في نوفمبر 2020، وفي أمسية باردة بشنغهاي، أوقفت الجهات التنظيمية الصينية فجأة أكبر اكتتاب عام في العالم لشركة “آنت جروب”، الذراع المالية لـ”علي بابا”، ما أشعل حملة ضغط استمرت أربع سنوات على إمبراطورية جاك ما، الذي تراجع عن الظهور بعد انتقادات وُجهت لهيئات الرقابة المالية.
أدّى إلغاء الاكتتاب إلى محو أكثر من 400 مليار دولار من قيمة “علي بابا”، فيما بدت الشركة في مرحلة تراجع وسط تغييرات إدارية وهيكلية لم تحقق نتائج.
مع ذلك، ظل المقربون من جاك ما ، يؤكدون أنه لا يستسلم بسهولة، كما قال برايان وونج، المدير التنفيذي السابق في الشركة، لشبكة “سي إن بي سي”.
ورغم الأزمة، توسعت “علي بابا” في قطاعات تمتد من توصيل الطعام إلى التجارة الإلكترونية العالمية والحوسبة السحابية والذكاء الاصطناعي، فيما يبرز ثقلها الحقيقي خلال مهرجان “يوم العزاب” الذي تحول من فعالية ليوم واحد إلى موسم تسوق يمتد لأسابيع.
غالباً ما تُقارن “علي بابا” بعملاق التكنولوجيا الأمريكي “أمازون”، إلا أن هذه المقارنة ليست دقيقة تماماً.
وقال دانكان كلارك، أحد أوائل مستشاري الشركة ورئيس شركة “بي داي أيه تشاينا”، إن “علي بابا باتت تُرى اليوم كلاعب تكنولوجي كبير، وليس مجرد شركة تجارة إلكترونية”.
بعد إلغاء طرح “آنت جروب”، دخلت “علي بابا” ومعها قطاع التكنولوجيا الصيني مرحلة تضييق وتنظيم صارم، وسط قلق حكومي من اتساع نفوذ رواد الأعمال.
وتعرضت الشركة لغرامة احتكارية تقارب 3 مليارات دولار في 2021، بينما كانت تواجه سوقاً محلية ضعيفة وتنافساً متصاعداً من “بي داي داي” و”جيه دي دوت كوم”.
مع ذلك، ركزت الأسواق العالمية بشكل لافت على أي ظهور لجاك ما، إذ كانت أسهم “علي بابا” ترتفع بمجرد رصده في العلن، ما حجب عن الأنظار الجهود الداخلية لإعادة هيكلة ضخمة لم تغيّر وضع الشركة سريعاً.
وفي 2023، استقال دانييل تشانغ بشكل مفاجئ، ليخلفه المخضرمان إدي وو وجو تساي.
وقد أعادا الاستقرار للشركة ووجهاها للعودة إلى أساسها في التجارة الإلكترونية، مع تعزيز الاستثمار في الذكاء الاصطناعي، ما أدى إلى تحسن واضح في نتائج “علي بابا” خلال الفصول الأخيرة.
هل اختفى جاك ما فعلاً؟
بدا أنه لا، ففي فبراير الماضي، كان ما بين مجموعة صغيرة من رواد الأعمال الذين التقوا بالرئيس الصيني شي جين بينج في اجتماع نادر.
“علي بابا” تتحول بهدوء إلى عملاق ذكاء اصطناعي
وسط الاضطرابات ومرحلة التعافي، كانت “علي بابا” تستثمر بهدوء في الذكاء الاصطناعي خلف الكواليس، وفي الواقع، كان ذلك أولوية منذ عام 2016.
قال مارك جريفين، أستاذ الابتكار الإداري في المعهد الدولي لتطوير الإدارة: “حدثت تسارعات حقيقية خلال سنوات كوفيد بين 2019 و2021، حين بدأت الشركة فعلاً في بناء نماذجها الأساسية ورقائقها الخاصة”.
عندما طرحَت “أوبن إيه آي” نموذج “تشات جي بي تي” في نهاية 2022، كانت “علي بابا” جاهزة بعد أشهر قليلة بنسختها الخاصة من حلول الذكاء الاصطناعي.
كان نهج “علي بابا” مختلفاً عن بعض منافسيها الأمريكيين، إذ ركزت على نماذج الذكاء الاصطناعي مفتوحة المصدر، والتي يمكن للمطورين تحميلها واستخدامها مجاناً، وباتت نماذج الشركة اليوم من بين الأكثر انتشاراً بين المطورين حول العالم.
رسخ الرئيس التنفيذي إدي وو التزام “علي بابا” بإعادة ابتكار نفسها كشركة ذكاء اصطناعي.
ففي أول رسالة له إلى الموظفين بعد توليه المنصب، دعا وو الشركة إلى العودة إلى عقلية الشركات الناشئة، وحدد أولويتين استراتيجيتين، وهما “المستخدم أولاً” و”الذكاء الاصطناعي محركاً أساسياً”.
استفاد نشاط الحوسبة السحابية للشركة من التركيز على الذكاء الاصطناعي، وهذا يأتي أيضاً في وقت يُنظر فيه إلى سباق تطوير الذكاء الاصطناعي كسباق بين الشركات الأمريكية والصينية، وتبرز فيه “علي بابا” كأحد اللاعبين الصينيين البارزين.








