شهدت «إيجيبت أوتوموتيف» جلسة حوارية جمعت عدداً من كبار قادة صناعة السيارات فى مصر، وتضمنت نقاشاً معمقاً حول التحديات والفرص التى تواجه القطاع فى ظل التحولات العالمية، وخاصة ما يتعلق بتوطين سلاسل الإمداد، وصعود العلامات الصينية، ومستقبل إستراتيجية الدولة للنهوض بالصناعة.
قال أنكوش أرورا، الرئيس التنفيذى لشركة المنصور للسيارات، إن السوق يمر بمرحلة تحول جوهرية تمثل فرصة حقيقية أمام المستثمرين، مشيراً إلى أن المرحلة الحالية تتطلب «التقاط الفرص بدلاً من الاكتفاء برصدها».
أضاف أن الإمارات جذبت فى السبعينيات والثمانينيات شريحة واسعة من المستثمرين الأفراد، لكنها لم تمتلك آنذاك رؤية طويلة المدى لدعم هؤلاء المستثمرين أو توفير قنوات استثمار منظمة، وهو ما أدى إلى تراجع الزخم فى السوق فترة طويلة. كما أن غياب التركيز على أسواق المال حينها فتح المجال أمام الاستثمارات الفردية غير المؤسسية دون وجود إستراتيجية تحافظ على استدامتها.
وأشار «أرورا» إلى أن السنوات الثلاث الماضية شهدت تحولاً نوعياً فى نهج الحكومة تجاه قطاع الاستثمار، مع تبنى سياسات أكثر انفتاحاً وتنظيماً، ما أسهم فى إعادة بناء الثقة فى السوق وخلق أرضية جديدة للنمو.
ولفت إلى أن إطلاق المبادرات الأخيرة فى السوق يعد خطوة تأسيسية ضرورية لإعادة تنشيط قاعدة المستثمرين الأفراد، مؤكداً أهمية حملات التوعية الموجهة للمستثمرين فى الإمارات لتوسيع قاعدة المشاركة فى الأسواق.
وتابع: «السوق الإماراتى يشهد معدلات اختراق قوية فى المنتجات الجديدة، إذ تصل نسبة شراء السيارات الجديدة إلى نحو 60% من إجمالى المبيعات، مع نمو سنوى يتراوح بين 10 و12%، ما يعكس وجود مستثمر متعطش للفرص سواء فى سوق السيارات التقليدية أو فى التحول نحو المركبات الكهربائية».
أكد «أرورا» أن المرحلة المقبلة تتطلب الاستفادة من الزخم الحالى وتعزيز الأدوات التى تمكّن المستثمرين من دخول السوق بثقة أكبر، وتحويل الفرص المتاحة إلى مكاسب طويلة الأجل، خاصة مع صعود قطاع السيارات الكهربائية الذى يمثل محوراً رئيسياً للنمو فى السنوات المقبلة.
محمد عبدالصمد: توطين سلاسل الإمداد هو الضمان الحقيقى للأمن الصناعى فى قطاع السيارات
وقال محمد عبدالصمد، العضو المنتدب لشركة نيسان، إن سلاسل الإمداد تمثل الركيزة الأساسية لصناعة السيارات، واصفاً إياها بـ«الذراع الأهم للقطاع» وعنصراً حاسماً فى حماية الأمن الصناعى واستدامة الإنتاج.
أضاف أن أى خلل فى منظومة التوريد يجعل الصناعة بأكملها عرضة للمخاطر والتعطل فى لحظة، مشدداً على أن توطين سلاسل الإمداد يعد الطريق الأكثر فعالية لخفض تكاليف الإنتاج وتقليص فترات التوريد وتقليل نفقات النقل، بما يعزز قدرة الشركات على التوسع والتطور.
أوضح «عبدالصمد» أن الاعتماد على موردين محليين يوفر مرونة أكبر فى تلبية احتياجات السوق ويعزز سرعة الاستجابة للتغيرات، مقارنة بالانتظار الطويل لقرارات المقرات الخارجية.
وفيما يتعلق بالاستدامة، أشار إلى أن تقليل المسافات التى تقطعها المكونات المستوردة يسهم مباشرة فى خفض الانبعاثات الكربونية، معتبراً أن «كل كيلومتر يتم توفيره فى عملية النقل هو خطوة نحو صناعة أكثر نظافة واستدامة».
