية وموقع المنطقة الاستراتيجي على محور قناة السويس.
من جانبه، قال محمد الجوسقي، مساعد وزير الاستثمار والتجارة الخارجية، إن العالم يشهد تحولاً جوهرياً في نظم التجارة الدولية يكرس مبدأ “البقاء للأقوى”.
أكد أن تراجع العولمة وتصاعد الدعوات لتفكيك النظام التجاري متعدد الأطراف يهددان استقرار المشهد الاقتصادي العالمي.
وأشار إلى أن مصر تدعم النظام التجاري المتعدد الأطراف كضمانة لتحقيق العدالة التجارية، مع ضرورة إصلاح المؤسسات الدولية وتفعيل آلياتها، مؤكداً أن “الإصلاح لا يجب أن يظل مجرد شعارات”.
وأضاف أن الوزارة انتهت من إعداد أول سياسة متكاملة للتجارة الخارجية، إلى جانب تنفيذ إصلاحات هيكلية وخفض متوسط زمن الإفراج الجمركي من أكثر من 15 يوماً إلى 5.8 يوم حالياً، مع استهداف الوصول إلى يومين قبل نهاية العام، بما يوفر نحو 150 مليون دولار سنوياً.
وقال سايمون إيفينيت، أستاذ العلوم الجيوسياسية والاستراتيجية بسويسرا، إن السياسة التجارية الأمريكية تمر بمرحلة “إعادة تموضع استراتيجي” تستند إلى اعتبارات أمنية في مواجهة الصين.
أكد أن واشنطن تخشى خسارة حربها التكنولوجية أمام بكين في ظل اتساع نفوذها الاقتصادي والعسكري.
وأضاف أن هذا التوجه الأمريكي أدى إلى شلّ مبادئ النظام التجاري العالمي القائم على الانفتاح وتحرير الأسواق، داعياً الدول النامية إلى العمل المشترك لحماية مصالحها في النظام التجاري الدولي.
وأكد السفير آلان وولف، زميل أول بمعهد بيترسون للاقتصاد الدولي، أن استبعاد الولايات المتحدة من منظمة التجارة العالمية سيكون بمثابة خطأ جسيم، مشدداً على ضرورة إعادة تفعيل آلية تسوية المنازعات وجعل قراراتها ملزمة ونهائية.
وأشار إلى أن النظام التجاري متعدد الأطراف يوفر قدراً كبيراً من التنبؤ والاستقرار للتجارة الدولية، وأن غياب الدور الأمريكي الفاعل قد يعرض المنظمة لمصير مشابه لعصبة الأمم.
وفي السياق ذاته، أوضح ستيفان شيبرز، المدير التنفيذي للمجموعات المستقلة لابتكار سياسات الاتحاد الأوروبي، أن التحولات العالمية الراهنة بدأت منذ فقد الغرب احتكاره للبحث العلمي قبل عقدين، مما غيّر موازين القوى الاقتصادية، مشيراً إلى أن نحو 87% من التجارة العالمية تُدار حالياً خارج الولايات المتحدة.
ولفت إلى أن الاتحاد الأوروبي يتجه لاعتماد نموذج “الشراكات الشاملة” بدلاً من الاتفاقيات التقليدية، يجمع بين التجارة والبحث العلمي والتنمية المستدامة، مؤكداً أن الحرب في أوكرانيا كشفت هشاشة الدفاع الأوروبي ودفعت القارة لإعادة بناء منظومتها الأمنية والاقتصادية.
وقالت فاليري بيكارد، رئيس قسم التجارة بغرفة التجارة الدولية، إن تصاعد الحمائية التجارية وغياب الوضوح في السياسات الأمريكية أصاب مجتمع الأعمال العالمي بـ”الشلل”.
أكد أن الدراسة التي أعدتها «أوكسفورد إيكونوميكس» لصالح الغرفة أظهرت أن غياب منظمة التجارة العالمية سيؤدي إلى تراجع صادرات السلع غير النفطية في الدول النامية بنسبة 33%، وانخفاض الناتج المحلي الإجمالي بنحو 5%.
وأضافت أن التأثير المتوقع على مصر سيكون أقل نسبياً، بانخفاض في الصادرات بنسبة 20% والناتج المحلي بنسبة 3%، مؤكدة أن النظام القائم رغم عيوبه يبقى “ركيزة أساسية لاستدامة التجارة العالمية”.
ودعت بيكارد إلى إطلاق جولة إصلاح جديدة لمنظمة التجارة العالمية خلال اجتماعها الوزاري المقبل في مارس، لتحديث آلياتها وتعزيز استدامة النظام التجاري متعدد الأطراف في مواجهة تحديات العقد الجديد.








