تشهد الأسواق الأمريكية حالة من القلق المتصاعد بعد سلسلة من قضايا الاحتيال المزعومة من جانب شركات مقترضة، ما دفع البنوك والمستثمرين إلى إعادة النظر في سياسات الإقراض ومراجعة إجراءات التحقق المالي بشكل أكثر صرامة، وسط مخاوف من تداعيات أوسع على النظام المالي.
وذكرت صحيفة (وول ستريت جورنال) الأمريكية اليوم الثلاثاء، أن مؤسسات مالية كبرى من بينها جيه بي مورجان تشيس وبلاك روك تكبدت خسائر بسبب تعاملات مع شركات يشتبه في قيامها بتزوير البيانات المالية أو تكرار رهن الأصول ذاتها للحصول على تمويلات متعددة.
ورغم أن هذه القضايا تقتصر حتى الآن على شركات صغيرة ومتوسطة في قطاعات السيارات والاتصالات، فإنها أحدثت صدى واسعا في أسواق الائتمان، ودفعت البنوك إلى طلب بيانات مالية تمتد لسنوات طويلة قبل منح أي قروض، إضافة إلى إدراج شروط تتيح مراجعة دورية للضمانات والأصول.
وفي هذا السياق، شكلت مجموعة من أكبر مؤسسات البنوك وإدارة الأصول والمحاسبة في بورصة وول ستريت فريق عمل خاصا لمكافحة الاحتيال المالي، سيعمل خلال الأشهر المقبلة على إعداد توصيات بشأن أساليب الكشف المبكر عن الاحتيال وتقديمها في مؤتمر مالي مرتقب في فبراير المقبل.
ومن أبرز القضايا التي أثارت المخاوف إفلاس شركة “فيرست براندز” لمكونات السيارات بعد الاشتباه في قيامها برهن الذمم المدينة نفسها لعدة مقرضين، وكذلك إفلاس شركة “تريكولور هولدينج” للتمويل والسيارات المستعملة، التي تواجه اتهامات بتزوير بيانات القروض أو تكرار رهنها.
كما أعلنت بنوك إقليمية مثل زينز بانكورب عن خسائر في قروض عقارية بكاليفورنيا، بينما واجهت وحدة التمويل الخاص التابعة لبلاك روك اتهامات بالاحتيال ضد شركة اتصالات صغيرة في قضية زادت من توتر الأسواق.
ويرى محللون اقتصاديون أن الظاهرة تذكر بفترة ما قبل الأزمة المالية العالمية، حين أدى التوسع في الإقراض المضمون بأصول إلى انفجار فقاعات مالية.
وأشار تقرير لمجموعة التمويل المهيكل إلى أن شركات الائتمان باتت أكثر حرصا على مراجعة تاريخ السداد للعملاء ومراقبة جودة الضمانات.. وتأتي هذه الإجراءات بينما يشهد الاقتصاد الأمريكي استقرارا نسبيا، إذ لم ترتفع معدلات التعثر أو الإفلاس بشكل حاد، ما يشير إلى أن المخاطر ما زالت تحت السيطرة.
غير أن قطاع السندات المدعومة بقروض السيارات عالية المخاطر تأثر سلبا بعد إفلاس تريكولور، إذ انخفضت أسعار هذه السندات وارتفعت عوائدها نتيجة مخاوف من زيادة التعثر بين المقترضين من ذوي الدخل المنخفض.
وقالت تيريزا أونيل، محللة السندات المضمونة بالأصول في بنك أوف أمريكا، إن المستثمرين “يتوخون الحذر الآن ويفكرون في احتمال تكرار مثل هذه الحالات مع جهات إصدار أخرى”.
أما جورج جوديلياس، مدير الاستثمار في “سيكس إنفستمنت أدفايزرز”، فقال إن المزاعم الأخيرة “مقلقة بلا شك، لكنها لم تغير حتى الآن نظرتنا إلى السوق ككل”، مشيرا إلى أن التركيز لا يزال على المؤشرات التقليدية مثل نمو الأرباح وقدرة الشركات على تغطية فوائد ديونها.
ورغم حالة الحذر السائدة، فإن الإقبال على السندات والقروض الشركاتية لا يزال قويا، ما يعكس ثقة المستثمرين في متانة الاقتصاد الأمريكي، ولو أن شبح الاحتيال المالي بدأ يعيد إلى الأذهان دروس الماضي القريب.