لفت «عبدالصمد» إلى أن قرب الشركات من السوق المحلى يتيح فهماً أدق لاحتياجات المستهلك وتطوير المنتجات بشكل أسرع وأكثر كفاءة، مؤكداً أن الشراكات مع الموردين المحليين باتت عنصراً أساسياً فى تحسين الجودة ومرونة الإنتاج.
وأوضح أن مصر تمتلك قاعدة كبيرة من الكفاءات والمهندسين القادرين على قيادة التطوير الصناعي، مشيراً إلى أن الفرصة لا تقتصر على تصدير السيارات فقط، بل تمتد إلى تصدير الكفاءات المصرية للأسواق العالمية، بما يدعم تحول مصر إلى مركز إقليمى لتصنيع وتصدير السيارات لأسواق أفريقيا.
وفيما يتعلق بالتصدير، قال «عبدالصمد» إن نيسان تُعد أكبر مُصدّر لسيارات الركوب المُجمعة محليًا، «لكننا ما زلنا فى بداية الطريق»، مع وجود فرص قوية للتوسع فى الأسواق الإفريقية رغم استمرار تحديات النقل واللوجستيات.
ونوه بأن ما يُطلق عليه «الأمن الصناعي» بات عنصراً استراتيجياً لقطاع السيارات، مشيراً إلى أن الأزمات العالمية الأخيرة، وعلى رأسها أزمة البحر الأحمر، أثبتت أن السيطرة المحلية على سلاسل الإمداد تمثل خط الدفاع الأول لحماية الصناعة من الصدمات الخارجية.
شارون نيشى: أوبترا الجديدة تمثل نموذجاً آخر لتجربة ناجحة فى التصنيع المحلى العميق
وقالت شارون نيشى، رئيس مجلس الإدارة والعضو المنتدب لشركة جنرال موتورز مصر وشمال أفريقيا، إن الشركة تُعد من رواد الصناعة المحلية فى قطاع السيارات بمصر، مشيرة إلى أن «التصنيع المحلى الحقيقى لا يتحقق بين يوم وليلة، بل يحتاج إلى إستراتيجية طويلة المدى، واستقرار فى السياسات، والتزام حقيقى من القطاعين العام والخاص بدعم الصناعة».
وأضافت أن «جنرال موتورز» كانت ولا تزال جزءاً أصيلاً من الصناعة المصرية منذ أكثر من 40 عاماً، موضحة أن الشركة استثمرت أكثر من 530 مليون دولار فى السوق المصرى على مدار السنوات الماضية، وهو رقم يعكس ثقة الشركة فى قدرات مصر التنافسية وإمكاناتها التصنيعية.
أشارت «نيشى» إلى أن الشركة لا تكتفى بضخ استثمارات مالية فقط، بل تُقدم أيضاً «نقلاً حقيقياً للمعرفة والخبرة والتكنولوجيا الأمريكية إلى السوق المحلي»، عبر تطبيق المعايير العالمية فى الجودة والسلامة والتصنيع، مؤكدة أن ذلك أسهم فى إنتاج سيارات بمعايير دولية وبقيمة مضافة محلية متزايدة عاماً بعد عام.
وكشفت أن من أبرز قصص النجاح التى حققتها الشركة فى السوق المصرى هو «البيك أب المحلى للتجميع»، الذى جرى توطين أغلب مكوناته «بدءاً من ألواح الجسم الخارجية وحتى المكونات الداخلية، باستثناء منظومة نقل الحركة التى تظل التحدى الأكبر أمام الصناعة المحلية».
أضافت «نيشى» أن سيارة «أوبترا» الجديدة تمثل نموذجاً آخر لتجربة ناجحة فى التصنيع المحلى العميق؛ إذ تمت عملية توطينها منذ مراحلها الأولى بالتعاون مع الموردين المحليين، مشيرة إلى أن الشركة نجحت مؤخراً فى توطين تصنيع المصابيح الأمامية بالتعاون مع شركة «على إيكو»، وهى المرة الأولى التى يتم فيها تصنيع هذا المكون الحيوى محلياً لسيارات الركوب فى مصر.
وأكدت أن «جنرال موتورز» ستواصل التوسع فى تعميق التصنيع المحلى بالتعاون مع الموردين المصريين، لافتة إلى أن الشركة ترى فى مصر قاعدة صناعية واعدة قادرة على أن تصبح مركزاً إقليمياً معتمداً للتصنيع والتصدير فى أفريقيا والشرق الأوسط.
وفيما يتعلق بفرص النمو، أكدت أن قطاع السيارات يمكن أن يسهم بنسبة تتراوح بين 5 و7% من الناتج المحلى الإجمالى لأى دولة، مشيرة إلى أن بعض الدول وصلت مساهمته إلى أكثر من 10%، وهو ما يمثل هدفاً يمكن لمصر تحقيقه إذا تم وضع سياسات واضحة ومستقرة تدعم نمو الصناعة.
وأوضحت «نيشى» أن السوق المصرى يمتلك العديد من عناصر القوة التنافسية، مثل انخفاض تكلفة العمالة، ووجود قاعدة كبيرة من المهندسين والفنيين الماهرين، مشيدة بما وصفته بـ«الطابع الهندسى الفريد للمصريين» الذى يمثل ثروة بشرية حقيقية يمكن البناء عليها.
ومن بين التحديات الأساسية التى تواجه الصناعة المحلية ضعف حجم السوق (نقص الـScale)، وهو ما يجعل تكلفة الإنتاج المحلى أعلى مقارنة بالاستيراد.
ويكمن الحل فى تحقيق التوازن بين تلبية احتياجات السوق المحلى وزيادة التصدير فى الوقت نفسه، مؤكدة أنه «لا يمكن تحقيق الكفاءة المطلوبة دون الوصول إلى حجم إنتاج كافٍ». فالتغلب على «معضلة البيضة والدجاجة» فى التصنيع المحلى يتطلب تعاوناً وثيقاً بين القطاعين العام والخاص.
وختمت حديثها بالتأكيد على أن «جنرال موتورز» تؤمن بقدرات السوق المصرى وبأن مستقبل صناعة السيارات فى مصر «واعد ومليء بالفرص، إذا ما توافرت الإرادة والرؤية الواضحة لدعم الصناعة وتحقيق التكامل فى سلاسل القيمة».
عثمان عبدالمنعم: صعود العلامات الصينية لن يُقصى المنافسين لكنه يفرض قواعد جديدة
وقال عثمان عبدالمنعم، العضو المنتدب لشركة أوتو موبيليتي، إن سوق السيارات فى مصر شأنه شأن الأسواق الناشئة الأخرى يمر بتحول جوهرى تقوده الطفرة التى حققتها العلامات الصينية خلال السنوات الأخيرة، سواء على مستوى الحصة السوقية أو التقنيات والقدرات التصنيعية.
وأشار إلى أن حصة هذه العلامات ارتفعت من نحو 10% قبل خمسة أعوام إلى ما يتجاوز 35% حاليًا، مع توقعات بتخطى 40% خلال عامين، مدعومة باستثمارات متزايدة فى التجميع المحلى وتقديم طرازات حديثة بتصميمات مستقبلية.
وأوضح أن الشركات الصينية لم تكتفِ بالتوسع، بل استطاعت تطوير تقنيات إنتاج أكثر كفاءة، وخفض تكاليف التصنيع، وتحسين الجودة لتتماشى مع المعايير العالمية، مستفيدة من نقل التكنولوجيا داخل مجموعاتها. وضرب مثالاً بشركات «جيلى – فولفو» التى تستند إلى خبرات «فولفو» فى معايير الأمان وتطبقها عبر مختلف العلامات التابعة لها.
وأشار «عثمان» إلى أن الصورة الذهنية التقليدية عن السيارات الصينية باعتبارها «خياراً اقتصاديًا» لم تعد قائمة، إذ باتت تنافس من حيث الجودة والتكنولوجيا والقيمة المقدمة للمستهلك، ما يعزز من تنوع الخيارات ويحفز باقى الشركات على تطوير منتجاتها. وأضاف أن صعود المنافسة يمثل عنصراً صحياً للسوق، لكنه حذر من أن حرب الأسعار التى يشهدها السوق المحلى حالياً تضعف هوامش الربحية وتهدد استدامة الاستثمار، كما تدفع المستهلكين لتأجيل الشراء ترقباً لمزيد من التراجعات، بما ينعكس سلباً على الثقة وقيمة إعادة البيع.
وأكد أن دخول العلامات الصينية بقوة لا يعنى إقصاء العلامات التقليدية، بل يمثل إضافة تعزز من ديناميكية القطاع، شريطة انتقال المنافسة من الخصومات إلى معايير أكثر استدامة تقوم على الجودة والابتكار وكسب ثقة المستهلك.
